بقلم:د. معن علي المقابلة
يخوض الشعب الفلسطيني معركته للتحرر من نير الاحتلال ، منذ ما يزيد عن القرن من الزمان، و قد قدم في سبيل هذه المعركة- التي لم تتوقف ولن تتوقف- أنهاراً من الدم الزكي الطاهر، وقوافلاً تترى من الشهداء في سبيل نيل حقوقه ، وكلما اعتقد البعض من المرجفين ان هذا الشعب كلّ أوملّ انبعث من جديد كطائر الفينيق، (وأسطورة طائر الفينيق لمن لا يعرفها ) أسطورة كنعانية، والكنعانيون هم أهل بلاد الشام الأصليون والتي تعود أصول اهل بلاد الشام اليهم ومنهم الفلسطينيون، بحيث لا يزال تأثير هذه الأسطورة في الأدب والثقافات المعاصرة كرمز للتجدد والخلود.
إن هذه الملحمة المستمرة ، منذ النكبة وحتى طوفان الأقصى؛ الذي انطلق في السابع من اكتوبر٢٠٢٣م ، والذي قدم فيه الشعب الفلسطيني ما لم يقدمه شعب آخر ، في سبيل نيل حقوقه و استقلاله، رغم تآمر القريب والبعيد على مشروعه التحرري، بينما في الجانب الآخر، يتلقى الكيان الصهيوني دعماً منقطع النظير من أعتى قوى الأرض من السلاح والمال والدعم السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، و إذا ما عقدنا مقارنة بين الطرفين ؛من حيث موازين القوى ؛فان المقارنة تبعث على اليأس والقنوط، إلا ان إيمان هذا الشعب بعدالة قضيته حطمت كل هذه الموازين ، واثبتت ان الفلسطينيين شعب مصمم على نيل استقلاله مهما غلا الثمن.
المتتبع لنضال هذا الشعب يلاحظ ان مصيبته مركبة ، بين عدو مدعوم بقوى عالمية، وبين نخبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية، هذه النخب التي عجزت عن استثمار هذه التضحيات الجسام التي يقدمها هذا الشعب، حتى ان هذه النخب كانت السبب في اجهاض كثير من محطات نضاله على مدار ثمانية عقود، سواء عدم التقاطها لمثل هذه المحطات لحسابات سياسية ضيقة ، او شخصية ضمن الصراع الداخلي بين هذه النخب ؛ بحيث فوّتت على الشعب الفلسطيني فرص إقامة دولته المستقلة على ارضه، او ترك هذا النضال لانتهازيين او متكسبين.
لم يعد مقبولاً من النخب : السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية الفلسطينية في الشتات الوقوف موقف المتفرج، وكأن الأمر لا يعنيهم إلا كما يعني ناشط أوروبي او أمريكي او أفريقي بل ان بعض هؤلاء الناشطين من غير الفلسطينيين قدموا لفلسطين اكثر مما قدمت هذه النخب، كما لم يعد مقبولاً من هذه النخب بعد مسيرة اتفاقية أوسلو، التي تمخض عنها سلطة هزيلة اصبحت اداة من ادوات الكيان الصهيونى؛ لابتلاع فلسطين كاملة، وتجريم مقاومة الاحتلال تحت ذريعة المفاوضات والمقاومة السلمية، من أجل المحافظة على مكتسبات أفرادها . فمن لا ينظر من هذه النخب لهذه السلطة بهذا المنظار فهو إما لديه عمىً سياسي او متواطئ.
تستطيع النخب الفلسطينية في الشتات(Diaspora) بالتنسيق مع النخب داخل فلسطين، ممن لم تتلوث أيديهم بالتعامل مع الكيان الصهيوني وبالدم الفلسطيني ، ان تأخذ دورها في مساندة المقاومة، والمقاومة فقط، فالشعوب لم تتحرر من المستعمر إلا بالمقاومة وعلى رأسها المقاومة المسلحة التي ضمنتها لها كل الشرائع الدولية.
لقد اصبح عقد مؤتمر لهذه النخب لدعم المقاومة واجب وطني وأخلاقي، بحيث تنبثق عن هذا المؤتمر أمانة عامة و لجان هدفها
أولاً : نزع الشرعية عن سلطة أوسلو -ان بقي لها شرعية -بعد ان تبين لكل ذي لب وحس وطني ، انها اصبحت عبئا على نضال هذا الشعب ، و وسيلة العدو وداعميه للتآمر على المقاومة وإلصاق تهمة الارهاب بها.
ثانياً: تبني خيار المقاومة الذي ، تجيزه الشرائع والقوانين الدولية ،كخيار استراتيجي ووحيد لاقامةالدولة الفلسطينية.
ثالثاً: اعتبار كل التنظيمات داخل فلسطين المحتلة ، والتي تتبنى خيار المقاومة ، تمثل الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، وبعدم الانجرار خلف من يشيطن هذه المقاومة ويصنفها بالارهاب.
رابعاً: وعلى هذه النخب ان تختار مكان انعقاد هذا المؤتمر بعناية فائقة، بحيث لا يكون في اية دولة عربية، فهذه الدول لا تملك من امرها شيء ، وسوف تخضع للضغوط الصهيوأمريكية.
و كما اقترح ان يكون هذا المؤتمر في بلد أوروبي ، داعم لنضال الشعب الفلسطيني، وان تكون إسبانيا بالذات ؛وذلك لمواقفها وخاصة الاخيرة منها، سواء الاعتراف بالدولة الفلسطينية، او انضمامها لجنوب افريقيا ، في القضية التي رفعتها الاخيرة على الكيان الصهيونى لدى محكمة العدل الدولية، كما يجب ان يكون تمويل هذا المؤتمر تمويلاً فلسطينياً خالصاً حتى لا يتعرض لابتزاز احد وفرض اجندته على المؤتمر، فالأثرياء الفلسطينيون ،بالآلاف ان لم يكن مئات الالاف، ولا يعجزهم تمويل مثل هكذا مؤتمر، وإذا ما اعتبرنا ان هذا الثراء لكثير من الأثرياء الفلسطينيين جاء لانهم فلسطينيين بحيث تعاطفت كثير من الدول معهم وفتحت لهم أبوابها وسهلت استثمار أموالهم على اعتبار انهم اصحاب قضية كدول الخليج وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية.
اخيراً وليس آخراً؛ لم يعد هناك اي عذر لأي فلسطيني خاصة بعد هذا الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية. وكيف استطاعت ان تحدث تحول غير مسبوق في الرأي العام العالمي تجاه الحق الفلسطيني بأخذ دوره في مساندة المقاومة كل حسب مقدرته وإمكانياته، إلا ان العبء الأكبر يقع على نخبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية وبالتحديد في الشتات لتعرية كل تجار القضية ممن يقومون بالتنسيق الأمني مع العدو ويتآمرون على مقاومته. وكما يطلب تبني خيار المقاومة وتقديم كل ما يلزم من مال وسلاح ودعم سياسي، بغير ذلك فان هذه النخب تخون هذا الدم والتضحيات التي يقدما ابناء الشعب الفلسطيني على ارضه.
باحث وناشط سياسي/ الأردن
Maen1964@gmail.com