2024-11-26 12:31 م

الأميركيّون "الاسرائيليّون"... العرب الأميركيّون

2024-07-03

بقلم: نبيه البرجي
يا لها من معادلة غرائبية. ليس باستطاعة الأميركيين الا أن يكونوا "اسرائيليين"، وليس باستطاعة العرب الا أن يكونوا أميركيين. ماذا يقول المنطق الارسطي؟ ليس باستطاعة العرب الا أن يكونوا "اسرائيليين". ربما الدليل أن دولاً غربية تفاعلت أخلاقياً وسياسياً مع التراجيديا في غزة، في المقابل دول عربية لم تستيقظ من الغيبوبة.

منذ أن قامت الدولة العبرية ومصطلح "الصراع العربي ـ الاسرائيلي" يلازمنا، مصطلح ساذج وغبي. كيف يكون صراعاً مع "اسرائيل"، ولا يكون صراعاً مع أميركا التي ترانا بوزن الذبابة، تبعاً للغة الملاكمة. ولطالما تمنينا لو نكون بوزن الديك. وها هي غزة تدمّر حجراً بعد حجر، ودائماً بالقذائف الأميركية وبالقنابل الأميركية. لا استراتيجية لدى العرب سوى استراتيجية البكاء. بعض الحكومات العربية أمرت، حتى بحظر البكاء.

مايك بومبيو كان يسأل نظراءه العرب "الى متى تصرون على الدوران في الحلقة المفرغة، وغالباً ما تكون الحلقة الدموية؟ "اسرائيل" باقية طالما أن أميركا باقية". لا أحد تجرأ وقال له "نحن هكذا الى أن يظهر الفوهرر الأميركي، ويدرك من يقف وراء التصدعات البنيوية في أميركا، أكانت تصدعات ثقافية أم اثنية أم ايديولوجية".

تلك الديناميكية اللولبية للوبي اليهودي. أميركا التي فرضت نفسها آلهة للقرن وللقرون الآتية، هي أمبراطورية المال. اليهود أباطرة المال. ولكن ألا يشعر أركان اللوبي بالصدمة، لأن رهانهم على "القوة التي لا تقهر" بدا رهاناً سيزيفياً، حين ارتطم بالأداء الاسطوري لأولئك الفلسطينيين الذين يواجهون بالأسلحة الفردية الأسلحة الأكثر فتكاً والأكثر هولاً في التاريخ؟

هؤلاء الذين تمكنوا من اغراق بنيامين نتنياهو في دوامة الدم، لتبدو الدولة العبرية وللمرة الأولى، أمام مشكلة "اليوم التالي" ، بالرغم من ذلك الخراب الأبوكاليبتي الذي عجز عن احداثه الآلهة الاغريق والآلهة الرومان (وعجز عنه الشيطان أيضاً)، حتى أن السناتور لندسي غراهام، وقد لاحظ مدى المأزق "الاسرائيلي"، اقترح "ضرب غزة مثلما ضربنا هيروشيما وناكازاكي بالقنبلة النووية".

هذا وريث "الأنبياء السبعة" الذين وضعوا الدستور، أم وريث رعاة البقر بثقافة قتل الآخر؟ قد يكون ممكناً الرهان على "الأميركيين الجدد"، أو على "الاسرائيليين الجدد" الذين أدركوا الى أين يمكن أن يقودهم "الثور التوراتي"، أو "الثور الاسبارطي".

دومينيك شوفالييه سبق وسأل اذا كان العرب قادرين على التكيف مع ثقافة القرن، وقد بقوا أربعة قرون تحت النير العثماني، ما حمل الانكليزي لويد جورج على القول "لقد تسلمناهم من السلطنة العثمانية انقاضاً بشرية". لا شيء تغيّر في المشهد. أنقاض قبيلية وطائفية بعروش تصنع مثلما تصنع أطباق الهوت دوغ. هذا قول برنار ـ هنري ليفي الذي لاحظ أننا لا نساوي سياسياً واستراتيجياّ أطباق الهوت دوغ...
هكذا تؤكل ثرواتنا، وتؤكل أجيالنا، وتؤكل أزمنتنا، باليد الأميركية الغليظة (أم بتشكيلنا القبلي؟) ليحظر علينا الولوج الى القرن، وحتى ملامسة الزمن التكنولوجي أو الزمن النووي. الشرق الأوسط كله محظية أميركية. الروس لم يتجرأوا على تزويد سوريا ـ حليفتهم الكبرى أو الوحيدة في المنطقة ـ بالمنظومات الصاروخية "اس. اس ـ 400"، أو بالمقاتلات لمواجهة الغارات "الاسرائيلية" في انتهاكاتها المنهجية للأجواء وللأراضي السورية.

أيضاً، لا الايرانيون ولا الأتراك، يستطيعون التمثل ب "اسرائيل" وصناعة القنبلة النووية. ليفي اياه وصف الصين (استراتيجياً) بـ "الكوميديا الصفراء". بالتأكيد الكوميديا الصفراء ما دامت تنتهج أسلوب البائع المتجول.

لا نتصور أن سقوط أي من العروش، يعني أن النظام البديل يمكن أن يغيّر في رداءة المشهد، وقد عشنا تجربة "الربيع العربي" التي تم تصنيعها في المطابخ الكبرى، وجرى تنفيذها بالأيدي وبالأموال الاقليمية، والتي استهدفت تدمير سوريا أو تفكيكها كدور، كما استهدفت ليبيا كمنجم للنفط. وهل كان غزو العراق من أجل اقامة جمهورية حمورابي؟ أم لأنه وسط الشرق الأوسط، بعدما كان أمبراطور الصين قد وصف موقعه، أمام الرحالة القرشي بوسط الدنيا؟

نتوقف أمام ملاحظة لمحمد حسنين هيكل، خلال محاضرة له في بيروت، وهي أقرب ما تكون الى النبؤة "الأيام ستظهر أن العرب يجرون وراء الأميركيين أكثر مما يريد الأميركيون"...