2024-11-25 04:37 ص

تركيا اردوغان... جلباب السلطان الكبير

2013-03-04
بدى رئيس الوزراء التركي الحالي رجب طيب اردوغان من خلال نهجه السياسي كوالي عثماني يرتدي جلباب السلطان الكبير، دون ان يدرك انه يفوق مقاسه بكثير.

اذ تنعكس في نهج اردوغان العديد من الطموحات الا منتهية، التي لم ولن لها على ارض الواقع مكانا للهبوط، سيما مع معطيات السياسة الدولية الجديدة، والمتغيرات الجذرية بين الحقبة العثمانية والفترة الحاضرة.

وهذا الشعور بات يرهق اردوغان نفسه، وتركيا الدولة ايضا، مما يمهد قريبا لعواقب كارثية تطيح البحبوحة التي تمتعت بها الاخيرة خلال السنوات القليلة الماضية، كما يرى اغلب المراقبين للشأن التركي.

واهم القضايا قضية يمكن ان تؤثر على المسار السياسي لتركيا لعقود قادمة هي مسعى اردوغان الى تشكيل رئاسة جديدو ذات صلاحيات تنفيذية تنتقص من سلطات البرلمان، عبر استبدال دستور تركيا الحالي الذي ولد من رحم انقلاب عام 1980 والذي مازال يحمل بصمة الجيش رغم تعديله أكثر من مرة.

ولم يخف رجب طيب أردوغان عزمه على الترشح للرئاسة في الانتخابات المقررة العام المقبل وحرصه على ان يكسب منصب الرئيس - وهو حاليا شرفي بدرجة كبيرة - المزيد من النفوذ.

وجل ما يخشاه المعارضون، ان يسلم النظام الجديد المقترح الكثير من الصلاحيات لرجل تتزايد بواعث القلق حول قدرته على تقبل الاختلاف معه في الرأي سواء في تركيا او في الخارج.

ويرى منتقدو أدروغان ان غايته النهائية ليس كتابة دستور جديد للبلاد بل تنصيب نفسه سلطانا في العصر الحديث.

وقال سويهل باطوم وهو خبير دستوري من حزب الشعب الجمهوري "أردوغان يريد دكتاتورية. يريد نظاما رئاسيا يحتفظ بموجبه بسلطته على حزبه ويختار رئيس وزرائه."

وهيمن أردوغان الذي لا يحق له ان يبقى رئيسا للوزراء لفترة أخرى على المشهد السياسي في تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية الاسلامي الجذور الى السلطة عام 2002 وقاد صعود تركيا كقوة اقليمية في منطقة الشرق الاوسط وتحقيقها الرخاء بشكل غير مسبوق.

ولجم أردوغان الجيش التركي القوي الذي أطاح بأربع حكومات منذ عام 1960 وفاز في معركة مع النخبة العلمانية القديمة التي ظهرت حين أسس اتاتورك جمهورية تركيا الحديثة على أطلال الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى.

لكن هذا التحول كان له ثمن. وحكم بالسجن على مئات من ضباط الجيش بتهمة التخطيط للقيام بانقلاب ضد أردوغان بينما يواجه آخرون من بينهم أكاديميون وصحفيون وسياسيون محاكمات بتهم مماثلة.

والوصول الى رئاسة ذات صلاحيات تنفيذية سيعزز موقف أردوغان كأهم زعيم تركي منذ اتاتورك لكنه سيتطلب مناورة سياسية ماهرة لكسب تأييد نواب من المعارضة سواء كانوا أكرادا او قوميين.

وقال احسان يلمظ استاذ العلوم السياسية في جامعة الفاتح في اسطنبول "الجاذبية الشخصية لاردوغان هي ميزة وعيب في آن واحد. ميزة لانه يمكلك قوة الاقناع وهي عيب لثقته الزائدة في نفسه وكراهيته للانتقاد."

وانخرط أردوغان فيما يبدو في حملة بدأها مؤخرا مستعرضا مزايا النظام الرئاسي قائلا انه سينهي هيكل الحكم الحالي "ذا الرأسين" الذي يرى انه يعطل التقدم والاصلاحات.

ويتفق السياسيون من كل الاطياف على ضرورة تغيير الدستور التركي. لكن اصرار أردوغان على صلاحيات تنفيذية للرئاسة قد يعني التعجيل بتغييرات ستضر بالديمقراطية التركية بدلا من ان تدفعها قدما.

وقالت نازلي ايلجاك وهي سياسية محافظة ومدافعة عن اردوغان "لدينا مركزية شديدة بالفعل. هذا التغيير لن يناسب الثقافة السياسية التركية. سيكون موقفا مروعا." واستطردت "في الولايات المتحدة لديهم هياكل حزبية فضفاضة اكثر هناك انتخابات اولية ومؤتمرات عامة للاحزاب وعملية لاختيار مرشحك. لكن في تركيا ليس لدينا هذه الثقافة الامور في تركيا ليست بهذا الشكل."

الى ذلك قال مشرعون معارضون وتقارير إعلامية ان عشرات من ضباط القوات الجوية التركية استقالوا من الجيش منذ بداية العام في علامة جديدة على ضعف المعنويات بعد استقالة قائد بحري رفيع بسبب سجن مئات من زملائه.

واعتقلت تركيا مئات من الضباط الموجودين في الخدمة والمتقاعدين خلال السنوات القليلة الماضية في ظل حكم رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ومن بينهم ما يصل الى خمس كبار القادة العسكريين بتهمة التآمر للاطاحة بالحكومة.

وهذه القضايا هي جزء من جهود اردوغان الذي يحكم منذ عشر سنوات للقضاء على "القوى المعادية للديمقراطية" واخضاع الجيش الذي كان له نفوذ واسع والذي تدخل في السياسة بانتظام وقام بثلاث انقلابات عسكرية صريحة في 1960 و1971 و1980.

لكن هذه الاعتقالات اثرت على معنويات ثاني اكبر جيوش حلف شمال الاطلسي الذي يقاتل منذ ثلاثة عقود ضد تمرد لمسلحين اكراد في الجنوب الشرقي ويحاول منع انتشار الحرب الاهلية في سوريا المجاورة إلى اراضي تركيا.

وادت احدث انباء عن استقالة 110 من ضباط القوات الجوية إلى صدور بيان من مكتب رئيس الاركان الذي نادرا ما يتحدث إلى وسائل الاعلام رفض فيه الاشارات الى ان الجيش تضعف قوته.

وقال البيان "بسبب الهيكل المؤسسي المفعم بالحيوية للقوات المسلحة التركية فأي عضو يغادر يحل محله عضو آخر بنفس المؤهلات." واضاف البيان ان شهري يناير كانون الثاني وفبراير شباط هما الفترة الطبيعية التي يقدم فيها ضباط الجيش استقالات طوعية او طلبات التقاعد المبكر.

وقال اردوغان ان الاستقالات روتينية ووصف ما قيل عن ان قوة الجيش تضعف بأنه كلام "سمج" لكنه اقر بان الاحتجاز الطويل قبل المحاكمة يؤثر سلبيا في معنويات الجيش فيما بدت محاولة من جانبه للنأي بنفسه عن محاكمات الانقلاب التي تفقد التأييد الشعبي بشكل متزايد.

وحكم على اكثر من 300 من الضباط السابقين والحاليين بفترات سجن طويلة في سبتمبر ايلول بعد محاكمة استمرت 21 شهرا بتهم تآمر لاسقاط حكومة اردوغان قبل نحو عشر سنوات.

وما زال مئات من الضباط يمثلون امام المحاكم في قضايا تآمر عديدة ويوجد في السجن 37 من جنرالات واميرالات القوات المسلحة التركية اي ما يزيد على عشرة بالمئة.

ونقلت صحيفة تركية عن السفير الامريكي فرانسيس ريتشاردوني انتقاده لسجن قادة بالجيش. وقالت وزارة الخارجية انها ابلغت السفير الامريكي ان مثل هذه التعليقات "غير مقبولة".

وفي السياق ذاته أدخلت تركيا تعديلات على قانون العقوبات التركي تضيق من تعريف الدعاية الارهابية في خطوة لدعم حرية التعبير في إطار مطالب الاتحاد الاوروبي وفي محاولة لدعم عملية السلام الدائرة مع زعيم كردي مسجون. واستخدمت تركيا تشريعات مكافحة الارهاب بشكل موسع لمحاكمة آلاف السياسيين والنشطاء والصحفيين في الأغلب بسبب أشياء قالوها أو كتبوها.

وفي العادة تتصدر تركيا قائمة الدول التي تنتهك المعاهدة الاوروبية لحقوق الانسان وكانت المفوضية الاوروبية قد دعت أنقرة إلى تعديل قوانينها لتفرق بين التحريض على العنف والتعبير عن الافكار غير العنيفة.

ووفقا لقانون مكافحة الارهاب وقانون العقوبات الحاليين من الممكن ان تؤدي كتابة مقال أو إلقاء خطاب إلى السجن لفترة طويلة بتهمة الانتماء إلى جماعة ارهابية.

وحوكم الاف من السياسيين والنشطاء الاكراد منذ عام 2009 لعلاقات مزعومة مع حزب العمال الكردستاني الذي يعتبره كل من الاتحاد الاوروبي وواشنطن وتركيا منظمة ارهابية.

ويتزامن الاصلاح التشريعي مع محاولة الحكومة انهاء تمرد حزب العمال الكردستاني المستمر منذ 28 عاما حيث قتل ما يزيد على 40 الف شخص وذلك عبر محادثات سلام مع زعيم الحزب عبد الله اوجلان المسجون في جزيرة ايمرالي بالقرب من اسطنبول منذ القبض عليه عام 1999.

وتسعى عملية السلام إلى وقف اطلاق النار من جانب حزب العمال الكردستاني وانسحاب قواته من الاراضي التركية إلى قواعدها في شمال العراق ونزع سلاحه في النهاية في مقابل إصلاحات تدعم حقوق الاقلية الكردية التي يبلغ تعدادها نحو 15 مليونا.

وأوشكت عملية السلام على التوقف خلال الشهر المنصرم بسبب خلاف يتعلق بوفد كردي من المقرر ان يزور اوجلان في محبسه.
المصدر: شبكة النبأ