2024-11-26 07:16 م

هل النظام الأردني مُصر على الانتحار؟!

2024-06-17

 

بقلم: فؤاد البطاينة
في النسخة العربية من الاستعمار الحديث تقوم أمريكا كزعيمة لهذا الإستعمار المريح بإخفاء استعمارها وسوس وحماية مستعمراتها بوكلاء وطنيين عن بعد هو أقرب من حبل الوريد لكي لا يبدو للشعوب أنه استعمار. والمستجد في هذا الإستعمار، والذي يرفض حكامنا استيعابه جشعاً، أن المستعمر بنى لحسابه دوراً متبادلاً لكل من هؤلاء الحكام وشعوبهم في إطار الجيلين الرابع والخامس للحروب. حيث يأخذ الحكام دور المستعمر في قمع شعوبهم وتدجينها بسياسات الاذلال والقهر والتجويع، وصولا لعلاقة عدائية بين الحاكم وشعبه. بينما يأخذ الشعب الذي يصبح متربصاً بحاكمه دور المستعمر في الانقلاب على هذا الحاكم للتخلص منه أو تبديله عند الاستحقاق.
ويجدر بهؤلاء الحكام أن يعلموا بأن استحقاق عزل الواحد منهم عن السلطة بالتخلص منه أو بتبديله هو أمر محتوم مهما أخلص هذا الحاكم وقدم لسيده الأجنبي. وهذا الإستحقاق وثيق الصلة بقدوم الخَلف بوظيفة أكثر تطوراً وعمقا. وأنه لن يكون تبديلا بطريقة كريمة بل مهينة لتبقى الخيانة مثالا سيئاً وعملا حقيرا عند مواطني البلد الأجنبي المستعمر من ناحية، ولكي تطوى صفحة العميل ولا تبقى له أي قوة أو قدرة على التأثير السلبي المحتمل على سيده الذي رماه، أو على استقرار العميل البديل.
النظام الأردني أخذ يخضع لهذه السياسة الاستعمارية التي تؤسس وتقيم العداء بين الأردنيين وقيادتهم الهاشمية بقوة منذ أكثر من عقدين، نظرياً وعمليا. أما نظريا فالمثال في كتاب أسد الأردن لمؤلفه أفي شلايم اليهودي البريطاني والذي يشار اليه كمؤرخ للعائلة المالكة. وذلك حين نص كتابه على عشرات التهم بشأن سياستها اتجاه الاردنيين والفلسطينيين. وقد استنسختها حرفياً وترجمتها وأرسلتها لكل الجهات الأردنية الرسمية ذات العلاقة في حينه وحين كانت لي صفة المدير التنفيذي لمؤسسة بيت الأردن للدراسات والأبحاث،. حيث كانت الرسالة التي يمررها الكاتب هي “أيها الاردنيون والفلسطينيون لا تثقوا بالهاشميين فلم يعملوا يوما لمصلحتكم ولن يفعلوا”.
أما عملياً، فالنظام آخذ بتجاوز حدود نهجه السياسي على قسوته، ويتمادى ويتجاوز كل حدوده الأخرى حتى الإنسانية، ولا نعلم إن كان في هذا مساقاً أم متلمسأ لحاجات العدو. وسارعت أمريكا مع الكيان لاستغلال حرب الإبادة على غزة لتوريط النظام في قطيعة مع الدولة الشعب الأردني الى أن ساوى بين العدو الصهيوني المفترس وأطفال فلسطين الضحية بفتح حدوده لعبور كل احتياجات الكيان العسكرية والاقتصادية، وزاد في تنفيذ كل مناسبة احتفالية من المفترض تأجيلها تضامنا مع شعبنا المنكوب في غزة ومع الأردنيين أنفسهم، بل تضامناً مع العالم. وإذا لم يكن هذا تنفيذا لطلب، فهو استخدام للمناسبات يقدم فيه النظام نفسه للصهيو أمريكي قائلاً” أنا نظام قوي ومتمكن وليس في قاموسي شعب ولا قضية ولا رحمة في قلبي وأنا معكم لا معهم”.
 لماذا ولحساب من يصر النظام على ادارة الظهر بمقدار 180 درجة لرغبات ومشاعر وأحاسيس شعبه والى الرأي العام في القضايا العامة السياسية والاقتصادية التي تهمه ويتحدى شعباً بأكمله في علاقته مع الصهيوني نقيض وجوده. أم هي إضافة نوعية لعجزه الكامل عن توقيف التدهور في مؤسسات الدولة وتفشي الفساد فيها ولعجز حكوماته المزمن عن توفير أسباب الحياة الأساسية للمواطن الأردني بشيء من الكرامة؟
وأسأل في هذا، ماذا يعني أن يستشعر النظام ويتلمس ويتحسس حاجات الكيان الصهيوني ولا يتحسس حاجات ورغبات شعبه، وماذا يعني أن توغل حكوماته في فرض الضرائب على شعب باتت أغلبيته تستحق الزكاة، وتنفق على ما لا يعود على الشعب بمنفعة؟ أليست هذه جزية أو خاوة كتلك التي تفرضها الأنظمة المستعمرة على الشعوب؟ وماذا يعني أن تتأكل المستشفيات والمدارس والجامعات وطواقمها بينما يجري تسمين السجون وأجهزة الأمن وأدوات قمع الشعب وتحديثها، وماذا يعني الحديث عن التحديث السياسي ولا يُحدث سوى سياسة التبعية والدكتاتورية الملتزمة بنهج العدو وتعليماته ورغباته..
بل وماذا يقال بنظام يفتك بمعارضة وبمعارضين سياسيين سلاحهم الكلمة ولا يستلون سيوفهم عليه، وكيف لا تتسع ثقافته السياسية لحزب معارض حقيقي واحد، فيتصرف معه بشريعة الغابة ويهزئ على مذبح حله الإعتباطي مؤسسات إدارية وشخصيات، ومؤسسات أمنية وشخصيات ومؤسسات قضائية ورجال قانون. وبعد ألا بئس من نظام هش لا يستحي على نفسه ولا على دولته حين يُفرق في الظلم بين مواطن وأخر على أسس مخزية، ويفتح أذنيه لكل نقيصة. إنه الإنتحار عندما لا يراد بالدولة خير ويراهن الحاكم أو النظام على الأجنبي والاستقواء به للحفاظ على سلطته بدلا من المراهنة على شعبه.
وفي الختام، ليست المشكلة عند النظام الاردني لوحده، فنحن أمام أوطى طبقة من الحكام العرب تاريخيا اجتمعت على الركوع لعدوها الذي يكابد الان لتجنب الركوع للمقاوم الفلسطيني بأسلحته الخفيفة، وتلاقت على بيع فلسطين جوهرة الأوطان والمقدسات وعلى المتاجرة بدم الطفل الفلسطيني. ورسالتي لعرب الردة والانبطاح أن فلسطين بترابها، والشعب الفلسطيني بدمه، يشكلون اليوم خط الدفاع الأول والأخير عن الوطن العربي. وبسقوط هذا الخط الصامد بالمقاومة لن يبق أمام الصهيوني الا أن يفتح عواصمهم سلما ويدوس على رقاب رويبضاتها.
كاتب عربي اردني


المصدر: رأي اليوم