2024-11-26 10:31 ص

يرجى ربط الأحزمة… بلينكن قادم إلى المنطقة!

2024-06-17

بقلم: انيس فوزي قاسم
تقول الأخبار إن أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، قادم إلى المنطقة في زيارته الثامنة، إذ أنه يجيء بمعدل زيارة واحدة كل شهر، طالما حرب الإبادة الإسرائيلية مستمرة. وقياساً على ضرورة ربط حزام الأمان من قبل الركاب، إذا مرت الطائرة في مطبات هوائية، فإن كل مرة يجيء بلينكن فيها إلى المنطقة، فمن المؤكد أننا سنمرّ في مطبات سياسية ساخنة.
من الثابت أن بلينكن، وبعد مرور حوالي ثلاث سنوات على توليه منصبه الحالي، أثبت أنه من أفشل وزراء الخارجية الأمريكيين الذين تولوا هذا المنصب، علماً بأنه سبق له أن شغل مناصب عديدة في الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ولاسيما في مجلس الأمن القومي، ومن الغريب أن يكون من خريجي كلية الحقوق في جامعة كولومبيا، وهي جامعة مميزة، وهي التي تقود حملة قوية ضد الإبادة الإسرائيلية لشعبنا، أي أن مؤهلاته العلمية تؤهله لأن يكون أكثر رشداً واستقامة وحصافة، إلا أنه، وفي زمنه القصير في منصبه الحالي، تفجرت أزمات خطيرة على السلم والأمن الدوليين وهما – على الأقل – أوكرانيا وغزة.

أما بالنسبة لمأساة أوكرانيا، فإن الخبر اليقين عنها وحولها، نجده لدى الرئيس بوتين الذي يملك أسرار المؤامرة الكبرى حول هذه الحرب الاستعمارية، ولم يقدم بلينكن اقتراحات تنزع فتيل الأزمة، بل لحق برئيسه الذي دمج المصالح العائلية بالمصالح الوطنية. أما بالنسبة لمحرقة غزة وجريمة الإبادة التي تجري ليلاً ونهاراً فيها تحت سمع وبصر ومشاركة ودعم الولايات المتحدة الأمريكية، وانخراط أنتوني بلينكن شخصياً فيها (كما أقرّ هو بذلك عندما اعترف بيهوديته الصهيونية)، ففي المرة الأولى التي جاء بلينكن فيها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان يحمل مشروع تهجير مليوني ونصف المليون فلسطيني إلى سيناء، وهو كمحام وخريج جامعة عريقة، يعرف أن التهجير القسري او الطوعي للمدنيين، هو جريمة ضد الإنسانية، بل إن بعض فقهاء القانون اعتبرها جريمة إبادة، وعلى ذلك استقرت محكمة العدل الدولية في قضية الروهينغا. ويبدو أن بلينكن يحتاج إلى دورة جديدة في جامعة كولومبيا، لكي يتعلم ما يجري في هذه الجامعة الرائدة في مكافحة كارثة الإبادة.
ثم جاء في الزيارة التالية، يحمل «قائمة بيع» لبعض دول المنطقة، بحيث كان يغري الدولة التي تقبل استقبال خمسين ألفا من أهلنا في غزة، بثلاثة مليارات دولار، وإذا قبلت الدولة عدداً أكبر يكون لها من خيرات بلينكن مليارات أكثر. وهكذا استمر في التسويق والعرض إلى أن عاد بخفيّ حنين، بعد أن اصطدم بجدار الرفض الأردني والمصري لأي عملية تهجير.
ثم عاد إلى المنطقة في زيارات تالية يبدأها غالباً من المملكة العربية السعودية، ربما للإيحاء بأن التطبيع يسير في طريق ثابت، ثم يبدأ زياراته إلى الدول الأخرى، وفي كل مرة يعلن أن الهمّ الأول له هو الإفراج عن الرهائن (ويقصد الرهائن من حملة الجنسية الأمريكية وجنسيات إحدى عشرة دوله أخرى) ولم تكن القضايا الساخنة مثل، الإبادة والتهجير والتجويع والتدمير الممنهج تبدو أنها ذات أهمية له. وبجرأة تفتقد إلى الشعور كان يوجه النصيحة إلى أن الإفراج عن الرهائن مسألة تنتهي ببساطة وبسرعة، إذا ما قامت حماس بتسليم سلاحها وأفرجت عن الرهائن. والمسألة في ظنه، لا تحتاج إلا لقرار من شخص واحد هو السنوار. لم يكن بلينكن معنياً بخمسة عشر ألف طفل قضوا ظلماً وعدواناً، ولم يكن يرى أن الآلاف من شعبنا في غزة ينامون في العراء تحت القصف المباشر من الطائرات المصنعة في أمريكا وبقذائف تحمل العلم الأمريكي. وكان يردد تصريحات وأقوال تدلّ على حسٍ استعماري بليد، من حيث إن كل هذا الدمار والتجويع الذي يشاهده ويعلم به وتأتيه تقارير موثقة حوله لم تكن لتحدث في نفسه ردة فعل، ولو بسيطة، بل يظل وجهه وجه رجل أبيض من السادة الذين كانوا يجلدون العبيد بسياطهم، وهم يتناولون طعام الإفطار.
إن البلادة الأشدّ ألماً، أنه حين يأتي بلينكن يكون مثل المعلم المناوب في ساحة المدرسة، حين يدق جرس المدرسة يهرع التلاميذ إلى الانضباط في طابور الصباح، حيث يدق بلينكن الجرس، ويهرع بعض وزراء الخارجية العرب إلى الصف ويجلسون أمام «المعلم» ليسمعوا منه التعليمات، ويسجلوا الملاحظات وينصرف المعلم، من دون أن يسمع كلمة تذمر أو أن يلمس موقفاً متشدداً من الطلاب النجباء، أو يسجل ملاحظه عن نفاد صبرهم من مشاهد الألم والوجع التي تملأ الفضاء العربي. شاهدنا الأسرى الذين أفرجت عنهم حماس، وكانوا في أوضاع صحية جيدة وملابس نظيفة، حتى إن إحدى الفتيات خرجت وهي تحمل كلبها الصغير، وكانت ترافق الأسيرات عناصر نسائية وليس رجالية من حماس، كما خرج الأسرى الأربعة الذين تمّ العثور عليهم في مخيم النصيرات مؤخراً بفضل التكنولوجيا الأمريكية، وهم في وضع صحي جيد، ولا تبدو على أيٍ منهم آثار الاعتقال، أو إنهم كانوا يعانون من ظلم آسريهم. وتجدر المقارنة بين وضع هؤلاء الأسرى وأسرانا الذين يجلدون صباح مساء وهم أنصاف عراة في سجون «الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الاوسط، وعلى يد «الجيش الأطهر في العالم»!
يرجى ربط الأحزمة، فإن بلينكن وصل الآن إلى المنطقة، وأعلن أن العالم أجمع قد وافق على قرار مجلس الأمن الدولي الذي يدعو لوقف إطلاق النار وتبنى القرار اقتراحات الرئيس بايدن (من دون ضمانات أمريكية) والعالم ـ حسب زعمه – ما زال ينتظر رد حماس. هذا القرار الأممي يدور في حلقة مفرغة، ذلك أنه يكرر القرار السابق تقريباً، وهو باختصار «اعطونا الرهائن وسوف نواصل تدمير ما تبقى من غزة ونتعهد باستكمال أعمال الإبادة»، والمقصود بالرهائن، هم إما مقاتلون يحملون جنسيات أجنبية، أو مرتزقة، أو جاءوا سياحة. فإن كانوا من الذين يحملون الجنسية الأجنبية، فهم ممن يسمون بمزدوجي الجنسية، ويحق للمقاومة اعتبارهم من حملة الجنسية الإسرائيلية، أي من المقاتلين الأعداء، حسب تعريفات القانون الدولي، وإن كانوا مرتزقة لا تجوز حمايتهم كما يقرر القانون الدولي كذلك. وإن كانوا من السياح، فهم أخذوا المخاطرة بالدخول في منطقة حرب، ومع ذلك هم من المدنيين الذين يجب الإفراج عنهم طبقاً لقوانين الحرب. يرجى ربط الأحزمة، ذلك أن المطبّ الأكبر المقبل بعد أن أعلن بلينكن أن إسرائيل وافقت على قرار مجلس الأمن (وهو قول غير صحيح) وأنه سوف يطالب الزعماء العرب بالضغط على حماس لقبول اقتراح سيده أو قرار مجلس الأمن الدولي، ولكنه لم يطلب من إسرائيل أن توقف عملية الإبادة أو ـ على الأقل- الالتزام بقرار محكمة العدل الدولية، الذي صدر بالغالبية العظمى.
يرجى ربط الأحزمة بشده، فالمطبات القادمة مع بلينكن أشد وطأة وأعمق أثراً.. وأقلُّ نزاهة!
محام وكاتب فلسطيني