2024-06-21 11:40 م

دماء غزة ستلاحقكم..

2024-06-15

بقلم: اسيا العتروس
 بين المجزرة والمجزرة مجزرة جديدة، وبين النكبة والنكسة نكبات..، تختلف أسماء الضحايا وجرائم الإبادة والقرى والمدن المدمرة ويبقى الدم الفلسطيني ينزف ويروي أرضا لم تضق على أهلها رغم الحصار البري والبحري والجوي غير المسبوق على أفقر وأكثر المناطق كثافة ومعاناة..
قبل أيام على عيد الأضحى الذي سيحييه مليارا مسلم، تعيش غزة كما عاشت من قبل عيد الفطر على وقع القصف اليومي وأكداس جثث الشهداء التي تنتظر إكرامها، ولأننا في زمن “الزهايمر” السياسي فقد يبدو لنا أن مجزرة النصيرات هي الأسوأ منذ بدء العدوان الذي يدخل شهره التاسع على التوالي، ولكن الحقيقة أن مجزرة النصيرات كشفت واقع المجتمع الدولي الذي اختار الوقوف على الربوة وإطلاق بيانات النفاق التي لا تردع عدوا ولا تنتصر لضحية.
نعم ليس في الأمر أدنى مبالغة والجميع متواطئ في المجزرة، بالصمت بالدعم أو بتمويل العمليات العسكرية والاستخبارات ومنح الحصانة لقادة الاحتلال بحمايتهم من الملاحقة والمحاسبة.

أوهموا أهل غزة ببناء ميناء بحري لإنزال المساعدات الغذائية ثم سخروه لجيش الاحتلال لقصف النصيرات وأهلها بدعوى تحرير أربعة أسرى في عملية اجتمعت فيها اكبر القوى الاستخباراتية لتحقيق انتصار وهمي.
طبعا ندرك جيدا أن كيانا مارقا متعطشا للدماء لا يمكن أن يستسيغ تحرك المنظمات السياسية والحقوقية والقضائية من العدل الدولية إلى الجنائية الدولية ولا يمكن أن يتجاهل إدراجه من طرف الأمم المتحدة على القائمة السوداء، قائمة العار التي تضعه في مكانه الطبيعي بين “القاعدة” و”داعش” و”بوكو حرام”..، ومن هنا كانت ردة الفعل المسعورة واستباحة دماء الأبرياء وحرق الأخضر واليابس بما جعل خبراء العالم يجمعون على أن إعادة اعمار غزة قد يحتاج عشرين عاما على الأقل في حال توقفت الحرب اليوم دون تأجيل..
لسنا نجانب الصواب إذا اعتبرنا مجددا انه في خضم هذا المشهد الدموي فإن الحديث عن دور عربي أو إسلامي يبقى من الأوهام..، بل الحقيقة انه سيكون من الغباء والسذاجة التعويل على موقف من خمسين بلدا عربيا وإسلاميا بينها دول ترتبط بعلاقات واتفاقيات مع كيان الاحتلال.. ولو كان هناك أدنى أمل مهما كان ضئيلا لكنا اعتبرنا ذلك انجازا..
الواقع اليوم في حسابات وأهوال المشهد الراهن في غزة المثير للسخط والاستفزاز إزاء الإحساس المتنامي بالعجز والفشل والقهر وعدم الجدوى.. وهو واقعيا مجال لا تعويل فيه على أوروبا معقل الحريات وحقوق الإنسان الزائفة وهي في حالة استنفار على وقع تمدد اليمين المتطرف الذي بات يهدد هويتها وأمنها ومصالحها وقيمها التي فرطت فيها وتعاطت معها بسياسة المكيالين تنتصر فيها للبعض وتتجاهل البعض الآخر لاسيما عندما يتعلق الأمر بأعرق قضية على وجه الأرض قضية الشعب الفلسطيني الذي يباد تحت أنظار العالم..
ما الذي تبقى في غزة مع دخول العدوان شهره التاسع على التوالي! سؤال لا يبدو أنه ضمن أولويات القوى الإقليمية والدولية بما في ذلك الأطراف العربية التي تقود مفاوضات مكوكية لإيقاف الحرب التي يبدو أنه لا أحد من الأطراف الفاعلة يريد إيقافها أو يرى مصلحة في إيقافها في هذه المرحلة وكأن عشرات الشهداء والجرحى والمهجرين الذين يتزايدون يوميا لا قيمة لهم..
غزة تنحر صباحا مساء وفي الأعياد وأقصى ما يقوم به  العالم الحر أنه يواصل إحصاء ضحايا عداد الموت الذي لا يتوقف عن استهداف ضحاياه في كل مكان…
نعم ستبقى مجزرة النصيرات شاهدا إضافيا على سجل كيان الاحتلال الإرهابي منذ أربعينيات القرن الماضي على يد  ورثة عصابات الهاغاناه والشترن.. ولكنها شاهد أيضا على انه لا أحد بريء من دماء الضحايا التي تروي تراب غزة والضفة والقدس وهم الذين ما ضاقت بهم أرض فلسطين التاريخية التي يتمسكون بها ويقدمون لأجلها الغالي والنفيس ولكن ضاقت بها دون أدنى شك كل الأنظمة والحكومات التي خذلت غزة وتنكرت لحقوق أطفالها الذين يدفعون من دمائهم ثمن الاحتلال الجائر وغطرسته…
كاتبة تونسية