2024-11-26 10:14 م

من يصدق وعود بايدن؟

2024-06-03

بقلم: رشاد أبو شاور

ثمة فلسطينيون صدّقوا وعود رؤساء أميركا، والتي تكشفت عن تحايل وتضليل وجرجرة في سلسلة مفاوضات امتدت بلا نهاية منذ 13أيلول/سبتمبر 1993 وحتى ضربة فجر 7تشرين الأوّل/أكتوبر المزلزلة التي سقطت على رأس الاحتلال المسترخي بفضل من يمنح الوقت اللازم لقادة الكيان الصهيوني للاستحواذ على مزيد من أرض الفلسطينيين، ومزيد من المستوطنات التي ازدهرت في حقبة سلام الشجعان بالرعاية الأميركيّة!

عرف الفلسطينيون أكثر بكثير مما عرف "قادة" فاوضوا نيابة عنهم وباسمهم، أن رؤساء أميركا: كلينتون، بوش الابن، باراك حسين أوباما، ترامب... جميعهم كذبوا وخدعوا، وتميّز بايدن الذي حضر مرتجفاً بعد ساعات من زلزال "طوفان الأقصى"، واحتضن نتنياهو وبقية قادة الكيان وربّت على ظهورهم مطمئناً، معلناً أنه معهم بالسلاح والمال والأكاذيب الإعلامية الفاجرة: قطع رؤوس الأطفال، الاغتصاب، وهو يرسم على تقاطيع وجهه العجوز ملامح ميلودرامية إمعاناً في إبداء سمات التأثّر ممّا فعلته المقاومة الفلسطينية فجر يوم 7تشرين، أي قبل وصول طائرته الرئاسية بساعات!

بالنسبة إلى عرب فلسطين، كان ذلك الفجر، فجر يوم 7تشرين الأوّل، هو فجر جديد للخلاص من سنوات مرّت ثقيلة على شعب فلسطين وقضيته بتضليله وخداعه والتلاعب بقيادة أدمنت الرهان على شفقة أميركا ومنحها شيئاً ما.

أي شيء فيه ولو قليلاً من الإنصاف، ولكن امتد انتظار وتلهّف قيادة لم تعد تملك شيئاً لتفعله، ولم يخطر في بالها أن تنتفض رافضة مسلسل الأكاذيب الأمير­­كية ووعودها الخلبيّة، بل غضبت وزمجرت على كل من يفعل شيئاً يستفز الاحتلال ومستوطنيه وممارساته البشعة النهّابة للأرض والمياه والاقتصاد الفلسطيني المستتبع! 

حسب أعداء شعب فلسطين، فإن ذلك اليوم، يوم الطوفان الفلسطيني في 7تشرين الأوّل سيكون عابراً، ولذا لا بد من التخلص من تأثيره بعملية عسكرية كبرى تعيد الهيبة إلى "جيش" الاحتلال التي اهتزّت، وتثبّت أقدام الاحتلال الخانق لقطاع غزة، والممعن في تمزيق الضفة الفلسطينيّة بحيث تزداد يأساً وتتلاشى قدراتها فتعجز عن المقاومة نهائياً، وبهذا يرسم الاحتلال آفاق الحل الذي يريده لشعب فلسطين في المعازل، والذي سيكون خياره الوحيد خدمة الاحتلال، واستهلاك بضائعه، أي أن يكون شعباً غير منتج، ينفق المال الذي يتقاضاه عن عمله في خدمة الاحتلال، وثمناً لغربته في وطنه، والرضى بما يقدره الاحتلال الدائم له ولوطنه!

انهمك بايدن وإدارته في وصف مقاومة شعب فلسطين التي أذهلته بأنها عدوان وقع فجر ذلك اليوم، أي أنها ليست امتداداً لمقاومة شعب فلسطين منذ الاحتلال البريطاني بحجة الانتداب في عام 1918، وافتضاح أمر مشروعه المتبني للصهيونية التي رعاها ومنحها كل أسباب القوّة العسكرية والاقتصادية على حساب الفلسطينيين الذين هبّوا في ثورات متلاحقة واشتبكوا مع جيش الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية، في مقاومة عريقة لم تستسلم رغم كل ما مرّ به الشعب الفلسطيني منذ مأساة احتلال أغلب أرض فلسطين، وإعلان "دولة" الكيان الصهيوني عام 1948، وتمزيق فلسطين أرضاً وشعباً.

يعرف بايدن أن "قيادات" فلسطينية وقّعت على اتفاق أوسلو في حدائق البيت الأبيض، وأن خداع الإدارات المتلاحقة والرؤساء الذين سبقوه، وعملوا جميعاً على تضليل تلك القيادة على امتداد 31سنة تم فيها تغييب القضية الفلسطينيّة، وضُيّع شعب فلسطين وتوّه وغابت قضيته، واستشرى التطبيع، إذ تزاحمت أنظمة النفط على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأدارت الظهور للقضية الفلسطينية وحقوق عرب فلسطين، وتمّ بيع قضية فلسطين بما تمثله لحاضر الأمة ومستقبلها، وباتت كل دويلة تبحث عن رضى أميركا عبر رضى الكيان الصهيوني، والحرص على حماية الكيان الصهيوني و"جيشه الذي لا يقهر"!

بايدن، الذي صُعق وهو يرى هذا الشعب العربي الفلسطيني يصمد أمام هجمات "جيش" الاحتلال الوحشية، وبعد سلسلة من التصريحات المعادية للمقاومة، والتنكّر لها، والتعامل معها وكأنها بدأت فجر 7 تشرين الأوّل، وأنها إرهاب تقوم به حماس، انتقل للحديث عن حل الدولتين بالتفاوض، وهو يضلل ويكذب على شعب فلسطين، ولا يصف مقاومته سوى بأنها "إرهاب" حماس، متناسياً أن صفقة سلام تضليلية عُقدت في كنف البيت الأبيض بالرعاية الأميركيّة، وأن سلسلة رؤساء أميركيين وإداراتهم مارست التضليل والكذب لثلاثة عقود، اضمحلّت خلالها قضية فلسطين وأرض الفلسطينيين، وغيّبت قضيتهم، فماذا بقي لهم، وما العمل، وكل ما يحيط بهم محبط وباعث على اليأس؟

رئيس أميركا وصف نفسه، وهو وصف صحيح، عند وصوله إلى مطار الكيان الصهيوني بـ"أنا صهيوني" وهذه هي هويته الفكريّة والأخلاقية والدينيّة، ولهذا ازداد ضخ الأسلحة التدميريّة لذبح الشعب الفلسطيني، وانفلت جنون الكيان الصهيوني المدعوم كليّاً أميركياً بشكل دائم، وازداد دعمه في زمن بايدن الصهيوني الذي راهن على سحق مقاومة الشعب الفلسطيني، وأسهم في تشويه تلك المقاومة بتصريحاته غير اللائقة والكاذبة بشكل سافر، وألحق بها أقبح الصفات كالقتل والاغتصاب، وكل ما قاله وفعله مبرر له كصهيوني، وكرئيس لأميركا التي تخشى على زعزعة حضورها وقواعد احتلالها في الشرق الأوسط الذي يعوم على النفط والغاز، ويتمتع بموقع متميّز استراتيجياً منذ الحرب الباردة. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وفي زمن نهوض روسيا وامتلاكها القدرة على استعادة سيادتها التي ضيّعها يلتسين ومن سلّم مقدرات روسيا للغرب بقيادة أميركا.

بايدن يعد بحل الدولتين عن طريق التفاوض، وهو كاذب كأسلافه، وأكثر كذباً منهم لأنه يرمي إلى إشعال الخلافات بين الفلسطينيين وتأجيجها بين من أدمن الركون إلى وعود قادة أميركا ومن انتظر فتردّى الحال الفلسطيني إلى حال من التجاهل التام والتناسي، واستفحل الاستيطان والخراب، فماذا بقي للفلسطينيين، لشعب يواصل ثوراته المتلاحقة والتي تهب في حين يتوقع الأعداء أنها انطفأت تماما؟

هل غاب عن وعي الشعب الفلسطيني أن صفقة عقدت بين شارون وبوش الابن تمّ بموجبها اغتيال رئيس الشعب الفلسطيني ياسر عرفات بدس السم له!

هل كانت حماس هي التي تقود الشعب الفلسطيني آنذاك، أم هي "فتح" التي وقّع قادتها في البيت الأبيض على الاتفاق "التاريخي" المليء بالتضليل، والوعود التي لا تمنح شيئاً جديّاً للشعب الفلسطيني، فكل شيء معلّق، وأرض الضفة مقسمة بين أ وب وج، موعودة بإقامة دولة، في حين أن ج تمتد على 60% من مساحة الضفة، وهي التي يتواصل قضمها قطعة قطعة.

كنّا كفلسطينيين في حالة تيه وانتظار وغضب يتأجج في الصدور ونحن نرى تمدد الاستيطان الذي لا يوقفه "الوسيط الأميركي النزيه". ويا للنزاهة الأميركية التي منح رئيسها ترامب القدس بكاملها للكيان الصهيوني باستهتار وبجرّة قلم!

من خطط، وأعد، وصبر سنوات ليوم 7 تشرين الأوّل وما بعده، شكّل مفاجأة للصديق قبل العدو، وأفقد العدو، وهو في هذه الحالة الكيان الصهيوني وإدارة أميركا بقيادة بايدن اتزانهما، وبدأت الحرب على قطاع غزة، وامتدت إلى جنوب لبنان واليمن على غير ما توقع الأعداء وقوى التآمر والتواطؤ، وحتى اللحظة لم تنقذ شحنات الأسلحة التدميرية هيبة الكيان و"تبهدل جيشه" الذي هزم وتكشف عن أنه اعتاد تحقيق انتصارات على جيوش لم تُعدّ بما يناسب خوضها حروباً تحمي حقوق أمة، وتستعيد فلسطين التي ضُيّعت في معارك خيضت لأهداف قاصرة تنسجم مع طموحات محليّة محدودة تتسامح مع جشع العدو وطموحاته ورضى داعميه...

أقل ما يقال بعد كل تجارب شعبنا، وبطولاته وتحمّله وصبره على حرب الإبادة: أميركا هي العدو، ورئيسها بايدن الصهيوني أو غيره، لن يكونوا إلاّ أعداء لشعبنا وأمتنا، ونحن خبرنا أكاذيبهم التضليلية التي تغطي سياساتهم الممتهنة لحقوقنا. لذا، لن تقبل هذه القيادات المقاومة التي جاءت لتتجاوز عقود الأكاذيب، والتي لن تسلّم مصير شعبنا من جديد، ولن تسمح بزرع الفتنة في صفوف شعبنا بين من يواصل المقاومة ومن يصغي لأكاذيب حكّام أميركا، ومهما نزف دم شعبنا وهدّمت بيوته على رؤوسه، وقصف بمزيد من الأسلحة الأميركية التدميرية، فلا بد من مواصلة هذه الحرب التي ستُفقد الكيان الصهيوني كل عوامل تفوّقه، من دعم أميركي مطلق، وأسلحة أميركية تتدفق بلا حدود، وأموال بالمليارات...

شعبنا قبل أسابيع رأى اليد الأميركية ترتفع بالفيتو رافضة منح الفلسطينيين دولة رغم تصويت 143دولة لصالحه، ما يعني أن فلسطين وشعبها وكل من يقاوم معها في مواجهة أميركا.

هذه هي أميركا، وهي تقول: تعالوا للتفاوض مع الكيان الصهيوني وبالرعاية الأميركيّة، تماماً كما حدث يوم 13أيلول/ سبتمبر 1993 استسلموا.

أميركا هي العدو، هي والكيان الصهيوني مشروع واحد. عدو لشعبنا، عدو لأمتنا، عدو للبشرية التي تقف مع شعبنا وقضيتنا، وتتدفق في الشوارع كما لم يحدث في أي زمن.

إنها قيامة فلسطين القضية الجامعة لملايين البشر في وجه أميركا والكيان الصهيوني التابع لها. و"طوفان الأقصى" لم ينفجر للاستسلام، ولكنه انفجر ليتوّج بنور فجر فلسطين بالمقاومة لا بالتفاوض. 


المصدر: الميادين