2024-11-27 08:30 م

عن السلطة واللحظة التاريخية

2024-05-28

بقلم: أكرم عطا الله

الخطوات الإسرائيلية في غزة تسير بسرعة الثعلب، بينما خطوات السلطة تمضي ببطء وتطرح كثيراً من الأسئلة حول إدارة السياسة ومستوى قدرة السلطة على التعامل مع اللحظة التاريخية التي وفرتها الحرب، وهي إما أن تفتح على فرصة سياسية لها ما يؤهلها، وتعبر عن نفسها بمأزق إسرائيل المتنامي، وإما أن تسدل الستار على المشروع الوطني إذا ما ظلت السلطة في حالة ترقب.
الإسرائيلي يعلن ليل نهار أنه لن يسمح بعودة السلطة لقطاع غزة، ماذا يعني ذلك؟ يعني أن إسرائيل تعلن أمام الجميع ما كانت تخفيه على امتداد سنوات بأن فصل القطاع عن الضفة الغربية هو هدف إسرائيلي، ولن تسمح بأن يعود الشعب الفلسطيني بنظام سياسي موحد.
اتفاق أوسلو الذي كان عنوانه حكم السلطة لغزة يسقط على الملأ، وفي هذا ما يمكن عمله، فالاتفاق هو اتفاق دولي  يلزم السلطة أن تذهب لمجلس الأمن لتقدم شكوى، وهناك ما يكفي من التصريحات الإسرائيلية التي تدين إسرائيل، وهي عملية ضرورية لتأكيد الاعتراف العالمي بمسؤولية السلطة القانونية عن الشعب في القطاع .
وفي الضفة تعلن إسرائيل إلغاء قانون الانسحاب من مستوطنات شمال الضفة الغربية، وأبعد من ذلك تقوم بضم أراض في الضفة الغربية لإسرائيل بمشروع يعتبر منطقة جنوب الخليل جزءاً من النقب، هذه الأحداث جميعها على الدرجة من الخطورة التي تهدد ما تبقى من مشروع للفلسطينيين تجري في غياب تام للسلطة، ولا موقف عملياً يعبّر عنها.
الخشية أن تكون هناك حالة فزع من تداعيات الحرب على غزة، والإعلان الأميركي بتجديدها، والإعلانات الإسرائيلية المتكررة بالرغبة بإنهاء وجود السلطة ما يطرح لدى المتابعين تساؤلات هل هو خوف أم حالة عجز تعيشها؟ وعلى الجانبين يحتاج الأمر إلى نقاش على المستوى الفلسطيني، فإذا كان الأمر يتعلق بالعجز ينبغي بسرعة إعادة تجديدها بما يتلاءم مع بث روح كفاحية وطنية، وإذا كان الأمر يتعلق بخشية من رياح أميركية عاتية فهي تريد للسلطة أن تكون على المقاس الإسرائيلي، وألا تعترض على كل السياسات العدوانية لها وتلك تعني نهاية أكثر إيلاماً للسلطة.
الإسرائيلي يعيد احتلال غزة معلناً مشاريع طويلة ويبني في وسط القطاع منشآت دائمة، يحتل معبر رفح والحدود المصرية الفلسطينية، ويتحدث عن تواجد دائم لسنوات ولا يتوقف عن الإعلان عن شكل النظام الذي يريد في غزة،  بإنشاء حكم محلي ليس مرتبطاً لا بالسلطة ولا بـ «حماس» ولا بالوطنية الفلسطينية، على نمط روابط قرى، في ظل صمت  للسلطة المسؤولة قانونياً عن الحكم وعن الشعب. كيف يحدث هذا ولماذا؟ وإذا ما استمر أين تنتهي القضية والمشروع؟
هناك لحظة شديدة الخطورة لا يبدو أن الفعل الفلسطيني قادر على مواجهتها، وهذا دور القيادة الفلسطينية التي يمكن لها أن تعتلي تلك اللحظة لوضع العالم أمام مسؤولياته. وهناك ما يكفي من المناخات الدولية التي تمهد للعمل، فقادة إسرائيل مطلوبون للمحاكمة والدول تعترف بالدولة الفلسطينية وإسرائيل تشهد انحطاطاً في مكانتها الدولية، ولا أحد يتواصل مع قادتها السياسيين. فمنذ فترة لم نعد نسمع عن مكالمة بين نتنياهو وأي زعيم عالمي، بل وأصبحت المكالمات المتقطعة مع الرئيس الأميركي خبراً رئيسياً مفرحاً في اسرائيل التي تبدو معزولة وستنعزل أكثر.
لماذا لا تعلن القيادة الفلسطينية فلسطين دولة تحت الاحتلال؟ وإذا كانت دول أوروبية تعلن ذلك، فلماذا تتأخر السلطة الفلسطينية؟ ففلسطين دولة في الأمم المتحدة وهي تحت الاحتلال، ولم يكتف هذا الأخير بالواقع القائم بل هو مستمر في فرض أمر واقع جديد يحتل غزة ويقضم ما تبقى من الضفة، فكيف يمكن مواجهة ذلك؟ سؤال كان يفترض ان تتم إجابته مبكراً منذ بداية الحرب منذ أن بدأ وزير الخارجية الأميركي عرض سكان قطاع غزة للمزاد بين الدول العربية كأنهم يتامى بلا أب. 
سموتريتش لا يخفي برنامجه لإنهاء السلطة في الضفة، وما يحدث هناك يشي بتنفيذ هذا البرنامج، فما الحل إذاً؟ لا يمكن أن يحكم الفلسطيني سوى الفلسطيني وأن كل أحلام اسرائيل هي مجرد عبث وتجريب من جديد لواقع لم تجد له حلاً إلا بالتخلص من الحكم الفلسطيني، وبالتالي لا داعي للذعر إن تكررت التجربة، سيكون الواقع أكثر مرارة على إسرائيل التي ستنتهي الحرب بخراب اقتصادي حد الإفلاس، فهي لن تستطيع تحمل حكم الضفة اقتصادياً لتنفق على التعليم والصحة والبلديات. هذا نقاش قائم عن غزة التي ظهر منها خطر استراتيجي فما بالنا بالضفة؟ تلك القراءة التي يمكن أن تشكل قاعدة للتحرك بلا خوف... ولكن..!