2024-11-26 08:20 م

إلى أين تتّجه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؟

2024-05-26

بقلم: شرحبيل الغريب
حرب عبثية بلا أهداف، ولا استراتيجية واضحة لها، تستمر في شهرها الثامن. غياب الرؤية الواضحة في إنهاء حرب غزة، وفشل "جيش" الاحتلال الإسرائيلي على الأرض يثيران إحباطاً وسخطاً لدى الأميركيين والإسرائيليين، ومعهم كثير من الساسة والخبراء. فما فشل فيه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زياراته المتكررة، لم ينجح مستشار الأمن القومي الأميركي في تحقيقه خلال زيارته الأخيرة لـ"إسرائيل"، إذ بات السؤال الذي يقلق الإدارة الأميركية هو مسألة اليوم التالي للحرب، بعد إدراكها أن "إسرائيل" عالقة في غزة، ونتنياهو لا يملك أي رؤية لإنهاء حرب غزة سوى استمرارها لاعتبارات أيديولوجية وسياسية إسرائيلية بحتة.

وإن إصراره على استمرار الحرب بهذه الطريقة يعني تكرار نموذج واجهته واشنطن في حربيها في أفغانستان والعراق، ودفعت ثمناً باهظاً، وهو الثمن ذاته الذي ستدفعه "إسرائيل" بالطريقة نفسها إذا ما أصرت على الطريقة ذاتها.

بات مطلب النصر المزعوم لدى نتنياهو سراباً، وما زال شبح الهزيمة يلاحقه في كل لحظة، ودخوله رفح لن يزيد في رصيد إنجازاته سوى أنه عمّق مأزقه أكثر وزاد في شروط هزيمته.

وهذا ما اعترف به حديثاً رئيس مجلس الأمن القومي في "إسرائيل" تساحي هنغبي، الذي قال بوضوح إن "إسرائيل" لم تحقق أياً من أهدافها الرئيسة الأربعة في قطاع غزة، وذهب إلى الاستنتاج ذاته اللواء المتقاعد إسحاق بريك، عبر مطالبته بوقف الحرب، ووصفها بالعبثية، وأنها أثّرت في "إسرائيل" من كل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

نتنياهو يريد استمرار الحرب كونها فرصة انتهازية تحقق له أهدافه الخاصة في الدرجة الأولى، ثم أهدافه الأيديولوجية، بالاتفاق مع شركائه في الصهيونية الدينية في الدرجة الثانية.

أما زعماء التحالف فلكل منهم حساباته، فالرئيس بايدن بات يواجه خطر خسارة الانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما يعلن رئيس وزراء بريطانيا، الذي دعم نتنياهو، موعداً لانتخابات مبكرة. 

حال الرفض الذي يصدر عن نتنياهو في الإجابة عن سؤال اليوم التالي للحرب نابع من عدة أهداف، والتي تتمثل بالشق العسكري والفشل الذريع لجيش الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة، التي وضعها نتنياهو وحكومته منذ اليوم الأول للحرب على غزة من جهة، وتصاعد حجم الضغوط الدولية تجاه رفضها سياسة الأمر الواقع، التي تريد "إسرائيل" وتحاول فرضها على الفلسطينيين، عبر إنكار حقوقهم المشروعة، والتي بدأت بالرد عملياً عليها في رسم خريطة سياسية جديدة، عنوانها اعتراف دول أوروبية بفلسطين، واستمرار وجود حكم حماس سياسياً وكتائبها وكل فصائل المقاومة العسكرية، على رغم المزاعم الإسرائيلية بالنجاح في القضاء عليها من جهة أخرى.

وهو ما يعطي مؤشراً كبيراً على أن نتنياهو يمارس سياسة التضليل والكذب على شعبه، وأن حقيقة الأمر أن هناك أطرافاً دولية كثيرة باتت مقتنعة بأن حماس جزء من الحل السياسي لا يمكن استثناؤها في أي اتفاق جزئي أو كلي.

المحاذير الداخلية الإسرائيلية حاضرة بقوة في عقل نتنياهو، سواءٌ مع شركائه أو خصومه السياسيين في المعارضة، وهواجس تفكك ائتلافه الحكومي نتيجة إخفاقه في تحقيق وعود كثيرة أطلقها على نفسه، ومتعلقة أساساً بأهداف الحرب واستراتيجيتها في غزة.

قدرة نتنياهو في الاستمرار والمماطلة والمناورة بالطريقة ذاتها التي يدير بها الحرب ضيقة جداً، وباتت تتقلص أكثر مع كل يوم يمر من أيام الحرب.

كل الأطراف باتت تعرف حقيقة نتنياهو ومآربه ودوافعه من وراء استمرار الحرب، وأول هذه الأطراف القيادةُ العسكرية الإسرائيلية وقيادة الأركان التي أعلنت بوضوح استحالة البقاء بأي شكل من أشكال الإدارة أو الحكم في قطاع غزة بسبب إدراكها أن البقاء يعني وقوعها في مستنقع حرب استنزاف معقدة وصعبة ستكلف "إسرائيل" فاتورة كبيرة، ثم الأطراف الدولية الأخرى التي باتت تدرك مدى أهمية دخول "إسرائيل" في مسار سياسي يُعَدّ مخرجاً وضرورة لإنهاء الحرب والتي تتمثل بالاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم والدخول في مسار التطبيع مع السعودية وإبرام صفقة تبادل للأسرى مع حماس.

والموقف الأميركي الدولي هذا نابع من تيقن أميركا التي ترسل مسؤوليها بين حين وآخر إلى "إسرائيل" للضغط عليها واقناعها بأهمية الدخول في هذا المسار، بسبب إدراكها أن ثمانية أشهر كانت فرصة كافية لنتنياهو لتحقيق أهدافه في القضاء على حماس وتحرير أسراه بالقوة العسكرية، وأن الاستمرار في هذه الوتيرة قد يعقد المشهد أكثر من جهة، وقد يفجر جبهة الشمال أكثر مع حزب الله في ظل حال الاستنزاف التي يعيشها المستوطنون من شمالي فلسطين المحتلة، والتي باتت تتوسع شيئاً فشيئاً نتيجة توسع بقعة الزيت في ضرب حزب الله أهدافاً عسكرية إسرائيلية في الجبهة الشمالية، والتي وصلت إلى كريات شمونة ومدينة طبريا أمام الفشل الذريع لجيش الاحتلال في وقف الهجمات الصاروخية المستمرة بصورة يومية أو حتى فرضه معادلة ردع أمام إصرار حزب الله على ضرورة وقف الحرب على غزة كشرط أساسي لوقف الضربات في الشمال.

"إسرائيل" باتت تتخبّط في سلوكها الميداني، وآخر الأوراق في يدها ورقة دخول رفح، لن تجني منها شيئاً سوى القتل والإبادة والتدمير، كما فعلت من قبل في خان يونس وأماكن أخرى، ولن تحقق أياً من أهدافها التي فشلت طوال ثمانية أشهر في تحقيقها.

وعلى الوجه الآخر تلقت في الأيام القليلة الماضية ضربات موجعة على رأسها قانونياً، تمثّلت بإصدار المحكمة الجنائية الدولية قراراً بوضع اثنين من أبرز قادة الاحتلال الإسرائيلي في قوائم الملاحقة القضائية الدولية وصدور قرار بوقف اجتياح رفح، وضربة سياسية أخرى تمثلت باعتراف دول أوروبية، هي آيرلندا والنرويج وإسبانيا، رسمياً بالدولة الفلسطينية.

هذا الإصدار أصاب نتنياهو وقادة الاحتلال بصدمة كبيرة جعلتهم يطلقون سلسلة من التصريحات الهجومية المعادية تلتها قرارات اتخذت ضد سفراء تلك الدول، ساندها في هذا موقف أميركي معترض على هذا الاعتراف، لسبب وحيد هو أن الحقيقة التي لا تريدها "إسرائيل" وأميركا هي أن هذه القرارات تعد أحد أهم إنجازات طوفان الأقصى، التي بدأت تعيد رسم خريطة سياسية جديدة في المنطقة، والتي جاءت رداً عملياً من تلك الدول على محاولات "إسرائيل" إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها في ظل فشل أميركي واضح في فرض حل سياسي على "إسرائيل" حتى اللحظة.

وفقاً لكل المعطيات التي تحدثت عنها في هذا المقال، وبعد أكثر من أسبوعين على دخول رفح كونها ورقة استطاع نتنياهو التلويح بها مراراً وتكراراً لإطالة أمد الحرب وبدأت تتلاشى بالتدريج، وفي حال انتهى منها سيجد نفسه غارقاً في وحل غزة أكثر بلا إنجازات تذكر، في وقت لم يجن منها أي رصيد جديد يضاف على صعيد تحقيق أهداف الحرب سوى تكرار نموذج القتل والإبادة والدمار، كما اجتياح خان يونس ومن قبلها غزة وشماليها، يُعاد الحديث مجدداً عن طرح مسودة جديدة لتحريك ملف التفاوض مع حماس، وهو ما يفسر أن لا خيارات أمام نتنياهو سوى العودة إلى مسار إبرام صفقة تبادل للأسرى مع حماس وفقاً للورقة التي وافقت عليها الأخيرة وتنصلت منها "إسرائيل"، وراهنت على تحقيق إنجاز عسكري في رفح.

وهذا يعني سقوط الرهان العسكري في تحقيق أي إنجاز والتسليم بما تريده المقاومة من شروط وبما يعزز عوامل الصمود وإدارة المعركة بحكمة واقتدار. وكلها أسباب وعوامل رئيسة شكلت سبباً في رضوخ "إسرائيل" لهذا المسار، الذي باتت إدارة بايدن تروّجه بقوة خلال الفترة القليلة الماضية.