2024-05-18 10:22 م

أيهما أسوأ؟ أكاذيب إسرائيل أم حمقى الغرب الذين يصدقونها؟

تساءل كاتب العمود في صحيفة “الغارديان” ومحرر موقع “زيتيو” مهدي حسن: “ما هو الأسوأ، أكاذيب إسرائيل حول غزة أم الذين يدعمونها في الغرب ويرددون نفس الأكاذيب؟”، ويشير إلى المثل الإيطالي الذي سجله في القرن التاسع عشر، الدبلوماسي البريطاني أنطوني ويلدون: “من خدعني مرة، فهذا خطؤه، ولكن إن خدعني مرتين، فأنا المخطئ”، واليوم نلخص المثل الإيطالي بهذه الكلمات: “لو خدعتني مرة فالعار عليك، ولو خدعتني مرتين، فالعار عليّ”.

ويقول الكاتب إنه “منذ 7 أكتوبر، خدعت الحكومة الإسرائيلية وجيشها الغرب ليس مرة أو مرتين بل عدة مرات”. مضيفا: “هناك الكثير من الأكاذيب والتشويه والمزاعم الكاذبة، هل قطعت حماس رؤوس 40 طفلا؟ لم يحدث أبدا.. أو هل شوت الأطفال في الأفران أو علقتهم على حبال الغسيل؟ كذب. وماذا عن العرين الذي يشبه عرين شرير جيمس بوند المخفي تحت مستشفى الشفاء؟ فبركة كاملة. أما القائمة التي عثرت عليها إسرائيل لخاطفي الأسرى الإسرائيليين معلقة في مدرسة الرنتيسي الابتدائية؟ آسف للقول، إنها مجرد روزنامة بالعربية تشير إلى أيام الأسبوع”.

ثم تساءل حسن قائلا: “ماذا عن الجرائم التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية وأنكرتها علنا ثم كُشف لاحقا أنها المسؤولة عنها؟ مذبحة الطحين في شباط/ فبراير، قصف قافلة اللاجئين في تشرين الأول/ أكتوبر، والفسفور الأبيض الذي استخدمته إسرائيل في جنوب لبنان؟”.

وأشار إلى تغريدة نشرها الفلسطيني- الأمريكي عمر بدّار جدول زمني للتكرار:
إسرائيل ترتكب مجزرة… إسرائيل تنفي أنها ترتكب مجزرة… الإعلام يقول لا نعرف من ارتكب المجزرة… يكشف التحقيق عن ارتكاب إسرائيل للمجزرة… تستمر دورة الأخبار… الشخص العادي لا يعرف أن إسرائيل ترتكب المجازر بشكل منهجي. ومع ذلك “يواصل الإسرائيليون إطلاق الأكاذيب التي تكررها النخبة السياسية والإعلامية في الغرب، عار عليهم”.

وربما لم تكن كذبة إسرائيلية مدمرة وضارة وقاتلة جدا مثل الزعم بأن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، المزود الرئيسي للإغاثة في غزة، تعاونت مع حماس. ويضيف مهدي حسن أن الأسوأ من ذلك، هو الزعم بمشاركة 12 موظفا من الأونروا في هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، “لماذا؟ لأنها كذبة تركت تداعيات، وعبّدت الطريق أمام المجاعة المدمرة التي صنعها البشر في قطاع غزة”.

ففي كانون الثاني/ يناير، وبعد حملة طويلة قامت بها إسرائيل والجماعات الوكيلة لها في الغرب ضد الأونروا، وتوجت باتهامات لموظفين فيها بالمساهمة في هجمات أكتوبر، أعلنت 16 دولة، بما فيها المانح المالي الرئيسي، الولايات المتحدة، وقف تمويل الوكالة، رغم أن هذه الدول حذرت من مخاطر شل الأونروا، الذي سيسرع بظهور المجاعة، وحذرت من أن الملف الإسرائيلي الأمني الذي قُدم بطريقة متبجحة، لا يحتوي إلا على معلومات واهية وغير مثبتة، ولكنهم وثقوا بإسرائيل، بحسب ما يقول الكاتب.

وتوفي أطفال فلسطينيون نتيجة الجوع في الأشهر التي تبعت المزاعم الإسرائيلية بشأن الأونروا، حيث قام عدد من هذه الدول وإن متأخرة، بإعادة الدعم ومنها ألمانيا التي تُعتبر المانح الثاني للوكالة الأممية. لكن لماذا قررت هذه الدول استئناف الدعم؟

ففي الأسبوع الماضي، صدرت مراجعة مستقلة للأونروا قادتها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا، وتوصلت إلى أن الوكالة “لا تزال محورية في تقديم مساعدات إنسانية مهمة لحياة السكان والخدمات الاجتماعية في غزة”، لذلك “لا بديل عن الأونروا ولا يمكن الاستغناء عنها في التنمية البشرية والاقتصادية للفلسطينيين”.

وأشارت كولونا إلى المزاعم بشأن تواطؤ الوكالة مع حماس، قائلة إن “إسرائيل لم تقدم بعد أي دليل داعم” لها. وكشفت المراجعة أن الأونروا ترسل أسماء موظفيها لإسرائيل والولايات المتحدة، كما كشفت أن “إسرائيل لم تخبر الأونروا عن أي تحفظ بشأن موظف ورد اسمه في القائمة منذ 2011”.

وكشف مراسل “الغارديان” في واشنطن، جوليان بورغر، أن هناك مراجعة منفصلة جارية في التهم المتعلقة بمشاركة موظفين من الأونروا في هجمات حماس، إلا أن إسرائيل ترفض التعاون. وحتى لو توصلت المراجعة إلى أن 12 موظفا شاركوا في الهجمات، فلن تتعدى نسبتهم 0.1% من 13,000 موظف للوكالة في غزة.

إلا أن الولايات المتحدة رفضت استئناف الدعم للوكالة، ومرر الكونغرس قانونا يحظر دعم الأونروا حتى آذار/ مارس 2025.

ويتساءل الكاتب عن الحمقى من الساسة والمعلقين الذين اصطفوا لتكرار وتأكيد الكذبة الإسرائيلية عن الأونروا.

ويقول مهدي: “خذ مثلا السناتور الجمهوري تيد كروز الذي نشر ست تغريدات عن الأونروا ما بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس، حيث قال إن الوكالة تدعم الإرهاب ومخترقة من قبل حماس، وأن 12 موظفا على الأقل شاركوا في هجوم 7 أكتوبر الإرهابي”.

وقال ديفيد فرم، كاتب خطابات جورج دبليو بوش سابقا: “يجب إلغاء الأونروا” واتهمها “بتقديم دعم مادي لمنظمة إرهابية”.

كما كتب المعلق اليميني المحافظ بريت ستيفنز في “نيويورك تايمز” بأن الأونروا “تبدو موبوءة بالإرهابيين والمتعاطفين معهم” و”يجب إلغاؤها”.

وهنا يؤكد مهدي حسن: “كلهم كانوا مخطئين وينشرون الأكاذيب ويرددون دعاية إسرائيل”.

ويتابع الكاتب قائلا: “للأسف، لم يكن الجمهوريون والمحافظون المتطرفون هم من رددوا أكاذيب إسرائيل، بل أيضا نواب في الحزب الديمقراطي، ومنهم جوش غوثيمير، الذي نشر مثل تيد كروز عددا من التغريدات ما بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس بأن هناك أدلة واضحة تكشف عن دعم موظفي الأونروا لحماس في 7 أكتوبر”.

وقال النائب الديمقراطي براد شيرمان إنه أثنى على قرار إدارة بايدن تعليق الدعم للأونروا، زاعما أن موظفي الوكالة “تم فضحهم كإرهابيين”. وغرد الديمقراطي ريتشي توريز أن “أونروا كانت تدير غزة بطلب من حماس”.

ولم يتراجع أي من هؤلاء النواب الديمقراطيين عما كتبوه في تغريداتهم بعد صدور التقرير الأسبوع الماضي، والأسوأ من هذا، أنهم لم يذكروه.

لكن الأسوأ في كل هذا هو التصريح الذي أصدره وزير الخارجية أنتوني بلينكن في 29 كانون الثاني/ يناير، عندما اعترف أن “الولايات المتحدة لم تكن قادرة على التحقيق بنفسها” في المزاعم. ولكنه مضى واصفا المزاعم الإسرائيلية غير المثبتة بأنها “موثوقة بقدر عال”.

وبعد أسابيع على تصريحاته، قال مجلس الأمن القومي الأمريكي، إنه قيّم المزاعم الإسرائيلية حول موظفي الأونروا ومشاركتهم في هجمات 7 أكتوبر، ووجد أنها “متدنية الموثوقية”، وهذا ضد كلام بلينكن بأن تلك المزاعم “موثوقة بقدر عال”، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المجتمع الاستخباراتي الأمريكي يقصد بـ”الموثوقية المتدنية” أنها قائمة على معلومات ضئيلة ومشكوك فيها ومجزأة. ولم يعتذر بلينكن بعد على الزعم الكاذب.

ويقول مهدي: “اسأل نفسك: ما هو الأسوأ؟ أكاذيب الحكومة الإسرائيلية أم الأشخاص في الغرب الذين يواصلون تصديقها وتكبيرها؟ الاتهامات للأونروا التي لم تقم على أدلة قوية، أم الدول الغربية التي تلقتها كحقيقة وقطعت الدعم عن أكبر وكالة إغاثة في غزة؟”.

ويختم بالقول: “إسرائيل تجوّع أهل غزة، والعار على الحمقى الذين ساعدوها في تبرير مزاعمها”.

المصدر: القدس العربي