2024-11-27 12:45 م

الفرنسي في الشرق الاوسط.. البحث عن دور!!

بقلم: ليلى نقولا

في زيارات مكررة، كما أقرانه الأوروبيون، يزور وزير الخارجية الفرنسية، ستيفان سيجورنيه، منطقة الشرق الأوسط، من أجل البحث في الحرب وإمكان التوصل إلى هدنة في غزة، والبحث في إمكان فصل مسار الجبهة اللبنانية المساندة لغزة عن الحرب الدائرة في فلسطين المحتلة، متذرّعاً بحرصه على عدم تفاقم الوضع وعدم الوصول إلى حرب كبرى.

وطرح سيجورنيه في لبنان ورقة فرنسية "معدَّلة" عن الورقة السابقة، التي تمّ طرحها في كانون الثاني/يناير 2024، وأتى بسلّة اقتراحات شفهية للبنان، ليتبين فيما بعد أنها مجرد اقتراحات إسرائيلية – أميركية يحملها الفرنسي إلى لبنان، معتقداً أنه يستطيع، بما له من علاقات تاريخية باللبنانيين، أن يسوّقها كمبادرة فرنسية.

لا شكّ في أنها ليست المرة الأولى – ولن تكون الأخيرة - التي سيقوم فيها الفرنسيون بطرح مبادرات تتماهى بصورة كبيرة مع المصالح الإسرائيلية. ويمكن العودة بالتاريخ إلى حرب تموز/يوليو 2006، على سبيل المثال لا الحصر، والنقاشات التي سبقت إقرار القرار 1701، في مجلس الأمن الدولي، لنسترجع التاريخ الفرنسي في تأييد "إسرائيل" على حساب لبنان وسيادته.

1- المسودّة الفرنسية الممهدة للقرار 1701:
في 5 آب/أغسطس من عام 2006، وزعت فرنسا مسودة قرار (تدعمها الولايات المتحدة) لعرضها على مجلس الأمن الدولي من أجل "وقف إطلاق النار في لبنان".

ونصت تلك المسودة الأولية على وقف الأعمال العدائية، وإعطاء اليونيفيل دوراً إشرافياً وإنسانياً فقط، على أن يقوم حلف شمال الأطلسي بدعم اليونيفيل في ضبط الأمن والاستقرار في جنوبي لبنان، وتنفيذ بنود القرار الأممي. وتنص المسودة الفرنسية، التي عرضت حينها على مجلس الأمن والتي رفضها لبنان، على ما يلي:

أ‌ - التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، بما في ذلك نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان.

ب‌ - الإفراج غير المشروط عن الأسرى الإسرائيليين، مع "تشجيع الجهود الرامية إلى حل قضية اللبنانيين الأسرى المعتقلين في إسرائيل".

ج ‌- نشر "قوة دولية" بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة للمساعدة على تنفيذ "حل طويل الأمد".

د ‌- تتولى "القوة الدولية" مهمة نزع سلاح حزب الله وتنفيذ مجلس الأمن الدولي، القرار 1559، وضمان أمن "إسرائيل" على طول الخط الأزرق.

لا شكّ في أن الصمود اللبناني حينها، وعدم استطاعة "إسرائيل" أن تحقق أي إنجاز عسكري في الفترة الفاصلة بين 5  آب/أغسطس و14 آب/أغسطس، تاريخ صدور القرار 1701، أدّيا إلى تغيير لغة القرار الأممي ومفرداته وجوهره، فأُزيلت منه الإشارات السابقة إلى الفصل السابع، ولم يذكر عبارة "نزع سلاح حزب الله"، وتمّ التخلي عن فكرة "القوة الدولية"، وصدر القرار بموجب الفصل السادس من صلاحيات مجلس الأمن الدولي.

المبادرة الفرنسية "المعدَّلة" في عام 2024
تذكر التقارير الصحافية أن المبادرة الفرنسية، التي تمّ طرحها على لبنان بصيغة "معدّلة"، تهدف إلى فصل مسار الحرب في لبنان عن الحرب في غزة، وطلب انسحاب حزب الله إلى الليطاني وإبقاء منطقة جنوبي الليطاني خالية من السلاح والمظاهر العسكرية، وإعطاء اليونيفيل صلاحية المداهمة والتفتيش عن السلاح والتأكد من التزام حزب الله الانسحاب عسكرياً من المناطق الجنوبية.

عملياً، هي الأفكار نفسها، التي لطالما راودت الفرنسيين والأميركيين منذ حرب تموز عام 2006، وهي التصورات نفسها التي يتم طرحها سنوياً خلال مناقشة مجلس الأمن الدولي التمديد لمهمة اليونيفيل في لبنان، علماً بأن الميدان هو الذي فرض إيقاعه على الحل الدبلوماسي عام 2006، وعلى مداولات مجلس الأمن والقرار 1701.

واليوم، لن يكون الامر مغايراً، فالميدان سيفرض نفسه، ولن يكون في الإمكان فرض قرار سياسي على لبنان يعطي "إسرائيل"، عبر السياسة والضغوط الدبلوماسية، ما لم تستطع أن تحققه في الميدان.

في النتيجة، وفي المشهد العام، يحاول الفرنسيون أن يجدوا لأنفسهم دوراً في مناطق نفوذهم السابقة، فيعملون على تسويق أنفسهم "وسيطاً" بين الأميركيين وخصومهم أو أعدائهم في منطقة الشرق الاوسط.

المشكلة، التي تعترض الفرنسيين، أنه لم يعد يُنظَر إليهم كوسيط محايد، لأنهم لا يتمتعون بالاستقلالية التي شهدتها السياسة الخارجية الفرنسية خلال فترة شارل ديغول وما بعده، حين حافظ الفرنسيون على نوع من الاستقلالية في السياسة الخارجية، فثبتوا إرث الديغولية، أو ما يسمى politique arab في العالم العربي.

أما المعضلة الثانية، فتتجلى في دخول الألمان منافساً لهم في مناطق نفوذهم التاريخية، فبات على الفرنسيين أن يقاتلوا لاسترجاع دور ونفوذ خسروهما لمصلحة الأميركيين، بينما ينافسهم على ما تبقى من نفوذ ومصالح كل من بريطانيا وألمانيا.