بقلم: فؤاد البطاينة
لا قضية ولا مقاومة بوجود السلطة الفلسطينية هي بمفهوم العالم والشعب الفلسطيني، خارج الصراع الصهيو فلسطيني وخارج الحرب العدوانية التي يشنها جيش الكيان على غزة وخارج الطرف الفلسطيني فيها سواء كان الشعب الغزي أو المقاومة الفلسطينية. هذا صحيح، إلّا أن الأمر في الواقع أبعد من ذلك. فكما نقول أن أمريكا جزء أو طرف في هذا الصراع أو شريكة لطرف هو الكيان بما تقدمه له ، نقول وبنفس المقاربة سلطة أوسلو شريكة للكيان بما تقدمه له من خلال دور لها تحاصر فيه القضية الفلسطينية، وتساعده أمنياً واستخباريا وعملياتيا وسياسيا، وفي تزوير ارادة الشعب الفلسطيني. ولكن هذا أيضا ليس كل شيء، فهناك الأعمق والأهم.
فلسلطة أوسلو دور تُفرغ فيه القضية الفلسطينية من محتواها والنضال الفلسطيني من شرعيته على الصعيدين الدولي والعربي وذلك عندما تكون هذه السلطة العميلة من وجهة نظر المجتمع الدولي ممثلاً شرعيا وحيداً للشعب الفلسطيني والناطق الرسمي باسمه في الوقت الذي فيه هذه السلطة تعمل تحت إمرة العدو أوالكيان المحتل، وتخضع لإرادته بوجودها على الأرض في الضفة، وبحركتها على الأرض بالضفة، وبتمويلها بالرواتب والمال، ولتكون جزءا من الكيان وخاضعة له وأداة متعددة الأغراض بيده.
وقد استطاعت السلطة بالفعل أن تنفذ دورها في افراغ القضية من محتواها والمقاومة من شرعيتها دوليا وعربياً بسهولة. حيث ليس من المنطق أن تتخذ دولة ما موقفاً من القضية الفلسطينية أو من الكيان مغايرا لموقف السلطة كجهة تمثل الفلسطينيين وقضيتهم رسماً، حتى لو علمت تلك الدولة أو الجهة بأنها سلطة خائنة للقوة شعبها ولقضيتها. لأن تقويمها أو الانقلاب عليها وعلى سياستها هي مهمة الشعب الفلسطيني.
ولكن المستجد قد يقلب الطاولة على كل المتآمرين لو أحسنا استثماره فنحن اليوم بفضل عنصرية وفلتان أعصاب الكيان وإرهابه المترتب على 7 أكتوبر، أمام ظاهرة إيجابية نعيشها ويعيشها العالم بنوع من الدهشة ولا سابقة لها من حيث التضامن مع شعب بهذا الزخم وهذه القوة. وتتمثل بالإنتفاضة الشعبية والمؤسساتية العالمية انتصارا لغزة وغضبا واستنكاراً للإرهاب الصهيوني، توجت بانتفاضة أحرار ومثقفي العالم وأكاديميه بل بالحركة الطلابية عالية التأثير. وبصرف النظر عن مكنونات هذه الجماهير الواعية، فليس أمامها وأمامنا سوى أن نأخذ بالظاهر وهو أن محركها وباعثها هي المشاعر الإنسانية، وستتوقف نشاطاتها لدى توقف الحرب العدوانية على غزة مباشرة. بمعنى أنها انتفاضات تعبر عن موقف إنساني وليس عن موقف سياسي. فإلى أي مدى هذا القول صحيحاً وفي أي إطار نضعه وكيف نحوله لموقف سياسي صريح.
وبهذا نقول، أن أصحاب هذه الفعاليات من اوروبيين وأمريكيين وغيرهم من مثقفي العالم وأكاديميه وحركته الطلابية يعرفون بأن تظاهرهم يعتبر مواجهة مع الصهيونية ويعرضهم لمتاعب، ويبررونه بالبعد الإنساني ً،ويعرفون أن ما يجري في غزة من مذابح هو على خلفية قضية احتلال صهيوني لفلسطين. ولكنهم بالمقابل يعرفون موقف سلطة أوسلو الخياني كممثل رسمي للفلسطينيين ولقضيتهم ولا يمكنهم أن يقفزوا عنها ويكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين. ويعرفون مواقف الانظمة العربية من القضية الفلسطينية ومن الكيان ولا يمكنهم أن يزاودوا عليهم ويكونوا عرباً أكثر من العرب.
ومن هنا من واجبنا أن نحافظ على هذا التعاطف الإنساني الدولي واستمراريته وتطويره لموقف سياسي قائم على عدالة القضية الفلسطينية وعلى أنها قضية احتلال إحلالي لوطن جذور شعبه غائصة بترابه وصخوره منذ سبعة ألاف عام، احتلال من قبل الصهيونية الخزرية المتهودة بمساعدة وبقوة الغرب مدفوعين بالفكرة الاستعمارية وبالتخلص من شرور هؤلا المتهودين الذي لا تربطهم أي صلة عرقية أو تاريخية مع بني اسرائيل واليهود القدامى ولا مع الجنس السامي، ولم تطأ أقدام أسلافهم يوما أرض فلسطين عبر التاريخ.
ولن يكون بالمستطاع منطقياً تحقيق هذا المطلب وتحويل الموقف الإنساني لمثقفي واحرار العالم الغربي بالذات الى موقف سياسي مواجه لمواقف حكومات بلادهم الاستعمارية ما دامت السلطة الفلسطينية قائمة بوصفها ودورها المار ذكره، وتحظى بقيادة الشعب الفلسطيني وتمثيله الرسمي. وهذه مهمة شعب الضفة الذي لم يكن أداءه كافيا ومساوياً للتوقعات من حيث عدم تمكنه الآن من الإنتفاضة على سلطة أوسلو في مواكبة ضرورية وصادة لمذابح الكيان الجماعية في غزة.
ونكرر بأن وجود السلطة الفلسطينية كممثل رسمي للفلسطينيين يفرغ القضية الفلسطينية من محتواها دوليا وعربيا وإسلامياً ويطعن في شرعية المقاومة والنضال المسلح الفلسطيني ويحجم الاصطفاف السياسي الدولي حكوميا وشعبياً مع القضية الفلسطينية كقضية احتلال وتحرير، ويجب ازاحتها عن الطريق أولاً. الفلسطينيون لم يعودوا بحاجة لبكائين بل لمواقف سياسية دولية تعترف بالطبيعة الاحتلالية للقضية وبشرعية المقاومة وهذا لا يتحقق قبل إسقاط وتغييب السلطة.
كاتب عربي اردني
المصدر: رأي اليوم