2024-11-26 06:30 م

بين الردّ الإيراني والردّ الإسرائيلي... سقوط "تفوّق" الدعاية الإسرائيلية

بقلم: ليلى نقولا
رداً على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، قامت إيران بردٍ بمسيّرات وصواريخ على "إسرائيل"، أصابت بعضها قاعدتين إسرائيليتين انطلقت منهما الطائرات التي أغارت على القنصلية، بحسب ما أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.

وبالرغم من ادّعاء الرئيس الأميركي ودعوته الإسرائيليين إلى عدم الردّ لأنّ "العملية الإيرانية فشلت" وبالتالي كان هناك "نجاح إسرائيلي"، لكنّ الإسرائيليين أصرّوا على الردّ معتبرين أنّ عليهم "استعادة الردع" مع إيران. 

وليل 19 نيسان/أبريل نقلت واشنطن بوست عن مسؤول إسرائيلي أنّ "إسرائيل قامت بالردّ على إيران وضرب أصفهان"، بينما أكد الإيرانيون أن الدفاعات الجوية الإيرانية أسقطت عدة مسيّرات صغيرة بمضادات أرضية على ارتفاع منخفض جداً، في محافظة أصفهان وسط البلاد.

بمتابعة ما جرى على وسائل الإعلام وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، بعد الردّ الإيراني على "إسرائيل" والردّ الإسرائيلي "المفترض" على إيران، والذي وصفه المتطرّف الإسرائيلي إيتمار بن غفير بالـ "مسخرة"، يمكن القول إن الدعاية والبروباغندا التي لطالما اشتهرت بها "إسرائيل"، هي الأخرى قد تراجعت، وسقطت نظرية "التفوّق" التي لطالما اشتهرت بها "إسرائيل" في السابق. 

1-ما هي الدعاية؟
تعرّف الدعاية على أنّها معلومات يتمّ نشرها للتأثير أو التلاعب بمعتقدات أو مواقف أو أفعال مجموعة من الناس، وغالباً ما تستخدمها الحكومات من ضمن حرب المعلومات التي تستهدف فيها أعداءها وجمهورهم، ولتعزيز سرديتها الخاصة.

تتخذ الدعاية أشكالاً عديدة، منها الرسائل المكتوبة أو المقروءة والصور والرموز، وتنشر عبر وسائل مختلفة، مثل الصحف والإذاعة والتلفزيون والإنترنت، والوسيلة التي باتت الأكثر أهمية والأكثر رواجاً هي وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن المهم الملاحظة أنه من السهل الوقوع في فخ الدعاية من دون علم المتلقّي، علماً أنّ هناك فرقاً كبيراً بين الدعاية والإقناع المشروع، وهو جزء طبيعي من الخطاب الديمقراطي، ويعتمد على الحقائق والأدلة والحجج المنطقية. ففي حين تهدف الدعاية إلى التلاعب بالمشاهد وقناعاته، يهدف الإقناع المشروع إلى إعلام الجمهور وتثقيفه.

2-الدعاية الإسرائيلية propaganda
لطالما اشتهرت "إسرائيل" بتفوّقها في مجال الدعاية والحرب النفسية، وذلك عبر الوحدة 8200 والتي تقوم بشنّ حروب إلكترونية إما للتجنيد أو للابتزاز أو لنشر معلومات مضلّلة أو شائعات، وهي معلومات خاطئة أو مضلّلة يتمّ نشرها عمداً لخداع الناس وتوجيه الرأي العام.

ولعلّ العامل الأخطر في وسائل الدعاية والتضليل هي تلك التي تستخدم معلومات حقيقية لكن يتمّ تقديمها بطريقة متحيّزة أو مضلّلة، أو يتمّ تمرير معلومة مضلّلة ضمن سلسلة من الحقائق بحيث يصعب تمييزها.

ولقد استخدمت الوحدة الإسرائيلية تلك الدعاية في كثير من الأحيان لنشر الكراهية والتعصّب بين العرب، وبين المسيحيين والمسلمين وبين المذاهب الإسلامية. وذلك تطبيقاً للاستراتيجية الإسرائيلية التي اعتبرت أن تعزيز الكراهية بين المسلمين، وتعزيز الصراع السنّي الشيعي هو هدف استراتيجي لـ "إسرائيل"، وكما تمّ الإعلان عن ذلك صراحة في مؤتمرات هرتسيليا 2008-2013. 

في العام 2008، ناقش مؤتمر هرتسيليا عنوان "الشرخ الشيعي ـــــ السني، جذوره وأبعاده الاستراتيجية"، وخلصت توصيات المؤتمر إلى أنّ "من مصلحة إسرائيل أن تسهم في تذكية ذلك الصّراع".

وفي العام 2013، خلصت توصيات المؤتمر إلى "ضرورة تكريس الصراع السني ـــــ الشيعي، من خلال السعي إلى تشكيل محور سنّي من دول المنطقة، أساسه دول الخليج ومصر وتركيا والأردن، ليكون حليفاً لـ "إسرائيل" والولايات المتحدة، في مقابل "محور الشر" الذي تقوده إيران، والذي سيكون، محوراً للشيعة. (بحسب نص توصيات مؤتمر هرتسيليا 2013).

وعلى هذا الأساس، يمكن لنا أن نفهم الدور الذي أدّته الدعاية الإسرائيلية بعد الردّ الإيراني على ضرب القنصلية، حيث انطلقت بداية إلى تسخيف الردّ باعتباره "مسرحية"، ثم انتقلت إلى القول إنّ الدول العربية في الخليج ساهمت بإسقاط المسيّرات والصواريخ الإيرانية دفاعاً عن "إسرائيل"، وإن هذا يعني أنّ التحالف الإسرائيلي العربيّ وما كان يسمّى الناتو العربي لمواجهة إيران بات أقرب من أيّ وقت مضى. لاحقاً، تمّ كشف زيف هذه الأخبار، بعدما اعترف الإسرائيليون أنفسهم بحجم الضربة "غير المسبوقة"، واتصال المسؤولين الخليجيّين بالإيرانيين معلنين زيف تلك الادّعاءات.

أما ما يُسمّى "الردّ الإسرائيلي على إيران" عبر مسيّرات على أصفهان، فمن الملاحظ مسارعة وسائل الإعلام الغربية ووسائل المعارضة الإيرانية (التي نقلت عمّن أسمتهم شهود عيان) إلى تضخيم الحدث، ويمكن أيضاً ملاحظة أنّ الوسائل والحسابات نفسها على وسائل التواصل التي اعتبرت الردّ الإيراني "مسرحية"، قامت بتضخيم متعمّد وسريع جداً لحجم الردّ الإسرائيلي، ليتبيّن بعدها أنّ تلك المعلومات كانت مضلّلة تستهدف الجمهور الذي تفاعل مع الخبر بطريقة سريعة كما يحصل عادة في أخبار الحروب والتسابق إلى السبق الإخباري أو الصحافي، وسرعان ما تبيّن زيفه.

في النتيجة، بات العالم الافتراضي ووسائل التواصل ساحة حقيقية لحرب تحصل بالتوازي مع الحرب العسكرية الدائرة في غزة اليوم، ولكنّ الأكيد أيضاً أن نظرية "التفوّق" الإسرائيلي في التضليل وفرض السرديات بات من الماضي، تماماً كما سقوط نظرية "الجيش الذي لا يُقهر".