2024-11-26 05:42 م

لن تتوقف الحرب.. ولكن هل لنا بتخفيف المعاناة عن أهل غزة؟

بقلم: نادية حرحش

يستمر العدوان على غزة، وتضيق الأفق عن حلول ترقى للثمن المدفوع من دم ودمار. أكبر الأحلام تكمن في توقف هذه الحرب ليستطيع أهل غزة التنفس بلا دك مدفعيات وقصف صواريخ وحوم ذنانات. ليستطيع أهل غزة ربما تحسس ما تبقى من حياة في أجسادهم وحولهم من أنفاس لأحبة ومعارف وجيران وأقرباء وغرباء، لعل لتلك الأنفس أجساد يمكن ترميم ما مر عليها من دمار.

ليستطيع اهل غزة ربما التفتيش عن بيت كان أكثر من مأوى، أو عمل كان أكثر من كوبون طعام. ليستطيع أهل غزة ربما محاولة النهوض من جديد ليبنوا وسط الجثث التي تحللت والدم الذي حفر وجوده الأبدي على التراب وبين الحجارة. ليستطيع أهل غزة ربما لملمة كل تلك المآسي والجروح المتقرحة وذكرى الكوارث التي ستبقي أثرها بكوابيس لن تفارقنا لأجيال وأجيال.

يستمر العدوان على غزة، واللقمة صارت أكبر امل يعلق الناس بالحياة. لا المأوى ولا الخيمة ولا البيت، لقمة يسد فيها الإنسان جوعه وسط مجاعة محدقة وأمراض تتسلل في غياب ماء صالح للشرب وأسط إحتياجات الإنسان للعيش.

في ظل غياب حلول من يحكمون الأرض ويتحكمون بالسماء لم يبق لأهل غزة الا نحن، الأحياء العاجزون عن الحياة إلا من خلال أنفاس لا قيمة لها، وطعام تمتلئ به بطوننا فتفجعنا، ووجع وعويل وحسرة تطفح من قلوبنا ونتمتم بكلماتنا وأدعيتنا العاجزة إلا من التحسب والدعاء على الظلمة واعداء الإنسانية التي تخلت عن الانسان في غزة وإعتبرته زيادة يمكن التخلص منها ما دام النسيان هو نعمة استمرار البشرية، فكم من بحر بلعت مياهه آثام هذا الوجود، وكم من ارض غمست ترابها بدم الأبرياء.

لا مساعدات إنسانية يمكن الاعتماد عليها، فقراصنة الحدود تقتنص المعونات قبل أن تصل، وما يصل تسرقه العصابات ليشتريه تجار الدم والحروب ليعرض في مزادات بيع اللقمة لمن يستطيع أن يشتري بأثمان خيالية.

ما يهطل من السماء كالطير الأبابيل، يقع على الرؤوس فيسحقها، أو يلقفه البحر فتبلعه المياه لأسماكها الجائعة، أو يلتقطه قرصان متمرس ليبيعها في سوق مافيات لقمة العيش، أو يلوذ بصندوق أحدهم لتقنصه صواريخ العدوان كهدف معلن لهذه الإبادة الجماعية.

وهناك من ينتظر المليارات لإنعاش فساد السلطة لتعم فسادها على من لم يفسد بعد في هذا الشعب العاجز، وتقمع من لا تستطيع التمكن منه بين قتل وسجن وتعذيب وشد الخناق بكل الإمكانيات عليه.

أمام هذا العجز المتمكن منا نكسر صيامنا على موائد إفطار تفيض بما لذ وطاب ونكتفي بالدعاء لأهلنا في غزة، ونكثف الدعوات في قلوبنا على الظالمين. كيف لنا ان نساعد وسط كل هذا العجز؟ فلا يمكن للمساعدات ان تصل، ولا نعرف من نصدق، ولا يوجد من نأمنه او نؤمنه.

بينما تزداد الصدقات والزكاة في هذا الشهر الفضيل، لا يستطيع معظمنا توجيه محاولاتهم لتقديم المساعدات لأهلنا في غزة وسط هذا الحصار المحكم.

وسط هذا الظلام الحالك وإنعدام الأفق، وصلتني دعوة إفطار يذهب ريعها الى أهلنا في غزة من خلال مركز العمل التنموي معاً في رام الله. وكأني وجدت ضالتي وسط هذا النفق المظلم لأرى بصيص أمل، لعله يسد جوع بطن خاوي وسط هذه المجاعة المحدقة.

ربما نشاهد الكثير والفائض من المآسي والحاجات الإنسانية العاجلة والضرورية ومحاولات ايصال المعونة للكثيرين، وفي كل مرة نسأل كيف لنا ان نساعد، خصوصا، ان ما نشاهده من إعلانات ممولة لا نثق بها. فلقد فقدنا الثقة بالمؤسسات الدولية التي لا تستطيع حتى تأمين شحنات من قرصنة تنتظرها على الحدود المصرية او منع إسرائيلي. فهذه المؤسسات عاجزة مثلنا افراداً ومؤسسات ودولاً. وبالتأكيد محاولات إيصال المساعدات الإنسانية مستمرة بما يفوق ما نستطيع تقديمه كأفراد.

وهنا، أجد ما يقوم به مركز العمل التنموي معاً كبصيص أمل لنا نحن الافراد الذين نبحث عن طريقة لإيصال دعم مالي ولو بتأمين وجبة طعام لإنسان جائع في غزة. فمهما قدمنا لا يكفي. ومهما وصلت مساعدات لا تكفي.

ما نسمعه ويصلنا من مآسي غزة لا تحتمله القلوب، ولكن يمكن ربما بتدخلاتنا الفردية البسيطة من خلال مركز او مؤسسة كمعاً وجمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية والهلال الأحمر الفلسطيني وغيرها أن نقدّم بعض المساعدة.

أهلنا في غزة لا يحتاجون الآن لإعادة إعمار تحتاج دولاً وربما عقوداً من الزمن لإنجازه. أهلنا في غزة يحتاجون الى لقمة تسد جوع بطونهم الآن. وهذا ما نستطيعه نحن الأفراد وسط ما يمكن ان نسميه بأضعف الايمان.

ربما لم تستطع أصواتنا ولا صيحاتنا ان توقف هذا العدوان، فإيقاف هذه الحرب الغاشمة هي ما يجب أن يحصل أولا وقبل كل شيء. ولكن مع الأسف، وبكل أسى ووجع أقول:

بينما كان هذه العدوان ربما فرصة لنتيقن انّ آفة الانقسام وغياب الحكم الرشيد وإستفحال الفساد ستهدر ما تبقى من وجودٍ لنا كشعب، صار العدوان فرصة لتمكين الفساد والفسّاد ليكون الانقسام والشتات هو حالنا الوحيد.

ولكن… نستطيع ان نؤمّن ربما وجبة تطعم إنساناً في غزة عن طريق دعمنا لحملات التبرع التي تنظمها المؤسسات المذكورة هنا وغيرها. ربما نستطيع ان نلتف حول ما كان قوّتنا كشعب أعزل يحاصر وجوده الاحتلال قبل أن ألمّت بنا نقمة الّسلطة، لنعيد تشكيل أنفسنا من خلال عمل شعبيّ فاعل.

ربما يجمعنا عجزنا بينما نبكي عوز وألم ودم وجوع غزة، ونحاول ان نقدم الدعم لهكذا مؤسسات تعمل بلا كلل من منطلق الإيمان أن الكرامة حق لوجود الانسان.

* كاتبة فلسطينية