2024-11-26 06:22 م

شركاء في التجويع والحصار

بقلم: د. هايل عبيدات
في عام 2023 قامت 200 منظمة غير حكومية من 75 بلدا قالت ان شخصا يموت كل اربع ثواني في العالم ودعت الى ضرورة تحرك دولي من اجل انهاء ازمة الجوع المتصاعدة عالميا حيث لا زالت النزاعات المسلحة تشكل السبب الرءيسي للجوع.
والموت جوعا هو اشد انواع الموت لان صاحبه يفقد الحياة ببطء شديد حيث يشتد الالم ويفقد ماء الحياة حتى يتلاشى.
وفي غزة بعد ان تخلى الجميع عنها وتركوا اهلها يواجهون الموت لوحدهم وبصدور عارية  حيث حرب الابادة والتجويع, اسلوب التجويع والمنع حيث سمي الموت بالتجويع الموت الاغبر وهو مخالف لكافة الاديان السماوية والاعراف الانسانية ويعتبر بمثابة القتل العمد شرعا.
وامام كل هذا نحن امام تسونامي سياسي وديمغرافي, وفي سباق مع الزمن لتلافي الغوص في مجاعة وتداعيات اقليمية محتملة، وبعيدا عن المجاملة اعود يالتذكير باهمية الجهد الرسمي والشعبي الاردني  والبناء عليه وتطوير وتعزيز ادواته الفاعلة  فان الاردن ما زال  يقوم بدور سباق وتاريخي  في هذا المجال من  خلال انزالات جوية وارسال شحنات من الاغذية برا، والعمل بشكل سريع ومؤطرعلى  انشاء محفظة غذائية بالتعاون مع دول الجوار والدول العربية والاسلامية لتخفيف العبء على سكان غزة وضمان ديمومة وصول المساعدات والتي لن تكون باي شكل بديلا لفتح المعابر البرية مع غزة  حيث جميع المعطيات والتقارير الاعلامية وتلك الصادرة عن المنظمات والهيئات الدولية تشير الى انعدام الامن الغذائي و قيام قوات الاحتلال باسلوب المنع  والحصاروالتجويع  بتحويل غزة الى مقبرة جماعية في ظل اخفاق عالمي وصمت مبرمج تدخل في سياقات  خطة التهجير.
وعودة للتاريخ خلال الحرب العالمية الثاني قامت المانيا النازية بوضع خطة للتجويع  لو نجح تنفيذها لكان من الممكن ان تؤدي الى مجاعة 20 مليون شخص في الاتحاد السوفييتي اثناء حصار مدينة بطرسبورغ، وفي عام  1618 بما يعرف بالحرب الدينية في اوروبا  والتي امتدت الى ثلاثين عاما ادت الى موت 8 ملايين مواطن وتمزيق النسيج الاجتماعي  في اوروبا، وفي ايام الثورة الفرنسية عام 1789 فقدت اكثر من نصف الغذاء والحبوب  وكل الشواهد السابقة في الحصار والتجويع انها قادت الى اضطرابات اجتماعية و غرقت البلدان في الفوضى والامثلة قريبة في السودان واليمن.
وفي قطاع غزة يختلف الجوع فهو اكثر من جوع وهو سجن مفتوح لاكثر من مليوني نسمة ودون اي منفذ بري او جوي او بحري  مصحوبا بحرب ابادة  تقوم به  قوات الاحتلال الصهيوني بدعم من الوسيط والشريك  الامريكي وتخاذل دولي رسمي، وشراكة اقليمية وتجويع غير مكلف  ساهم في تدمير البنى التحتية والمنظومة الصحية  والوضع الاقتصادي وتفاقم  وتدهور الوضع الانساني  , وبذلك اصبحت اي برامج للاغاثة غير مجدية نظرا لسيطرة اسرائيل عليها، حتى لو كانت بنكهة عربية او اسلامية او اوروبية فهي عاجزة عن الوصول الى اهل غزة وعاجزة عن حماية غزة، بل اصبحت عقاب وحشي لا اخلاقي لابناء القطاع في ظل صمت وعجز الجيران والاصدقاء واشقاء الروح وتنصل المجتمع الدولي عن المسوؤلية الاخلاقية لما يجري في غزة، وانضم الاعلام وبعض الفضائيات الى الجوقة الدولية والاقليمية لتسكين وتخدير الشارع العربي والخوف ان يصحو الشارع العربي على هول الصدمة ويفوق متاخرا مع  تشغيل الرصيف البحري المشبوه والذي ياتي لتعزيز الحصار على غزة وتشديد احكام القبضة على القطاع وقد يكون نافذة لاشياء تلوح في الافق  وقد تشكل اختراق وخسارة لما هو تحت الارض حيث الظروف فوق الارض باتت اكثر قسوة  وتفتح ثغرة في صفحة التهجير.
وياتي كل ذلك بالتوازي مع تسويغ مجلس الامن لحرب الابادة والتجويع وانغماس الموقف الاقليمي العربي  والوسيط الشريك بحسابات واولويات انتهازية  ضيقة  مدفوعة باغراض سياسية تساهم في ادامة انتاج الازمة والبحث عن  تامين لقمة العيش لاهل غزة  لغاية الوصول الى الهدف وتحقيق المهمة الاكبر باعادة ترسيم وهيكلة قطاع غزة واستمرار العبث سياسيا وديمغرافيا بالورقة الفلسطينية خاصة بعد ان مرت مصادرة 8000 دونم من اراضي الغور الفلسطيني بصمت وما يتبع ذلك من ارتدادات اقليمية  قد تشكل خطرا في الخاصرة الوطنية.
كاتب اردني