نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للمعلقة أروى المهداوي، قالت فيه إنه في الوقت الذي دمرت فيه إسرائيل غزة، فإنها تقوم بقتل أعداد من الفلسطينيين في الضفة الغربية. وأضافت أن إسرائيل تستخدم القوة المفرطة ضد الأطفال في الضفة.
وأشارت الكاتبة لما قاله جيمس إلدر، المتحدث باسم صندوق الطفولة العالمي (يونيسيف) من أن “عمق الرعب يتجاوز قدرتنا على وصفه”، حيث زار غزة في الأسبوع الماضي، ولم يبق فيها أي شيء، فقد حصل الجمهوريون الأمريكيون الذي تمنوا تحويل غزة إلى “موقف سيارات” على أمنيتهم.
ووسط الدمار والصدمة والسكان العالقين والجياع حتى الموت، يشاهد جيل بأكمله مستقبلا مدمرا. وقال منسق السياسات في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في الأسبوع الماضي، إن “الجوع استُخدم كوسيلة حرب” وأن “إسرائيل تدفع بالمجاعة”.
وفي الوقت الذي يركز العالم انتباهه على غزة، فإن الحياة في الضفة الغربية أصبحت خطيرة بدرجة كبيرة. فقد زاد عنف المستوطنين وتصاعد استخدام الجيش الإسرائيلي للقوة الفتاكة.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قُتل أكثر من 400 فلسطيني في القدس الشرقية والضفة الغربية. وقالت المنظمة الحقوقية الإسرائيلية “بيتسيلم” إن 100 من بين هؤلاء هم أطفال، ومعظهم لم يشكل تهديدا حقيقيا على الجنود المدججين بالسلاح، في واحد من أقوى الجيوش بالعالم.
أحد هؤلاء كان الطفل رامي الحلحولي (12 عاما) الذي قتله الجيش الإسرائيلي عندما كان يشعل ألعابا نارية احتفالا برمضان. ولم يسلّم الجيش جثته بعدُ لأهله، حيث زعم أن الطفل كان يصوب الألعاب نارية ضد جنوده، بدون أن يقدم أدلة. واحتفل وزير الأمن المتطرف إيتمار بن غفير بمقتل الطفل ووصفه بـ”الإرهابي” واعتبر الجندي الذي أطلق عليه الرصاص “بطلا”.
وتقول الكاتبة “إنك ربما تفكر أن الجندي الإسرائيلي محق في إطلاق النار على طفل وقتله لأنه كان يلعب بالألعاب النارية، وربما تحاول البحث عن مبرر لنفسك، لكن الحقيقة غير المريحة هي أن هناك حالات موثقة تظهر الجنود الإسرائيليين وهم يطلقون النار على الفلسطينيين بدون أي سبب”.
وقالت درور سادوت، المتحدثة باسم بيتسيلم: “حالات كهذه تحدث بشكل منتظم، لكن لا أحد يسمع بها” و”يقول الجيش إنه يفتح تحقيقا، ويستغرق سنوات، وربما بدون تغطية إعلامية، ويتم في النهاية رميه في المجاري”، فهناك مجموعة قليلة من الحالات التي يُتهم فيها الجنود باستخدام القوة المفرطة، ولا تتعدى نسبة 1% تنتهي بإدانة.
وتعلق المهداوي، أنك لن تعرف حقيقة ما يجري إلا إذا كنت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتكتشف كيف تعامل إسرائيل الفلسطينيين. والإفلات من العقاب ليس الشيء الوحيد الذي يقومون من خلاله بقتل وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وإهانتهم، بل هو جزء يومي من الحياة.
وتتذكر الكاتبة زيارة بيت والدها في قرية بالضفة الغربية، عندما كان عمرها ستة أعوام، حيث كانت تحمل ملابس إضافية معها خوفا من فرض القوات الإسرائيلية حظر التجول. ويومياتها من تلك الفترة حافلة بأكل البوظة إلى إطلاق الجيش النار على الشباب. وتقول: “حتى تكون جربتها بنفسك، فمن الصعب على الناس في الغرب فهم المدى الذي يتم فيه التحكم بحياة الفلسطينيين ومراقبتهم. ويقال لنا بشكل دائم إن الوضع معقد جدا لكي نحلله”.
وبحسب تا- نيشي كوتس، فإن “جعل الأمر كما يبدو وكأنك بحاجة إلى شهادة جامعية في الشرق الأوسط أو شهادة دكتوراة لكي تفهم ما يحدث هناك”، وذلك بعد زيارته إلى فلسطين العام الماضي، ويقول: “لكنني فهمت في اليوم الأول أنك في منطقة تُمنع فيها حركتك ويمنع عليك التصويت ولا تحرم من حقوقك في المياه ولا في السكن. وهذا كله ممنوع بناء على عرقك.. كان يجب أن يكون هذا واضحا لي بدرجة كبيرة”.
وقالت الكاتبة إن رواية تم تقديمها مع بداية الحرب على غزة، وهي أن الحرب هي عن حماس وهجمات 7 أكتوبر و”علينا ألا نفقد الرؤية من أن هذا ليس عن حماس التي لا تسيطر على الضفة الغربية. ولم يبدأ التاريخ في 7 أكتوبر، فما يحدث هو منذ وقت طويل جدا”.
فقبل 20 عاما، زارت ناشطة السلام الأمريكية راشيل كوري قطاع غزة للدفاع عن رفح وهدم القوات الإسرائيلية لها. وكتبت كوري في يومياتها: ” لم أصدق أن مكانا كهذا موجود” و”لم أكن جاهزة أبدا، لا من خلال قراءتي أو المشاركة في المؤتمرات، ولا مشاهدة الأفلام الوثائقية لواقع الوضع هنا، لا يمكنك تخيله حتى تراه.. أريد فقط الكتابة إلى أمي وأخبرها بأنني أشاهد هذه الإبادة الجماعية المزمنة والخبيثة وأشعر بالخوف وأشك في معتقدي الأساسي حول الخير في الطبيعة البشرية.. يجب أن يتوقف كل هذا، وأعتقد أنه لو تركنا كل شيء في أيدينا وكرسنا حياتنا لوقف كل هذا، سيكون فكرة جيدة”.
وبعد عدة أسابيع على كتابتها هذه الكلمات، ماتت كوري تحت جنازير جرافة أمريكية الصنع كان يقودها جندي إسرائيلي. ولم يحاسب أحد على مقتلها، مثلما لن يحاسب أحد على مقتل الطفل رامي.