2024-11-26 04:30 م

“طوفان الأقصى” والصهيوني المناوب!

بقلم: د. كمال ميرزا
زمان، ونحن أطفال، عندما كان البشر أقل والازدحام أخف والجار يعرف جاره، قبل أن تتوسّع الأسواق ويتوسّع البشر على هوامشها كمستهلكين مهمتهم فقط إدامة الاستهلاك والمزيد، أيام كانت صلاة المغرب تمثّل الحد الفاصل بين النهار والليل، أيام كانت الساعة 10 مساء وقتا متأخّرا للسهر أو التواجد خارج المنزل.. أيامها كانت الصحف اليومية تنشر كلّ يوم أسماء الأطباء والصيادلة المناوبين في كل مدينة وبلدة.
مهمة الطبيب والصيدلي المناوبين يوم مناوبتهما أن يكونا متاحَين لتقديم خدماتهما طوال الليل في حال طرأ عند أحد الأهالي طارئ أو ألمّ عارض.. وفي حال لم يلتزما بذلك فإنّ هذا قد يعرّضهما للمساءلة القانونية.
من “بركات” طوفان الأقصى أنّه كشف لنا بعض الأنظمة العربية التي تحمل على عاتقها لعب دور “الصهيوني المناوب” في المنطقة.. وهي تقوم بذلك”طواعية” وعن طيب خاطر وليس تحت طائلة القانون!
الفساد، وانعدام المروءة، والتخاذل، والتطبيع.. جميع هذه الأمور كانت معروفة عن هذه الأنظمة “الرجعية” حتى قبل “طوفان الأقصى”، لكن أحدا لم يكن يتصوّر أن تكون هذه الأنظمة بهذه “الصهيونية”!
الصهيونية في هذه الأنظمة قد اختلطت بالشحم واللحم وأصبحت تجري في عروقها مجرى الدم!
مشكلة هؤلاء “الصهاينة الجُدد” أنّهم أكثر إخلاصا وحرصا وتفانيا واندفاعا في سبيل صهيونيتهم من الصهاينة القدامى أو المعتّقين!
المثل الشعبي يصف مثل هذه الحالة بقوله: “هجين وقع بسلّة تين”، وهؤلاء هجناء وقعوا في سلّة صهيونية!
هم يزاودون على الكيان الصهيوني نفسه في صهيونيّتهم.. لذا تراهم الأشد استنفارا من أجل حمايته، ومدّه بأسباب الصمود والاستمرار والاستقرار، واجتراح الحلول والبدائل لانتشاله من مستنقع فشله وإخفاقاته وإنكشاف ظهره وسقوط قناعه!
وهم يبذلون لأجل ذلك كلّ ما يملكون من مال وإمكانات وفائض خسّة ونذالة.. وعلى استعداد لأن يبيعوا إخوانهم وشعوبهم والله والتاريخ لهذه الغاية!
ويا ليتها كانت دولا عظمى، أو حتى دولا تستوفي الحدّ الأدنى من مقومات الدولة الحقيقية.. هي مجرّد كيانات وظيفية أُقيمت على انقاض كيانات تاريخية سبق للمشروع الاستعماري الغربي أن مزّقها وفكّك أوصالها.. وأقام مكانها “جمهوريات بلح” أو “عجوة” على غرار “جمهوريات الموز” في أميركا اللاتينية.
والمقوّمات الوحيدة التي تتمتع بها هذه الكيانات الوظيفية هي ثروة طائلة حباها إيّاها الله تعالى دون أدنى جهد أو عناء أو فضل من طرفها، وانسحاق تام تجاه السيد الأبيض الغربي المتفوّق، وكره للذات ولنفسية الحافي العاري الكامنة في قرارة لاوعيهم مهما تطاولوا في البنيان!
والمشكلة أنّ هذه الكيانات مهما فعلتْ، ومهما بذلتْ، فإنّها لن تلقَ قبول وإقرار السيد الأبيض، ولن يتم الاعتراف بها كندّ ومكافئ، ولن تُقبل منها صهيونيّتها حتى لو تفوّقت بها على الشيطان نفسه، وستبقى نظرة الامتهان والازدراء والتبعيّة هي التي تحكم العلاقة بين الطرفين، وغالبا ما سيتم التخلص من رموز هذه الأنظمة المتصهينة متى ما أتمّوا مهمتهم القذرة الحالية، واستبدالهم بصهاينة طازجين أو (fresh) كلّهم اندفاع وحماس لتنفيذ المزيد من المهام القذرة المستقبلية.
المؤسف أنّ أحدا لا يتوقع من هذه الأنظمة تحرير فلسطين أو استعادة أمجاد الأمّة.. ولكن هلاّ وقفوا على الحياد وتركوا المقاومة وشرفاء الأمّة وأحرار العالم يقومون بمهمتهم بعيدا عن خيانة هؤلاء وطعناتهم في الظهر!
هؤلاء الصهاينة الجدد أو الصهاينة المناوبون تصدُق عليهم الآيات (165 – 172) من “سورة البقرة” بما أنّنا في رمضان شهر القرآن.
وقد غرّهم وعد الله لخليله إبراهيم عليه السلام (الذي يتدثّرون باسمه ويحرّفون ملّته حاليا) حين أسكن ذريّته في “وادٍ غير ذي زرع”، ويصرّون بغطرستهم واستكبارهم وإنكارهم “حدود ما أنزل الله” أن يكون مصيرهم كما حذّر الله في الآية (112) من “سورة النحل”: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان فكفرت بأنعُم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)!
وما بين “البقرة” و”النحل”، يتفانى هؤلاء “الخُشُب المسنّدة” من خلال قشور الحضارة التي يشترونها شراءً في أن يكونوا كـ “الحمار يحمل أسفارا”، والكلب الذي “إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث”، و”القردة والخنازير وعبد الطاغوت”!
هؤلاء الصهاينة المناوبون.. هم العدو فاحذروهم!
كاتب اردني