2024-11-27 11:49 م

الناخب العربي الأميركي بين السيء والأسوأ

بقلم: ابراهيم الزبيدي
بغض النظر عمّا سيحدث بين الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب الذي لم يهبَّ لنجدته في الانتخابات التي خسرها سوى أنصاره الأميركيين المولودين جمهوريين فقط لا غير، وبين الديمقراطي جو بايدن الذي احتشد وراءه في الانتخابات السابقة كل الناخبين الأميركيين الذين أرادوا أخذ ثأرهم من ترامب، وأخذوه، ومن خلفهم خصوم آخرون روس وصينيون ومكسيكيون وكنديون وفنزويليون وألمان وفرنسيون وإيرانيون، أنفقوا أموالا طائلة، وتفننوا في أساليب التشويش وتشويه السمعة مع حشد هائل من إذاعات وصحف وفضائيات أميركية وعالمية في حرب مثيرة وفريدة من نوعها تابعها العالم أجمع على شاشات التلفزيون بشغف وقلق وترقب.

واليوم، وبرغم عشرات المحاولات القضائية لكسر ترامب، أو على الأقل لعرقلة مسيرته نحو البيت الأبيض، فقد ظل واقفا صامدا، وظل لسانه الحاد لا يكف عن شتائمه وهجماته الساخنة على Sleepy Joe  (جو النائم) ومؤيديه ومناصريه.

والآن وقد راحت الاستطلاعات الأميركية الصادقة منها والمغشوشة تبشرنا بعودة ترامب إلى البيت الأبيض نعود لنجد نفس أعدائه وخصومه السابقين متجمهرين لمنعه من العودة بأي ثمن.

والجديد في طقوس الحملات الانتخابية الحالية بعد فوز دونالد ترامب بترشيح الحزب الجمهوري أن تغيّرات مهمة، أفقيا وعموديا، في مواقف الناخبين الأميركيين، وخصوصا العرب والمسلمين الأميركيين قد حدثت ولم يكن ذلك متوقعا.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن سكان ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وفي مقدمتهم شعوب الاتحاد الأوروبي، موجودون هنا في أميركا اليوم ومستنفَرون لدعم الرئيس الحالي جو بايدن، أو متمترسون مع دونالد ترامب، ولكل منهم حججه ومبرراته ودوافعه الخاصة.

ومن أهم ما يمكن استخلاصه من هذه الحرب الطاحنة أمورٌ تهم أميركا وحدها، وأمورٌ ثانية أخرى تهم البشرية، وثالثة تخصنا نحن العرب أولا، ورابعة تخصنا نحن العراقيين، بشكل خاص.

أولا، لقد أثبت المواطن الأميركي أنه مُعبأ، سلفا، وثابت الولاء لحزبه المفضل، غير عابئ بأية قيم ومبادئ ومصالح وطنية، وبعيد عن العقلانية والاعتدال.

ورغم تغني المعسكرين بالديمقراطية فإن ذلك لم يمنع الديمقراطيين من استغلال السلطة والقانون لهدم عدوهم ترامب. كما أن الجمهوريين لم يختلفوا عن خصومهم الديمقراطيين في استغلال القانون في محاولة لعزل الرئيس بايدن ومحاكمة ابنه هانتر.

يردد بايدن دائما أن ترامب “ألحق ضررا بسمعة أميركا ومكانتها في العالم، وأنه واثق بكل صراحة بقدرته على قيادة العالم”.

ويكرر ترامب قول الشيء نفسه، فيسخر من (النائم) جو بايدن وقول إنه “ألحق ضررا كبيرا بسمعة أميركا ومكانتها في العالم، وأنا واثق بكل صراحة بقدرتي على إعادة أميركا عظيمة من جديد”.

ثم أعلن أخيرا بعد فوزه بترشيح الحزب الجمهوري “أن جو بايدن المحتال يستخدم نظام الظلم (وزارة العدل) لملاحقة خصمه السياسي”. مضيفاً “سوف نستعيد بلدنا الذي كان عظيماً، ونضع أميركا أولاً، ونجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، أعظم من أي وقت مضى. سيكون الخامس من نوفمبر بمثابة أهم يوم في تاريخ بلدنا”.

ولكن، وبرغم كل أخطاء ترامب ومزاجيته في إدارة الدولة في فترة رئاسته السابقة، فقد وجد سبعين مليونا من الناخبين يقفون معه وقت الشدة، رغم خسارته أمام بايدن الذي حصل على اثنين وسبعين مليونا من الناخبين الذين ناصبوه العداء وقاتلوا من أجل الخلاص منه، دون أن يشفع له أنه أنجز أغلب وعوده التي انتخب على أساسها في 2016.

فقد استمطر الدنيا دولاراتٍ بالمليارات على الخزينة الأميركية، وأنعش الاقتصاد، بعد ركود سنين طويلة، وحقق أرقاما قياسية في خفض التضخم ومستوى البطالة.

ولم يسعفه اكتشافه لأصل الإرهاب الدولي، وقرارُه الحازم باجتثاثه من جذوره، بالعقوبات والحصار المالي والعسكري والاقتصادي، كما فعل مع إيران وداعش وبن لادن وقاسم سليماني.

ثم إنه فعل لليهود ولإسرائيل ما لم يفعله رئيس أميركي من قبله. فقد نقل سفارة أميركا إلى القدس واعترف بها عاصمة أبدية لإسرائيل، ومنحها الجولان، ومارس، بكل ما في قدرة أميركا السياسية والعسكرية والاقتصادية، أقصى ما يمكن من الضغوط على العرب لقبول الكيان الإسرائيلي، بكل عنجهيته وظلمه وتعدياته، أخا وشقيقا في المنطقة، مُغضبا بذلك نصف الدنيا، ومُبقياً على نار الغضب العربي تحت رمادها في انتظار الفرصة السانحة للمزيد من الحروب والخراب والدمار وسفك الدماء، أملا منه في أن يكافئه يهود أميركا على كل تلك الهبات والخدمات فيمنحوه أصواتهم، ولكن إحصاءاتٍ رسمية تؤكد أن ما نسبته 85 في المئة من اليهود الأميركيين صوتوا لمنافسه الديمقراطي.

ويتكهن محللون سياسيون كثيرون بأن يكون الغدر اليهودي السابق دافعا لتقليل حماسه لإسرائيل لو عاد إلى الرئاسة، وقد يفعلها ويفرض قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، ولكن دون إيران وحماس وكتائب القسام. خصوصا وأنه لن يكون طامعا في إعادة انتخابه دورةً ثالثة بحكم القانون الأميركي.

المهم هنا أن عرب أميركا وجدوا أنفسهم في ورطة. فقد انقلب قسم كبير منهم على المعسكر الديمقراطي وصار يتقبل فكرة عودة ترامب، هذه المرة، ولو على مضض، وبرغم علاته وهمشريته ومزاجه المتقلب. ويتندر قادة كثيرون منهم بأن لا خيار لهم بين سيء وأسوأ.

عموما ما يمكن قوله إن النسبة الأكبر من المسيحيين العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين والمصريين مع ترامب، هذه المرة. وأغلب دوافعهم نفعية مالية وضريبية وخدمية، وأقلها سياسية.

والذي يقال عن الفلسطينيين في أميركا، مسيحيين ومسلمين، مؤيدين لحماس أو للسلطة الفلسطينية في رام الله، هو أنهم ناقمون على بايدن، جملة وتفصيلا، وبعضهم سيمنح صوته لترامب، وقد يمتنع بعضهم عن الاقتراع.

أما عرب ديربورن، عاصمة الجاليتين اللبنانية والعراقية المسلمتين الشيعيتين، فمنهم من قلب تأييده لبايدن إلى كراهية فقط بسبب دعمه لمجازر نتنياهو في غزة، وتضامنا مع أشقائهم الفلسطينيين، عروبيا وإنسانيا، وليس لأي سبب غيره.

أما البعض الآخر فناقم على بايدن توافقا مع إيران الغاضبة على دوره في غزة، وتحديدا على تأييده استئصالَ حركة حماس وطردها من غزة، وملاحقة قادتها بقصد الاغتيال، ثم على سكوته عن هجمات نتنياهو الدموية على حزب الله في لبنان، وعلى ميليشياته في سوريا، ثم الحملات الانتقامية التي يشنها بالتحالف مع بريطانيا على الحوثيين في اليمن، وتهديداته وعمليات الاغتيال التي قام بها في العراق وتشدده غير المنتظر من حكومة إيران.

بعبارة أوضح. إنهم يكرهون جو بايدن ولن يمنحوه أصواتهم، إلا أنهم، على الجهة الأخرى، لا يحبون ترامب ولا يطيقون عودته إلى الرئاسة. فهم لم ينسوا ولن ينسوا ما فعله بإيران من حصارات مالية ونفطية وعسكرية ختمها بعملية اغتيال القائد الإيراني الكبير المهم قاسم سليماني ويتوعدون بالثأر منه ذات يوم.

وفي انتظار ما ستسفر عنه المعارك القضائية بين الحزبين، لا بد من التذكير بمخاوف الجمهوريين من تلاعب وتزوير في بطاقات الاقتراع بالبريد كما حدث في الانتخابات السابقة.

ويبدو أن حظوظ دونالد ترامب في الانتصار على جو بايدن في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم هي المرتفعة إلى حد الآن، إلا إذا حدث ما ليس في الحسبان.

المصدر: جريدة العرب