2024-11-26 04:33 م

مؤامرة الرصيف البحري الأمريكي..

بقلم: فاطمة الجبوري

في التطورات الأخيرة التي يمكن أن تعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، فإن القرار الذي اتخذه جيش الولايات المتحدة بإرسال سفن إلى قطاع سواحل غزة، يسلط الضوء على شبكة معقدة من المؤامرات التي يتعرض لها أهلنا في القطاع. وتسلط هذه الخطوة، التي تهدف ظاهريًا إلى إنشاء رصيف بحري “مؤقت” لتوصيل المساعدات الإنسانية، الضوء على الوضع الإنساني الكارثي في غزة، حيث يواجه السكان المحليون قيودًا شديدة يفرضها الحصار الإسرائيلي. وقد أدى الحصار، المشدد بشكل خاص على المعابر البرية الرئيسية مثل رفح على الحدود مع مصر، إلى شل توصيل الإمدادات الأساسية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية داخل القطاع.
أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (Centcom) أنه في 12 مارس 2024، انطلقت سفن من لواء النقل السابع، قيادة الدعم الاستكشافي الثالث، الفيلق الثامن عشر المحمول جوا، من قاعدة لانغلي-يوستيس المشتركة، فيرجينيا، متجهة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. والهدف بسحب القيادة الوسطى هو: إقامة رصيف بحري لتسهيل عبور المساعدات الإنسانية إلى غزة.

وعلى الرغم من إضفاء الولايات المتحدة الطابع الإنساني على هذه المهمة إلا أن هناك العديد من الأسئلة الاستقصائية حول التداعيات الأوسع والدوافع الأساسية التي تشوب هذه العملية. فالولايات المتحدة، الحليف التاريخي لإسرائيل، والتي تقدم مساعدات ودعماً عسكرياً كبيراً، تجد نفسها الآن في موقف متناقض. إن المسعى لتقديم المساعدات الإنسانية عبر رصيف بحري لا يعالج السبب الجذري للحصار ولا حرب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. ويرى المنتقدون أن هذا النهج، بدلاً من فرض الضغوط الدبلوماسية على إسرائيل لحملها على رفع الحصار أو التفاوض على وقف إطلاق النار، لا يؤدي إلا إلى الالتفاف حول القضايا الأعمق المطروحة.
علاوة على ذلك، فإن اختيار طريق بحري مع وجود معابر برية مباشرة مثل معبر رفح يثير الشكوك. ويطرح السؤال حول ما إذا كانت هناك دوافع خفية وراء هذه المهمة الإنسانية ظاهريا. حيث يبدو بأن النية الحقيقية وراء توجيهات الرئيس بايدن لبناء ميناء على ساحل غزة تنحرف بعيدًا عن جهود الإغاثة الفورية وتحذو نحو تحقيق المصالح الاستراتيجية طويلة المدى لكل من إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء. ويمكن القول بأن هذه الخطوة هي جزء من مخطط أكبر لتأمين أهداف إسرائيل في المنطقة، بما في ذلك استغلال حقول الغاز البحرية في غزة التي تم اكتشافها في عام 2000، والمزيد من الطموحات الإقليمية التي ظلت لفترة طويلة مصدرًا للتوتر والصراع. وتشير هذه الحقائق إلى أن إسرائيل ترغب في احتلال غزة للسيطرة بشكل مباشر على هذه الحقول وضمها إليها تحت رعاية أمريكية.
إن إنشاء رصيف بحري أمريكي لتقديم المساعدات لقطاع غزة، وسط رفض إسرائيل والولايات المتحدة فتح معبر رفح، يمكن اعتباره مناورة جيوسياسية كبيرة من شأنها أن تقوض دور مصر ونفوذها في المنطقة ككل. حيث لعبت مصر تقليديًا دورًا حاسمًا في الوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث عملت كوسيط في المفاوضات واتفاقات وقف إطلاق النار. فمن خلال الالتفاف على معبر رفح، وهو الممر البري الوحيد إلى غزة من مصر، تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل فعلياً على تهميش قدرة مصر على العمل كوسيط رئيسي في الصراع. وهذا لا يقلل من نفوذ مصر على عملية السلام فحسب، بل يقوض أيضًا مكانتها كلاعب رئيسي في الإقليم ككل.
كما يمكن تفسير رفض استخدام معبر رفح لإيصال المساعدات الإنسانية على أنه تجاهل لسيادة مصر ومخاوفها الأمنية. إن إنشاء طريق بديل لتوصيل المساعدات يتجاوز السيطرة المصرية ويمكن أن يُنظر إليه على أنه تحدي لسلطتها وجهودها للحفاظ على أمنها القومي إذ أن إسرائيل والولايات المتحدة ستوفران الغطاء السياسي الكاذب عبر هذه المساعدات الوهمية لشن عملية برية في رفح وهذا ما سيؤثر بشكل مباشر على الأمن والسيادة الوطنية المصرية.
إن التحرك لإنشاء رصيف بحري أمريكي يحمل أيضًا آثارًا استراتيجية أوسع. ويمكن النظر إليه على أنه جزء من استراتيجية أكبر من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لتأكيد السيطرة على طرق المساعدات، وبالتالي، على المشهد الجيوسياسي للمنطقة. وقد تهدف هذه الاستراتيجية إلى الحد من استقلال مصر الاستراتيجي من خلال الحد من نفوذها على غزة والحد من قدرتها على العمل كحارس بوابة للمساعدات والبضائع التي تدخل القطاع.
وتحوم الشكوك كذلك حول طبيعة هذا الرصيف البحري الأمريكي لقربه من قبرص واليونان حيث من الممكن استخدامه في تعزيز الإمداد اللوجستي الأمريكي والبريطاني بالأسلحة والاستخبارات لإسرائيل أو من خلال زيادة الارتباط بين إسرائيل والجماعات الإرهابية لزعزعة استقرار الشرق الأوسط. حيث قامت طائرات إسرائيل بعدة رحلات من الأراضي المحتلة إلى ألبانيا وقبرص واليونان بهدف تنظيم وزيارة مراكز إمداد الأسلحة والذخيرة البريطانية والأمريكية في قبرص واليونان وإيصالها إلى إسرائيل، وكذلك للقاء قادة منظمة مجاهدي خلق المصنفة إرهابية والتي ترتكب أعمالا إرهابية وغير قانونية في أوربا والشرق الأوسط.
ومن الجدير بالذكر أن البرلمان الأوروبي أشار في العام الماضي إلى الأنشطة التخريبية لهذه المجموعة في قرارين له. ففي قسم BP من مقدمة قرار 1 يونيو 2023 تحت عنوان “التدخل الأجنبي في العمليات الديمقراطية للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك نشر معلومات كاذبة”، وفي إشارة إلى محتويات منشور EL-Pais، قامت هذه المجموعة الإرهابية بتمويل الحركات السياسية اليمينية المتطرفة فی أوربا. وفي الفقرة “u” من القرار الصادر في 13 يوليو 2023 تحت عنوان “توصيات لتعديل لوائح الشفافية والنزاهة والمساءلة ومكافحة الفساد للبرلمان الأوروبي” ونقلا عن تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، تم اتهام هذه المجموعة بقتل وتعذيب الجالية الإيرانية وخداع أعضاء البرلمانات الأوربية عبر استخدام وثائق مزورة.
في الختام يجب القول بأنّه من السذاجة بمكان تصديق مبادرة الولايات المتحدة في بناء رصيف بحري لنقل المساعدات إلى غزة هذه الدولة التي تساعد إسرائيل على ارتكاب عمليات إبادة جماعية وهي نفسها من استخدم الفيتو لتقويض الجهود الدولية للدعوة إلى وقف إطلاق نار في غزة. إن الأهداف تتخطى كل ذلك إلى محولتهم أولا السيطرة على آبار الغاز التي تنتمي إلى قطاع غزة ومن ثم تحويل هذه المنصة للإمداد العسكري واللوجستي لإسرائيل ودعم الجماعات الإرهابية ومن ثم تقويض دور مصر بشكل كامل وتهيئة الظروف لغزو رفح والتسبب بكارثة إنسانية لم يشهدها العالم من قبل تحت غطاء أمريكي وإسرائيلي.
كاتبة وباحثة عراقية
@fatimaaljubour