2024-11-26 08:25 م

أيّ "إسرائيل" دون أميركا؟

بقلم: نبيه البرجي
لن ننتظر من أولئك الذئاب أن يسألوا "أي "اسرائيل" من دون أميركا"؟ ولا نتوقع انفجار العلاقات بين واشنطن و"تل أبيب"، ولكن ماذا حين تقول أجهزة الاستخبارات الأميركية ان سياسات بنيامين نتنياهو تعرض المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة للخطر؟

العمى السياسي بلغ لدى أحد نواب حزب "الصهيونية الدينية" حد المقارنة بين الانزال الأميركي في النورماندي، كمدخل للتحكم بالمسارات الاستراتيجية للقارة العجوز،وانشاء رصيف عائم للمساعدات عند شاطئ غزة، بالرغم من أن الرصيف يقدم خدمات لوجيستية وسياسية لـ "اسرائيل"، التي ظهر ارتباكها أمام الضغوط الدولية لرفضها التعامل مع تلك الكارثة الانسانية، وحيث يعيش أكثر من مليون فلسطيني في العراء وعلى حافة الجوع.

حتماً الذئاب المجنونة حين ترى في سقوط نتنياهو ليس فقط سقوط الدولة، بل وسقوط "يهوه"، مع دعوة اليهود الى القتال ضد أميركا حتى في شوارع نيويورك.

لا أحد يعترف بأنه لولا الامدادات العسكرية الأميركية، لوقع عشرات آلاف الضباط والجنود "الاسرائيليين" في قبضة الفلسطينيين، وبعدما كادت مستودعات الذخيرة تفرغ من الأيام الأولى للعملية العسكرية، في دولة اعتادت على الحروب الصاعقة.

ما يستشف من مقالات صحافية، ونقلاً عن مصادر أطلسية،أن التقرير السنوي لـ "المجمع الاستخباراتي" والذي اثار الضجيج في الدولة العبرية، لا يعد شيئا أمام تقرير لاستخبارات البنتاغون قدم صورة بالغة السوداوية لوضع المؤسسة العسكرية "الاسرائيلية" (هشاشة سيكولوجية وعملانية، تخلخل في الخطط،خلافات في وجهات النظر حتى في الميدان...)،ما مؤداه أن المؤسسة تعاني من ارتجاجات بنيوية حادة، ما ينعكس بصورة دراماتيكية على دولة هي نتاج تلك المؤسسة.

المشكلة ليست فقط في "البعد الهتلري" في شخصية بنيامين نتياهو، وقد ربط مصير الدولة، كلاعب محترف، على حافة الهاوية بمصيره الشخصي، لينعكس ذلك على شكل اختلالات هيكلية في سائر مفاصل الدولة، وانما في الجنوح الهيستيري (كظاهرة فرويدية مروعة) نحو اليمين الايديولوجي، و"حيث المراقصة السيزيفية للدم"، بحسب الفيلسوف اليهودي الأميركي نورمان فنكلشتاين.

الأميركيون كانوا يتوقعون "جنوحاً" في اتجاه آخر، وذلك اثر التحاق عدد من البلدان العربية بدومينو التطبيع، ليتراجع المفهوم الكلاسيكي للصراع العربي ـ "الاسرائيلي". لا النظرة الى العرب تغيرت، ولا النظرة الى المشكلة الفلسطينية تغيرت، حتى أن القادة السياسيين والعسكريين راحوا يستعيدون عبارات توراتية، تحث على الذهاب في ثقافة الاجتثاث الى حدودها القصوى.

هذا ما صدم العشرات من الخبراء والمستشارين، ان في البيت الأبيض أو في وزارة الخارجية مَن يقرأ ما في رأس وليم بيرنز، الآتي من الديبلوماسية (33 عاماً)، ومن رئاسة معهد كارنيغي للسلام، الى ادارة وكالة الاستخبارات المركزية، يعلم أن الرجل يلقي بمسؤولية "الجنون الاسرائيلي" على دونالد ترامب، الذي قامت سياسته على التغريدات (تغريدات الغراب بحسب بيرنز)، ليبدو وكأنه يسلم مفاتيح البيت الأبيض الى نتنياهو، لتدار الأمبراطورية من "تل أبيب" لا من واشنطن.

وحين نقول إن رؤساء الولايات المتحدة مثل رؤساء وزراء "اسرائيل"، يستنسخون سياسياً بعضهم بعضا، يقول لنا سفير عربي قضى سنوات في واشنطن، أن تحولاً ما حدث في رؤية جو بايدن للشرق الأوسط. هذا التحول ليس فقط نتاج التقييم الشخصي، بل هو نتاج آراء مجلس الأمن القومي بكل مكوناته، وكذلك أجهزة الاستخبارات التي طالما حذرت من حدة التفاعلات الايديولوجية في "اسرائيل".

السفير يرى أن بايدن لم يعد يحمل نتنياهو على ظهره، وهو يراهن على أن يجره وراءه، ليلفته في تقرير أجهزة الاستخبارات، أنها وللمرة الأولى تخلع السرية عن تطرقه لشخصية سياسية حليفة حين ترى أن مصير نتنياهو على المحك، أي في خطر، لكأنها بدورها وتأثيرها تقول له "اذهب الى حضن زوجتك"، وهو ذاهب لامحالة الى الزنزانة.

تذكروا بشاعة دونالد ترامب. وما دمتم تقولون أن السماء تستجيب للأدعية الرمضانية، من فضلكم الدعاء لبايدن للبقاء في البيت الأبيض. اذا لم يبق،عليكم أن تبحثوا عن موضع الخلل في علاقتكم مع... الله !!