2024-11-26 04:28 م

العالم العربي يشهد لحظة سُقوطه.. 

بقلم: المهندس سليم البطاينة
هناك جملة شهيرة طرحها الروائي الفلسطيني غسان كنفاني (1936-1972) في روايته (عائد الى حيفا) قال فيها: ما هو الوطن؟ وما الذي يربطك فيه، ويجعلك تشعُر أنه مُلكاً لك، ويمنحك الشعور بالهوية والانتماء؟
بالتأكيد العرب جميعاً يحتاجون الى تفسير واضح: ما هو الوطن؟ ولماذا تم تجريدنا من وعيِنا وعقولنا وحاضرنا وتاريخنا؟
الواضح أننا كعرب لم نعد نملك رفاهية مواجهة واقعنا المؤلم! والحقيقة القاسية أياً كانت ترجمتها فإنها تُحيل إلى ما لا يسر من معانٍ تتفق في ما هو قاسٍ وجارح بسبب عجز النظام العربي والتوترات الجيوسياسية وحالة انعدام اليقين، التي زاحمت حالة التفاؤل والطموح، خصوصاً ونحن نعيش زمن الخنوع والابادة الجماعية والسلام والتطبيع!
ما يحدث للشعوب العربية مؤلم لا يحتاج الى تدقيق أو إدامة نظر، أو سبر أغوار حتى تكتشف الانهيار والظلم والقهر والفساد والاستبداد الحاصل لهم حالياً! فكرة الثلج ما زالت تتدحرج مستقطبة الكثير من المصائب، متجهة الى مركز الازمة ومقتربة من مرحلة التصعيد، وأصبح مفهوم الوطن بالنسبة للعرب أشبه بمفهوم السجن أو المنفى، تبحث فيه الناس عن شيئاً أكثر دفئاً من بلادهم.
أن الاجيال العربية السابقة ظنت أن دحر الاستعمار وإخراجه من أوطانها سينقلها الى رحاب التنمية والحرية والعدالة! لكن حصل ما لم يكن متوقعاً وازدادت فيها حالة عدم الاستقرار نتيجة القمع والاستبداد، وكبت الحريات! وأستُبيح العالم العربي من قبل دكتاتوريات احترفت الاجحاف بشعوبها وبلادها … مجردة من كل انتماء للزمان والمكان! لا يثقون في أحد، ولا يخلصون لغير أنفسهم،،،،، اختلفت أولوياتهم وفقدوا صلتهم مع شعوبهم، وتحولت على أثرها البلاد الى دول شمولية محتكرة للسلطة والثروة، قائمة على ثنائية الفساد والاستبداد.
ولضبط ايقاع السيطرة قامت تلك الدكتاتوريات بربط العقل الامني كعنصر هيمنة بالعقل السياسي، بوصفه القوة التي تملك ادوات السيطرة.
أعرف حقاً أن كلمة (الاستعمار) كلمة بغيضة وكريهة في معناها السياسي الواسع، وهي عدو رئيسي للشعوب التي تُبتَلى فيه.
لكن الحاصل حالياً ان غالبية الشعوب العربية من محيط القهر وحتى خليج الذل كسرت حاجز التابو وبدأت تتحدث بصوت منخفض واحياناً عالٍ، أنه لا يصلح حالنا سوى عودة الاستعمار والوصاية والانتداب!! ولا أُبالغ ان قلت أنه لو تم أجراء استفتاء في غالبية الدول العربية غير المستقرة لصوت الناس فيها الى عودة الاستعمار كتعبير عن توتر وضيق بالأوضاع الكارثية التي يعيشونها.
هذا الأفق المسدود أمام الشعوب العربية هو الذي يجعل التمني بعودة الاستعمار الى بلادهم! وهذا ما شاهدناه قبل سنتين تقريباً عندما قدم عشرات الالاف من اللبنانيين مذكرة الى الرئيس الفرنسي ماكرون، طالبوه فيها أن يضع لبنان تحت الوصاية لمدة عشر سنوات! وهذا الطلب ليس حباً بالتأكيد في فرنسا بقدر ما هو خوفاً من المجهول القادم.
الشعوب العربية مقموعة ومسلوخة ومُبعدة عن دورها، ولم يبقى شيئٌ في الدول العربية لم يرتهن لقرارات وارادات الخارج، فـ مظاهر التبعية حولت الدول العربية الى مجرد دويلات مُنفدة لبرامج وخطط يسطّرها الاخرون !
فما عادت العراق عراقً! وفلسطين تستغيث فلا تُنجَد! فـ الكُل تنكر لها! ولبنان تعيش نفس المأساة بفصولها الاربع! وسوريا تبحث عن من ينقذها من الغرق، وتحولت معها ليبيا واليمن إلى فسيفساء تنتظر مقصّ المتربصين بالجغرافيا العربية، وما يحدث في السودان متوقع، فحين تكون الجيوش مالكة شعوبها ولا تكون الشعوب مالكة جيوشها، وحين يملك فائض القوة عسكريون لا يملكون سوى السلاح، هنا يبدأ خراب البيوت والاوطان.
دعونا نضحك، ان الدعوات بعودة الاستعمار والوصاية والانتداب لن تجد لها أذاناً صاغية بين الدول الاستعمارية حتى ولو جرى استجدائها، لأنه لن يكون بوسعها تحمل أعباء دول فاشلة نُهبت مواردها وباتت من غير مستقبل! ودوران الارض حول نفسها هو وحده الذي ينقلها من الليل الى النهار.
المؤسف أن غالبية القادة العرب هم صُنّاع المأساة! وهم الذين أوصلوا شعوبهم الى هذا السقوط المدوي! فقد ذُلّت الاوطان في عهودهم! ولهذا كفرت الشعوب بهم.
كاتب أردني

المصدر: رأي اليوم