2024-11-27 05:34 م

غزة ما بين حقيقة المجاعة وخديعة الشاطئ الأزرق

بقلم: سماح خليفة
وسط القتل والدّمار والإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال في قطاع غزة، يستمر هذا الكيان بمنعه وعرقلته لوصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، خاصة مناطق الشمال، بل ويتعمد استهداف المدنيين خلال انتظارهم وصول هذه المساعدات، ما أسفر فضلا عن استشهاد وإصابة المئات منهم، عن تزايد خطر المجاعة المحدقة بالفلسطينيين يوما بعد يوم، حيث ارتفع عدد ضحايا سوء التغذية في قطاع غزة حتى الحادي من آذار إلى 27 شهيدًا، إثر الحصار والعدوان الإسرائيلي على القطاع منذ أكثر من 157 يومًا.
وسط هذه السياسة الممنهجة من قبل العدو الإسرائيلي في قتل أهالي القطاع جراء الموت الذي تعددت وسائله ما بين جوع، وقصف جوي، وقتل بري، وتعذيب نفسي وجسدي ومنع وصول المساعدات، يطل علينا بايدن بفكرة الميناء البحري بحجة نقل مساعدات للغزيين، ميناء بحري أمريكي تحت رقابة إسرائيلية دائمة، هي معادلة مختلّة! العدو الذي يقتل المدنيين على أرض الواقع، بدعم أمريكي وحاضنة عسكرية منظمة، ويمنع دخول شاحنات الإغاثة ويصادرها، هو في الوقت ذاته يوافق على إنشاء ميناء بحري لدخول المساعدات، يشار إليه داخليًّا بـ “خطة الشاطئ الأزرق” التي يتولى زمام المبادرة التشغيلية فيها منظمة Fogbow، والتي يديرها مسؤولون سابقون في الجيش والاستخبارات الأمريكية، حيث تهدف كما هو معلن ظاهريًّا إلى نقل 200 شاحنة يوميًّا، مع تزامن تهديد الجانب الآخر من الجسر البري!
لا يستطيع أي شخص مراقب للوضع في غزة إلا أن يسميها “خديعة الشاطئ الأزرق”، فهل يمكن للجلاد أن يكون مناصرًا لضحيته في الوقت ذاته؟!
وعلى فرض حسن النوايا قبل أن نحلل المغزى الحقيقي من تلك الخطة، يستغرق هذا الميناء بين شهر إلى شهرين من البناء والتشغيل بكامل طاقته، يشارك في بنائه أكثر من ألف جندي أمريكي، وستخضع جميع البضائع للتفتيش من قبل القوات الإسرائيلية، وفي هذه الفترة الزمنية تكون المجاعة قد أودت بحياة الكثيرين وخاصة الأطفال، بينما بإمكانهم توفير الوقت والسماح بدخول المساعدات عبر المعابر الطبيعية والاعتيادية، وإذا أردنا ان نقف عند بعض الآراء التي تقول بخطورة وجود المتطرفين الذين يمنعون وصول المساعدات، فإن هؤلاء لا يستطيعون الوقوف أمام جيش كبير ودول عظمى.
هذه الخطوة في ظاهرها بعدًا إنسانيًّا وأما باطنها قد ينطوي على أكثر من احتمال:
قد يكون تشجيع هجرة الغزيّين إلى أوروبا طوعًا، لاستكمال مشروع الدولة اليهودية الكبرى، إضافة إلى إلغاء دور معبر رفح البري على الحدود مع مصر، واستبدال القوى المسيطرة حدوديّا، وقد يكون بديلًا عن ميناء حيفا إذا ما تعرض لأهداف من حزب الله، أو لإدخال قوات برية للقضاء نهائيًا على المقاومة وسيطرتها، وتمكين نواة لسلطة جديدة في قطاع غزة، وقد تظل كقاعدة أمريكية متقدمة على غرار القواعد الأمريكية في مناطق الجوار للسيطرة على الموار الطبيعية، كما هو الحال في العراق على سبيل المثال.
وعلى افتراض تمكن إسرائيل وحليفتها أمريكا من تحقيق مآربها غير المعلنة في قطاع غزة، وتمكين سلطة جديدة بعد قضائها على حماس، سواء أكانت تلك من حمائل غزية أو غيرها، فإن السؤال الذي لا بدّ أن يطرح نفسه؟ هل سيكرر سيناريو فساد السلطة الداخلي في غزة كما يحدث في الضفة؟ وهل سيتم إخضاع المواطن تحت سياسة “سدّ الرمق” لإشغالهم عن حقوقهم وطموحاتهم كأي مواطن عادي، في حين يتمتع أبناء المسؤولين بامتيازات خارجة عن المعقول على حساب الشعب الكادح؟
ويبقى الشعب الفلسطيني والغزيّ تحديدًا بين فكيّ كماشة، سلطة داخلية فاسدة، وسلطة محتل إجرامية.