2024-11-26 08:45 م

ليس نساء غزة وحدهن

بقلم: موفق محادين
تتزامن الذكرى السنوية ليوم المرأة العالمي مع سقوط سردية أخرى من سرديات حقوق الإنسان المزعومة والخطاب الليبرالي عموما، والذي طالما وفر أخطر الأقنعة للتدخل الرأسمالي الغربي في شؤون الشرق والجنوب على حد سواء.

فها هي السردية الخاصة بالنساء وحقوقهن تسقط في امتحان الدم الكبير والجرائم الصهيونية المروعة بحق النساء والأطفال والمدنيين، حتى أننا لم نسمع مقاربة أو مراجعة واحدة في المتروبولات الرأسمالية وكتّابها ومئات مراكز الدراسات فيها تربط بين اليوم العالمي للمرأة والأيام الداميات للنساء الفلسطينيات، وما سبق ذلك من تاريخ أسود طويل من اعتقال النساء واغتصابهن في السجون الصهيونية التي استقبلت الآلاف من هذه النسوة بين جدرانها وسقوط العشرات منهن تحت التعذيب أو بالرصاص.

وفي الحقيقة فإن المركزية الثقافية الأوروبية – الأمريكية العنصرية لم تقتصر على الشرق والجنوب بل طالت النساء في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية نفسها، على خطى أسلافها الإغريق الذين كانوا يضعون النساء والأجانب والعمال في مرتبة دون الذكور البيض، ولم تفلح الرأسمالية في أفضل حالاتها البرجوازية، عبر سيداو، سوى تغريب المرأة عن نفسها وتحويلها إلى ذكر برجوازي كما لاحظ داكو. 

فلاسفة الغرب والمرأة:
لموقف الغرب وفلاسفته من المرأة جذور بعيدة ظلت متواصلة من الفلاسفة الإغريق الكبار إلى فلاسفة الرأسمالية الكبار ومن ذلك:

- المرأة عند يوريبيديس وفيثاغورس هي الشر والخوف والظلمات.

- يرى أرسطو أن الأنثى، أنثى بسبب ما تفتقر إليه من خصائص وهي ذكر ممسوخ، مادة بلا روح، كما يرى أن المرأة من الرجل كالعبد من السيد وكالبربري من اليوناني وكالعمل اليدوي من العمل الذهني.

- ويرى الفيلسوف والمصلح الديني توماس الأكويني أن المرأة ذكر ناقص.

- وعند فلاسفة القرن التاسع عشر:

- هيغل (المرأة ينقصها المثل الأعلى، وينبغي ألا تحكم لأنها تعمل تبعاً للأهواء والآراء العارضة).

- برودون (المرأة لم تتكون بذاتها فلا تحسن التعميم والتركيب...).

- فرويد (النسوية دونية بطبعها بسبب الحسد المعروف...الذي يجري استبداله بالذكاء كطاقة جنسية مصعدة وحيث يصبح الدماغ زائدة فطرية لذلك الحسد).

شوبنهاور: في الصراع بين الإرادة – الغريزة وبين العقل – الفكرة، تنتمي المرأة إلى الجانب الأول ولذلك يدعو لعدم مساواتها بالرجل ومنحها حق الإرث.

نيتشه: في الصراع بين ديونيزوس وبين أبولو – بين الإرادة – الغريزة وبين التأمل العقلي تنتمي المرأة إلى الجانب الأول ويدعو لعدم مساواتها مع الرجل ويضعها مع ايديولوجيات الضعفاء ويقول إنها تصلح للترفيه.ب. واقع المرأة في الغرب:

في كتاب المرأة التي توصف بأنها أفضل كاتبة أمريكية في الشؤون النسائية، وهي نعومي وولف في كتابها الذائع الصيت "القوة الجديدة: النساء"، تبدأ وولف كتابها بالوضع المزري للمرأة في الولايات المتحدة وتعرض للقارئ السجل المخزي للإهانات وعمليات الاغتصاب والمضايقات الجنسية، وتقترح حادثة معينة لتكون عنواناً لهذه الانتهاكات وهي حادثة اغتصاب أنيتا هيل، وترى أن تاريخ الغرب كما تاريخ الشرق يكتب بلغة ذكورية وأن المرأة في الولايات المتحدة ليست سوى ظلاً باهتاً للرجل، حتى أن تاريخ الطب مثلاً هو سجل لرجال يرتدون ملابسهم يفحصون نساء عاريات وكذلك في السينما وقاعات الفنانين السرية لموديلات الجسد.

وتعتقد وولف أن هذا الاحتقان النسائي الذي تصاعد فجأة هو الذي حمل كلينتون إلى رئاسة البيت الأبيض ولكنه للأسف، كما تقول، لم يحمل امرأة...

وتتوقع وولف بل تطالب بما تسميه "تأجيج النار" في المواقد النسائية من أجل إنجاز الثورة التي لم ينجزها البشر حتى الآن، وهي الثورة النسائية.

ومما يعزز رؤية وولف أو كشفها النقاب عن الوضع الحقيقي للنساء في الولايات المتحدة حجم السخرية التي جوبه بها الكتاب من المعلقين الذكور ولا سيما ملاحظاتهم الجنسية وملاحظات أخرى من قبيل: هل يستطيع الرجال إرضاع الأطفال؟

وفي تقرير البروفيسور آلان فوكس، أستاذ القانون الجنائي بجامعة "نورث ايسترن" حول العنف ضد النساء الأميركيات وجرائم القتل المروعة التي ارتكبها الأزواج هناك والتي استقرت بعد حملة مكلفة عند 1200 جريمة قتل عام 1999 مقابل 500 جريمة ارتكبتها الزوجات.

والرقم الإجمالي على أية حال (1700 جريمة) رقم مطمئن، كما ترون، قياساً بما سبق ونشرته الشرطة البريطانية حول الجرائم المماثلة في المجتمع البريطاني (غير الآسيوي)..

وفي تقرير منظمة العفو الدولية أن النساء المعتقلات أو الموقوفات في سجون الولايات المتحدة، مفضلات لدى الحراس أكثر من زوجاتهم، وأن رجال البوليس الأميركي لم يعودوا بحاجة إلى العطر والهدايا الفاخرة، كما تطلب الزوجات اللحوحات.. فالقليل من الابتزاز والقوة مع النساء المعتقلات أرخص بكثير....

وحيث يقال عادة من باب السخرية أن الرجال أو بعضهم يعاملون النساء أو بعضهن كقطعة أثاث في الجنوب المتخلف أو كقطعة حلوى في – بريطانيا والسويد...فإن أي رجل عاقل، لا يمكن لهذه الأسباب بالذات، أن يقذف بكرسي أو جهاز ستيريو من النافذة...وأن يتحمل الاحتمالات التي قد تنجم عن هذا العمل الطائش، فيما لو وقع الكرسي مثلاً على رأس مواطن كامل الحقوق والواجبات ينتظر صديقه أو سيارة أجرة، أو على رأس موظف في مهمة رسمية حساسة.

وحسب تقرير المنظمة النسائية البريطانية Women Aid، فإن المرء يتردد كثيراً قبل أن يصدق ما جاء في التقرير، المتوفر على إحدى نقاط الإنترنت، والذي قامت إحدى وكالات الأنباء ببثه مؤخراً ونشرته صحيفة يومية، في التقرير، أن متوسط حوادث العنف المنزلي يصل إلى 100 ألف حادث سنوياً، أما الرقم خلال العشر سنوات الأخيرة فتجاوز المليون حادثة، وأن ربع نساء بريطانيا يتعرضن للعنف المنزلي "بعضهن أثناء الحمل" وأن الخوف من الانتقام، أو الضرب أو الطرد من المنزل، يدفعهن إلى الاستمرار في أجواء تتسم بالعنف والابتزاز، وتنتهي إلى القتل أحياناً (100 امرأة تقتل سنوياً لأسباب تتعلق بالعنف الأسري) والذي ربما أطاح بالأميرة ديانا في شكل آخر من هذا العنف.

وفي التقرير أخيراً، كلام عن وجود خمس إلى سبع عشيقات لكل بريطاني، وهو ما يتجاوز العدد الشرعي المسموح به لكل مسلم "إذا ما تحرى العدل بينهن" ومع فارق أساسي آخر، هو أن العشيقات سريات ولا يعرفن بعضهن "بخلاف الزوجات الشرعيات عند المسلمين" وقابلات للزيادة والتجديد بين الحين والحين "شقراوات، آسيويات، ضجرات...".

وفي دراسة أخرى للاندبندت البريطانية (8/3/2009) فإن أقل من خمس أعضاء مجلس العموم من النساء (ترتيب بريطانيا 69 في العالم) كما أن فجوة الرواتب تميل لصالح الرجال بنسبة 35% للعاملات بدوام جزئي و16% للموظفات كما أن ثلاثة ملايين امرأة يتعرضن للاغتصاب والعنف المنزلي.

وفي تقرير عن وضع النساء في كرواتيا بعد انفصالها عن يوغوسلافيا الاشتراكية السابقة فإن حجم الاعتداء على النساء في كرواتيا يصل إلى 12 ألف حالة سنوياً رغم أن معظم النساء هناك من العاملات والموظفات. وفي استطلاع شمل 3000 رجل كرواتي اعترف 85% منهم بأنهم ضربوا نساء سواء داخل الأسرة أو خارجها.

وحيث تواصل الأوساط الرأسمالية الأمريكية والأوروبية حملتها على الشرق الذي يضطهد النساء، لا تلحظ هذه الأوساط أن نسبة النساء اللواتي أصبحت رؤساء للدولة أو الحكومة في الشرق أعلى بكثير منها في الغرب الرأسمالي وذلك في الوقت الذي لم تصل فيه أية امرأة لهذا الموقع في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأوروبية مقارنة بالظاهرة النسائية الآسيوية عموماً والآسيوية – الإسلامية خصوصاً....

ميغاواتي سوكانو رئيسة لأندونيسيا، وجلوريا أرويو رئيسة للفلبين، إضافة لرئيستي سيلان وبنغلادش، وقبلهما أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند السابقة، وباندرا نايكه رئيسة وزراء سيلان السابقة وبنازير بوتو في الباكستان وأرملة ماوتسي تونغ في الصين.

وهناك أيضاً رئيسة المعارضة المسلحة في إيران، مريم رجوي ورئيسة المعارضة الليبرالية في بورما، سان سوتشي....

ومن الطريف كذلك أن يرد باحث غربي هو آلان دوبون هذه الظاهرة إلى سطوة العائلات وفقدان التربية والثقافة السياسية لدى الناخبين، حيث يفترض أن "الإسلام الشعبي" كما تزعم مراكز الدراسات الغربية مناهض بطبيعته للمرأة ودورها...إن ما لم يلحظه دوبون وأشكاله من الباحثين وما يفتقرون له في الواقع هو المحصلة المعرفية الكافية لقراءة ظاهرة كهذه، والاتكاء على القاموس الأميركي الأجوف الذي يقابل الوقائع بهندسات مسبقة الصنع ومقاسات جاهزة.

وربما كان على السيد دوبون أن يقرأ في اليوم الذي سقط فيه عجوز جاكرتا، خبر مقتل ملكة اللصوص (روبن هود الهند) وكيف شيعها ملايين الهنود الفقراء، مع أنها لم تنحدر من عائلة معروفة. لم تحترم المرأة في التاريخ كما احترمت في الشرق...وعندما كان أرسطو وأفلاطون يعتبران المرأة شراً ضرورياً، قدمت البوذية والتاوية والمسيحية والإسلام تصورات مختلفة تماماً...وكان بالإمكان ملاحظة الجذور القوية الكامنة لعصر المرأة والمشتركات الأول للمجتمعات غير الطبقية...ولا تزال جماعات كثيرة في الشرق تنسب الأبناء إلى أمهاتهم ولا تزال العشائر العربية الكبرى تعرف بأسماء أنثوية: كندة، رولا، تغلب، عنزة...وتستعيد ذاكرتها على إيقاعات أنثوية (أخوان صبحا وخضرة وعوف ونوف).

أما تفسير هذه المفارقة بين الغرب الرأسمالي والشرق العربي الإسلامي فتعود إلى سبين:
الأول: إن الرأسمالية هي امتداد للخصبة الذكورية فكما قامت الرأسمالية بتحرير الرجال من الريع العقاري وحقول التبغ والقطن الإقطاعية، من أجل توظيفهم في لعبة القيمة الزائدة، والماكينات الجبارة، قامت بتحرير النساء من قيود إقطاعية كثيرة من أجل قيود جديدة وحولتها إلى مادة إعلانية ومانيكان متحركة للزيوت النباتية وإطارات السيارات والوجبات السريعة!

ثمة حقبة ذكورية، تصطادنا جميعاً حول طحالبها اليانعة، فنتفق أو نختلف وفق هواها وقوانينها، ولا ننتبه كما ينبغي لما التقطه "داكو" وغالب هلسا وباخوفن وكلارا زيتكن، للكذبة الرأسمالية الكبرى حول المرأة وتصويبها خطأ "توما الاكويني" "المرأة رجل ناقص" بتحويلها إلى ذكر برجوازي.

وثمة انتقال مضلل، آخر، من "صندوق باندورا" وعربة ميديا إلى "بيت الدمية" و"مدام بوفاري" و"مرتفعات وذرنج". إلى الثقافة الإمبريالية، أعلى مراحل السطوة الذكورية.

الثاني: وهو ما لم تنتبه نعومي وولف من أن سيكولوجيا اللاشعور الكامنة في أعماق ذكور الرأسمالية تعود إلى ثقافة العهد القديم والتلمود اليهودية (ايديولوجيا الإمبريالية) التي تحيل الخطيئة إلى الجسد باعتباره، امرأة.

إن احتقار المرأة في ألواح العهد القديم والتلمود – الذي تسلل في عز الظهر إلى عهود وكتب وأيديولوجيات شتى لم تمنعه الرأسمالية المتطورة من الحفاظ على مقعده الدائم داخل سيكولوجيا اللاشعور الجمعي لدى مختلف الجماعات البشرية.

ولا يعادل هذه الأعماق المعطوبة أي كرسي من البلاستيك الرخيص، يتمتع بأربع أضلع كاملة.

وحيث تدور السنة دورتها العادية بالنسبة للرجال وفق التقويمين الشمسي والقمري، فإن التلمود لا يعترف للنساء بحصة مماثلة، ويوفر على الشعب المختار كمية وافرة من الخطايا، بالحذر ثم الحذر من هذه المخلوقات الملعونة...

وأظن أنكم ستدهشون لو قرأتم أن الممارسات الذكورية المثلية، لم ترتبط فقط برحلات الصيد والحرب البعيدة بل وتعود أيضاً إلى خطاب التلمود وموقفه المعادي للنساء.

وبالمقابل قد لا تعرف وولف أيضاً أن ثقافة الشرق عموماً والثقافة العربية خصوصاً هي أكثر الثقافات احتراماً للجسد وأن النفس وليس الجسد قد تكون أمارة بالسوء، وكل نفس بما كسبت رهينة.

والإسلام بموازنته بين النفس والجسد، يختلف كل الاختلاف عن التوراة التي تعتبر الجسد مصدراً للخطيئة، وتعتبر المرأة رمزاً للجسد.

إن قيمة المرأة في التقاليد البدوية والفلاحية العربية كما في التقاليد الدينية أرفع وبما لا يقاس من قيمة المنفعة الخالصة في السوق الرأسمالي للرجال والنساء على حد سواء، وليست نساء الإعلانات والماركات التجارية سوى مظهر آخر على ذلك، بالإضافة لما أطلقته الرأسمالية من مافيات للرقيق الأبيض كما رأينا بعد الانهيار السوفياتي وتحول روسيا من بلد مصدر للسلاح وتقنيات السدود الكبرى إلى بلد مصدر للرقيق الأبيض.

المصدر/ الميادين نت