2024-11-26 09:45 م

أيمن الرفاتي.. فارس الكلمة يترجل

بقلم: شرحبيل الغريب
ليس أمراً سهلاً أن يعرف الإنسان من سيرثيه بعد رحيله عن الدنيا وكيف سيكون الرثاء. من جهتي، لم يسبق أن وقفت عاجزاً ساعات طويلة إلى هذا الحد أمام الكتابة عن صديق عزيز، خلوق، شهم، غيّبه الاغتيال كما هي حالي منذ سمعت خبر استهداف طائرات الاحتلال منزل الزميل الكاتب والمحلل السياسي الدكتور أيمن الرفاتي بصورة مباشرة، وارتقائه شهيداً مع أفراد من أسرته، وأشعر أنه مهما كتبت لا توجد كلمات كافية توفيه حقه. 

لم يفارقني الحزن ولا الدموع، ولم تفارقني الذكريات الخالدة وأنا أخطّ الكلمات في حق من عرفته عن قرب قبل أكثر من ثلاث عشرة سنة مرت كلمح البصر، وحتى قبل أيام قليلة من استشهاده، كانت المرة الأخيرة التي تواصلنا فيها للاطمئنان إلى بعضنا البعض وتبادلت معه أطراف الحديث، واختتم حديثه برسالة خاصة وكأنه كان يودّعني على طريقته الخاصة:" الحمد لله أنا بخير، نسأل الله السلامة، سلمكم الله، اشتقنا لكم كثيراً، أعاننا وأعانكم الله ". 

أتذكر اللقاء الأول للزميل أيمن الرفاتي الذي عرفته من خلال عمله في الحقل الصحفي والمؤسساتي، عرفته نموذجاً استثنائياً، مجتهداً طموحاً واعداً صاعداً، تدرج في حياته وحقق ما كان يصبو إليه إلى أن أصبح كاتباً مرموقاً متخصصاً في الشؤون الإسرائيلية، حتى نال شهادة الدكتوراه مؤخراً من الجامعة الإسلامية في لبنان، وزرته مهنئاً في بيته مباركاً له هذا الإنجاز العلمي الكبير.

التقينا كثيراً في محطات العمل السياسي وخارجها، كان حريصاً على حضور الندوات السياسية واللقاءات المتخصصة للكتاب والمحللين السياسيين التي كانت تجمعنا مع كثير من الشخصيات الوطنية والسياسية الفلسطينية، والمشاركة في البرامج والإطلالات الإعلامية بشكل دائم. يقرأ الحدث وما وراءه، يقدم قراءته العميقة لكل ما يدور على الساحة الفلسطينية من خلال المقابلات والمقالات الصحفية الخاصة بالميادين نت، كان مقاوماً برأيه وقلمه، ثابتاً في مواقفه، داعماً للمقاومة ومحورها على طريقته الخاصة.

أما إذا التقينا في مكتب قناة الميادين في مدينة غزة فللقاء طعم خاص، إذ كان جل حديثنا يتركز حول شاشة الميادين ونقلها للحدث الفلسطيني بشكل خاص، ودورها كقناة مثلت نموذجاً إعلامياً فريداً يحتذي به الإعلام العربي المقاوم الذي تبنّى قضية فلسطين ودعم المقاومة منذ انطلاقتها ولا يزال، رغم مسلسل المضايقات المستمر في بيئة الإعلام العربي المزدحمة. 

هنا، سالت الدمعة وانحدرت من عيني، وانسابت على منحدرات الوجه والقلب والوعي والمواقف والذكريات الشخصية الممتدة، مرت على شريط طويل من اللقاءات والأحداث، كان الشهيد الكاتب أيمن الرفاتي مهتماً بدرجة كبيرة في الجلسات الشخصية التي كانت تستمر لساعات حتى منتصف الليل نتبادل فيها الأفكار والآراء، كنت داعماً له بشكل كبير في تصدر الشاشات والإبحار في تخصصه، أكثر ما كان يطغى على هذه اللقاءات الابتسامة الدائمة والمشاعر الأخوية الصادقة، والتشديد على استمراريتها بين زحمة العمل في مهنة الكتابة والإعلام والتحليل السياسي التي كانت تشكل لنا في كثير من الأوقات حالة استنزاف في الوقت والجهد، وتبعدنا عن البيئة الاجتماعية الخاصة في كثير من الأحيان حين وقوع أحداث كبيرة في الساحة الفلسطينية.

أيمن الرفاتي لم يكن مجرد كاتب عادي، بل كان صاحب قلم وطني مميز، مقاوماً يذود عن وطنه، صاحب رأي وفكر يعتز به، وقلّما يعبّر عمّا يجول في خاطره، وهو يعلم ضريبة الموقف والكلمة والرأي الحر، عاش مؤمناً بعدالة القضية الفلسطينية داعماً للمقاومة بالموقف حتى بدا كالمقاتل في ساحة المعركة يتصدر شاشات التلفزة المحلية والعربية المختلفة.

أذكر جيداً النقاشات الرسمية التي كانت تدور أحياناً أمامي في الندوات واللقاءات السياسية والخاصة، لم يكن الزميل أيمن يهدأ أو يستسلم حين يتعلق الأمر بفلسطين ومقاومتها، كان أحد أبرع الكتاب المتميزين في مجاله، سخّر كتاباته لخدمة القضايا الوطنية ومحور المقاومة بالدرجة الأولى، دائماً ما كان يرسل لي مقالاته التي تنشر على الميادين نت بشكل خاص لقراءتها، فأثني عليه بردي المعتاد، "دام قلمك الرائع المبدع السيال "، وفي هذا المقام أجزم أن الميادين نت خسر كاتباً ثائراً وفارساً من كتابه الأوفياء. 

لا أكتب هنا لأرثي زميلي أيمن بعد حياة حافلة بالعمل والعطاء والإبداع، بل هو وداع خاص والقلب يعتصر ألماً على فراقه، بل لأعيد بعضاً من سيرته، هو حزن من نوع آخر بفقدك يا زميلي، وما يزيد الألم أكثر في خضم هذه الفاجعة والفقد أن الزميل أيمن الرفاتي انضم إلى كوكبة من رفقاء المهنة من الصحفيين والكتاب والمحللين السياسيين ممن سبقوه، هو وهم يسكنون عيوننا وقلوبنا، سيبقون مخلدين في ذاكرة الأيام.

زميلي أيمن، ملاكاً كنت على الأرض وكذلك في السماء ستكون، إنني وفي لوعة الفراق أواسي نفسي وأرفع لعائلته ولكل الزملاء والزميلات في الميادين نت، كل ما تحمله حروف الأبجدية من معاني المواساة، فإلى جنات الخلود يا زميلي أيمن برفقة من سبقوك على الدرب ذاته ممن دفعوا حياتهم ثمن الحرية والكلمة والرأي.

المصدر: الميادين