2024-11-30 06:35 م

المستور الذي كشفه الطوفان..

بقلم: فؤاد البطاينة
لقد أفرزت معركة طوفان الأقصى وما قادت إليه من حرب عدوانية ابادية على غزة والضفة لم تدانيها بهمجيتها وقذارتها وجبنها وحوش الغاب ولا ألف ألف داعش، نتائج مفاهيمية هامة لم تكن بحسابات الكثيرين من كل أطراف الصراع، وأكدت حقائق كانت جدلية أصابت كل جوانب الصراع العربي الصهيوني والقضية الفلسطينية وحقيقة الوضعين العربي والإسلامي. وإن محاولة الوقوف ولو على بعضها ضرورة تنير الطريق أمامنا كشعوب عربية..
لقد أثبتت الحرب بظلمها وظلاميتها أن العالم ما زال يرضخ لأحادية القطبية الأمريكية بما فيه روسيا والصين. وأن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي يتحليان برضوخ استراتيجي للقرار الأمريكي مهما كان ظالما وعدوانيا. وأنظمة الحكم في الغرب تعرت أمام شعوبها، وشعوب العالم لم تعد تتعاطف مع الكيان أو تحسب له حساباً. ونتذكر هنا قول نتنياهو بأن العالم لا يحب اليهود ولكنه يخاف منهم)، فمع أن هذا منصوص عليه بتوراتهم إلا أن حاجز الخوف انتهى بعد طوفان الأقصى.
وعلى صعيد محور المقاومة، كان اليمن هو المستجد الأبرز في إطار هذه الحرب، وكان المثال على مستوى العالم في الشجاعة والإقدام حينما استطاع أن يعلق الجرس لمواجهة الكيان وحِلفه ويكسر حاجز خوف العالم الواهم من أمريكا. بل وخلق مشكلة مستقبلية لدى الغرب حين أثبت لهم أنه قادر وحده على إغلاق البحر الاحمر. كما أن هذه الحرب قد أكدت ثبات قواعد الاشتباك بين حزب الله واسرائيل وهذا يدل على قوة الردع عند الحزب، كما أثبتت وحدة الدم لدى الأطراف المقاومة. وبالنسبة لسورية فقد أثبتت هذه الحرب أن سورية غير قادرة على تقديم شيء لنفسها او لدول المحور سوي المجال الجغرافي. وللقيادة السورية التي تقدم نفسها كمحاربة لداعش أقول إن من يحتل أراضيها ويسرق مواردها وثرواتها هم الامريكان والاتراك والكرد والكيان الصهيوني وليس داعش. وأتساءل ما الذي تخشى القيادة خسارته من تشكيل مقاومة شعبية سورية او حركة تحرير وطني. كما بينت الحرب ان مساحة النفاق عند قوى المعارضة في اقطار الوطن العربي كبيرة جدا وأنها اجبن أو أضعف من أن تحشد مظاهرات التأييد والتضامن مع غزة والمقاومة بما يوازي أو يحاكي ردة الفعل الشعبية في عواصم العالم.
وعلى صعيد الأهم من الحقائق التي أكدتها الحرب هي أن الكيان مستعمرة أمرو صهيوغربية في فلسطين، وأن وجودها مصيري للمصالح العليا لهم، وسقوطها أو تحريرها يعني انتهاء الوجود الغربي في الوطن العربي والشرق الأوسط. وكما يعني غياب الأنظمة العربية المرتبط وجودها بوجود هذه المستعمرة، وغياب تلك التي تتحصن بعمالتها. وبناء عليه فقد أكدت بأن الطرف المقابل للطرف العربي في الصراع سياسياً وعسكرياً هو أمريكا وذيلها بريطانيا، والطرف المواجه للفلسطينيين في حرب التحرير ومعاركها سياسياً وعسكرياً وأخرها طوفان الأقصى هي أمريكا وذيلها بريطانيا.
إن ربط حقيقة فشل سيرورة حرب الابادة لما يزيد عن اربعة أشهر وإثباتها لأمريكا وللكيان وللعالم استحالة القضاء على المقاومة الفلسطينية الممثلة بحماس والجهاد واستحالة نجاح الارهاب في تهجير الفلسطينيين القسري كما في عام 48،أقول إذا ما ربطنا هذه الحقيقة بحقيقتي إسقاط سلطة أوسلو ومنظمة التحرير لخيار المقاومة وفقدانها شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني وخياراته، وحقيقة مواصلة حماس والجهاد تبني خيار المقاومة واستراتيجيتها منذ ذلك الحين وصولا لطوفان الاقصى والصمود بوجه العدوان الأمروصهيوني ودحره، أقول إن هذا كرس حماس وشقيقتها كحركة التحرير الوطني الفلسطيني الممثلة الوحيدة حالياً للشعب الفلسطيني وقراره.
وهذا بدوره يربطنا بنقطة خطيرة تتعلق بتوجه امريكا والكيان للانقلاب والتآمر على المقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد) وتمثيلها للشعب الفلسطيني كحركة التحرير الوطني وعزلها وتحييد انتصارها واختطاف استحقاقات النصر وثقة الشعوب العربية والشعب الفلسطيني بها بإدارة الظهر للمقاومة وإعادة الإعتبار المهدور للسلطة وإنعاش أنظمة التطبيع العربية لاستدامة التدليس والحلب والتآمر وذلك كله من خلال طرح مسرحية حل الدولتين المقبور أو كذبة إقامة دولة فلسطينية.
وهنا نقول يا حبذا أن يجرأ أحدهم على طرح أسئلة على أمريكا قبل القبول او التعاون بالموضوع، مثل، هل تعلن اسرائيل أولاً قبولها لمبدأ حل الدولتين وهل هي مستعدة بأن تتبرع بإعادة الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 67 وهل أمريكا ودول أوروبا ملتزمين بإجبار الكيان على قبوله، وأين ستقام الدولة وعلى أية أرض وما حدود هذه الدولة، وما مصير ملفات الحل النهائي كحق العودة والقدس والمياه والحدود. نريد أن نسمع كلاماً عن هذا أو مرجعياته. كفانا كذبا وتامرا. لا يوجد أي حل او تسوية لمسألة احتلال سوى ازالته ولا تعايش مع الاحتلال. فالطرح كاذب والهدف هو التآمر على المقاومة لعزلها واستمرار الحرب عليها، فوجودها هو النقيض الوجودي للكيان..
وعلى صعيد أنظمة التطبيع العربي فقد تأكد كذب وسقوط مصطلح التطبيع في الحالة العربية الصهيونية. فالتطبيع أو العلاقات الطبيعية يفترض أن تكون بين دولتين او كيانين حرين ومتكافئين ومستقلين، بينما طبيعة سيرورة العلاقة بين الانظمة العربية المطبعة أو بعضها وبين الكيان هي إخضاعية وتخلو من تبادلية المصالح. وكمثال أسأل نظامنا الأردني كيف لنا أن نسمي علاقته مع الكيان طبيعية وليس إخضاعية عندما يرى هذا الكيان وهو يرتكب مجازر ومحارق جماعية بحق شعبنا الفلسطيني لا يرتكبها بشر أسوياء، ويمنع عنه الماء والطعام والكهرباء والدواء والحليب عن الرضع، وتكون ردة فعل النظام تزويد هذا الكيان باحتياجاته الإستراتيجية التي تساعده في صموده بارتكاب مجازره، وترك خونة القطاع الخاص يوغلون في هذا، وجعل الاردن جسراً لعبور إمدادات خون العرب للكيان، بينما القواعد الأمريكية مطلوقة اليد حسب اتفاقية الدفاع. ولا شك أن النظام مقاد في كل هذا بنهجه السياسي المستورد والمجرم.
يجدر جدا بعقل النظام ورأسه أن يعلم بأن للأردن خصوصيته الفريدة في القضية الفلسطينية تاريخياً وحاضرا ومع الشعب الفلسطيني، وأن عليه أن يعمل وفق هذا، فلا يمكن أن يكون على مسافة واحدة من القضية والكيان مع أي نظام عربي أو غير عربي. فالأردن الحديث ولد من رحم المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة، ولا تصفية ممكنة للقضية وملفاتها إلا بتعاون النظام الأردني، فهو بيضة القبان بفشل أو نجاح المشروع الصهيوني، وقادر إن شاء وتوفرت لديه الإرادة السياسية على إفشال المشروع الصهيوني في فلسطين وفي الأردن. بمعنى أنه يتحمل مسئولية وجهة القضية الفلسطينية. ومع كل هذا عليه أن يعلم بأنه لا يوجد في الأجندة الصهيو أمريكية بقاء للحكم الهاشمي بعد أدائه للدور، وللتأكد يمكنه مراجعة التاريخ والوثائق ويحسبها سياسياً. فالشعب الأردني وحده من يحمي الملك والعرش الهاشمي والقادر على ذلك وخاصة عندما يأخذ الملك قرار التخلص من التبعية..
وفي الختام، إن أردن الشعب والنضوج والمفاهيم في عام 2024 غيره قبل مئة عام. وعلى النظام أن ينصاع لإرادة الشعب لا لإرادة عدوه. فلا يمكن أن يستمر الأردن وديعة لحساب وعد بلفور او للمشروع الصهيوني، ولا أن يكون مكبلا لهذه الغاية بالاتفاقيات الخطيرة مع الكيان على سلامة مستقبل الاردنيين، وبالقواعد العسكرية الجائرة، ولا أن تكون أبوابه مشرعة للغزو الصهيوني الناعم لأراضيه. ولن يقبل الأردنيون أن يكون الأردن مجالا حيوياً للكيان أو عمقاً أو مخزوناً استراتيجياً له ولا رصيدا، ولا أن يكون حاجزاً جغرافياً بين الكيان والشرق العربي والمسلم. ولن يقبل الأردنيون بأقل من أردن خالي من الصهاينة وعضيدا للمقاومة الفلسطينية.
كاتب عربي أردني
المصدر: رأي اليوم