2024-11-26 10:21 م

رحلة اخرى مع بيع الاوهام و التسويف

بقلم: اسيا العتروس

لا  خلاف أنه كلما طال امد الحرب كلما امتدت قائمة الشهداء و الضحايا و المشردين و تعمقت معاناة اهالي غزة , وأنه كلما طال امد الحرب أيضا كلما اثقل ناتنياهو سجله من جرائم الابادة الجماعية و تراكمت وثائق الادانة التي تكشف للعالم بشاعة و فظاعة جيش الاحتلال الذي يصر حلفاء تل ابيب على التسويق له كاكثر جيوش العالم اخلاقا …و يبدو أن داعمي و ممولي كيان  الاحتلال اصيبوا بداء عملا الالوان الدائم و اضحوا يعتمدون المنظار الاسرائيلي في تامل الواقع و التعاطي معه  , و طبعا الامثلة كثيرة ومتعددة و هي تتنافس في درجة البشاعة و الفظاعة و لعل اخر ما صدر عن الاحتلال الاسرائيلي هذه المرة كان على بعد ساعة زمن من غزة و تحديدا في مستشفى ابن سينا في جنين حين اقدمت مجموعة من المستعربين الذين تنكروا بالبسة اطباء و ممرضين على اقتحام المستشفى فجرا و اعدام ثلاثة مرضى احدهم مصاب بشلل دائم..لا نعرف ان كان من سوء حظ القتلةأو من حسن الحظ أن توثق كاميرا المستشفى ما حدث لحظة بلحظة و تنقل للعالم اطوار الجريمة التي كانت تقترب من سيناريوهات هوليود لولا انها حقيقية و هي انتهاك جديد لكل المواثيق و الاعراف الدولية و الانسانية التي تمنع استهداف المستشفيات و سيارات الاسعاف و اطقم المرضى …و هو ما تعمد جيش الاحتلال اسقاطه من حساباته حتى اللحظة رغم الرسائل التحذيرية لمحكمة العدل الدولية …طبعا مثل هذه الصور لا يمكن أن تجد لها  موقعا في الاعلام الغربي الذي يتبنى الرواية  الاسرائيلية بشكل مقرف
و يتجاهل ابسط قواعد المهنية عندما يتعلق الامربالضحية … في خضم هذا المشهد الدموي و في خضم الجنون الاسرائيلي و الاصرار على مواصلة جريمة الابادة عبر القصف البري و البحري و الجوي المستمر كما عبر التجويع وحرمان الفلسطينيين من الدواء او عبر التهجير القسري تبدو التصريحات المتواترة من حلفاء اسرائيل بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية أقرب الى محاولات التخدير و سحب الفلسطينيين و الاطراف العربية المعنية ببحث وقف اطلاق النار الى نقاشات و مفاوضات لا اول لها و لا اخر تماما كما حدث و يحدث بشأن حل الدولتين الذي تحول الى طعم لدفع مسار التطبيع و فتح كل الطرق امام الاحتلال لقضم و السطو على ما بقي من الارض و الاستقواء بعصابات المستوطنين المسلحين دون ان يحصل الفلسطينيون في المقابل على أي شيئ …و هنا وجب التذكير بما حدث عند الغاء القرار3379 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 10 من نوفمبر 1975 و الذي يعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية و تم التصويت بموافقة 111 دولة و رفض 25 و امتناع  13 عن التصويت , و كان القرار يطالب جميع دول العالم بمقاومة الاديولوجية الصهيونية التي تشكل خطرا على الامن و السلم العالميين …و في قناعتنا أن هذا القرار كان اخطر قرار تفوز به اسرائيل و لو ان الالغاء جاء انعكاسا للواقع في الاراضي العربية المحتلة حينها لامكن تبريره و لكن كان واضحا ان القرار جاء نتيجة للضغوط الامريكية الاسرائيلية ..قرار الالغاء ورد في سطر واحد صاغه نائب وزير الخارجية الامريكية اورنس ايغلبورغ و فيه “تقرر الجمعية العامة نبذ الحكم الوارد في قرارها رقم 3379 و هي المرة الاولى التي تلغي فيها الجمعية العامة قرارا بهذه الخطورة و سيتضح لاحقاان الغاءه منح اسرائيل الضوء الاخضر لتنفيذ جرائمها دون ادنى تردد او محاسبة ..و بذلك تخللت الامم المتحدة عن قناعتاها بمنتهى البساطة و اليوم يبدو أن التاريخ يعيد نفسه و لكن في شكل مهازل متعددة …
الخارجية الامريكية تدرس الاعتراف بالدولة الفلسطينية…الامر ليس مزحة و الخبر صدر عن وزير الخارجية الامريكي بلينكن  بتوجيهات للمسؤولين في وزارته بالعمل على دراسة إمكانية الاعتراف الأميركي والدولي بدولة فلسطين في إطار الرؤية الأميركية لمستقبل القضية الفلسطينية في “اليوم التالي” للحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة …يتزامن ذلك مع مرور 118 يوما على  الحرب المسعورة  في القطاع و بعد اصرار العدل الدولية عدم التراجع عن الدعوى التي رفعتها جنوب افريقيا ضد كيان الاحتلال بشان جرائم الابادة التي يقترفها جيش الاحتلال الاسرائيلي على مرأى و مسمع من العالم ..الموقف الامريكي ياتي بعد تصريحات لوزير الخارجية البريطاني دافيد كاميرون أكد فيها “مبادرات دبلوماسية تهدف إلى تحقيق تقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين..
وحدها الايام كفيلة بالكشف ما اذا يمكن اخذ كلام الوزير الامريكي و البريطاني محمل الجد أن اننا سندخل رحلة اخرى من التسويف و بيع الاوهام …

المصدر: رأي اليوم