2024-11-26 08:39 م

هل يمكن إصلاح ما خلّفه الفساد؟

بقلم: نادية حرحش
منذ اندلاع العدوان الغاشم على غزة وما تبعه من اجتياحات على الضفة، ونحن نعيش حالة من الهياج العام فيما فاق توقعاتنا وأسوأ كوابيسنا. ولكن بينما نجلس في أماكن تواجدنا نتابع بين حسرة ووجع وألم، وتمنيات ودعوات وصلوات، تنعدم سبل الحياة لشعبنا في غزة أكثر وأكثر. كل هذا في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل في معركتها على أشلاء وحجارة غزة، والتي يقابل خسارتها فيها من جنود وعتاد عسكري، مخاسرنا بشعب وبنيان وتعب وشقاء سنوات، لا بل عقود من العيش فيما يمكن بالكاد ان يسمى حياة.
من السهل القول من عن بعد، أن أهل غزة تعوّدوا مشاق العيش وشظفه، وبالتالي يستطيعون تحمّل الخسارة والفقدان والدّمار أكثر. ما رأيناه بين دمار هذه الحرب اللعينة ان الانسان في غزة كما في أي مكان يتمسك بالحياة مهما حاولت الحياة ليس فقط ان تفلت منه، بل أن تسحقه وتدمره وتمسح وجوده.
منذ اللحظة الأولى وبعد الانتهاء من ردة الفعل الأولية بتقييم ما جرى، كان لا بدّ من التفكير بالمشهد الأكبر من أجل المستقبل القادم لا محالة، أي اليوم التالي للعدوان وما سيترتب عليه من واقع جديد تماماً. فما كان قبل السابع من أكتوبر لن يكون كما سيأتي بعده على كل الأصعدة، وإن تحقّق أمر، هو بالتأكيد، لن يكون خروج حركة حماس من هذا الحدث كلاعب مركزي في الساحة السياسية الفلسطينية، بل بالعكس من ذلك تماماً، أي تعاظم في دور هذه الحركة.
حجم ردة الفعل على السابع من أكتوبر يشي بنية القضاء على حركة حماس، وبما يتيح لخصومها فرصة التخلص منها. ولكن، بالرغم من شراسة الهجوم على حركة حماس، الا إن كل من كان يظنّ أنّ بالإمكان التخلص من حماس بهذه الطريقة كان عاجزاً في وعيه ووجدانه عن فهم ماهية الشعوب. فحماس تحولت الى فكرة مع كل محاولة لسحقها، وبالتالي فإن التخلص منها بات لكل من توقع هذا مستحيلاَ.
وهنا سجّلت حماس أول انتصار سياسي لما بعد السابع من أكتوبر، إذا ما كانت الانتصارات تسجل بتحديد أهداف الحرب. إسرائيل أعلنت التخلص من حماس كهدف مركزي في حربها، ومهما حاولت تحقيق انتصارات بتدمير أكثر وقتل أكثر الا انها أعلنت ومراراً ان هدف التخلص من حماس كما أعلن عنه لا يمكن تحقيقه.
حماس لم تسجل فقط انتصاراً بعدم مقدرة إسرائيل التخلص الفعلي منها في مكان تواجدها في غزة، ولكن في انتصارها لمظالم الشعب الفلسطيني المتصلة بالاحتلال الإسرائيلي وممارساته العدوانية.
على أي حال، بالرغم من انه بات واضحا ان إسرائيل لن تتمكن من تحقيق أهداف الحرب كما أعلنتها، إلا أن نتائج أخرى من الحسابات لا يمكن تجاهلها فيما يتصل بالأهداف غير المعلنة والمتغلغلة خاصة في الذهنية العقائدية المتطرفة الحاكمة في إسرائيل اليوم، وفيما يشمل قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين وتدمير كل ما يمكن تدميره من بنى تحتية، وكل سبل الحياة في فلسطين بما يدفع للهجرة منها.
في حرب البقاء هذه التي تشنها إسرائيل، إن كل حياة فلسطينية تزهق هي انتصار عقائدي. وعليه، إذا ما اخترنا هدفاً آخر لهذه الحرب، واستخدمنا استراتيجية التصفية العرقية التي بنت عليها إسرائيل وجودها مقابل وجودنا، وشعار الدحر الاحتلال أو التحرر الذي بنت عليه المقاومة الفلسطينية سبلها، فإن الانتصار ليس من نصيبنا هنا. فما حققته إسرائيل من قتل ودمار يتوافق ربما مع تطلعات اقطاب العقائدية المتطرفة المتنفذة فيها، وتحولت غزة الى مقبرة جماعية بينما كانت سجنا او معسكرا محاصراً بإحكام. اخترقت إسرائيل الحدود أكثر لتضيق المساحة الضيقة أصلاً على غزة والضفة.
مهما استرسلنا بالتحليل لنقاط تسجّل علينا أو عليهم، يبقى الأمر الأهم هو الحاجة الملحّة لوقف هذا العدوان من أجل إنقاذ شعب غزة المستباح. ومهما تخيّلنا من سيناريوهات، أو مهما حاول بعضهم وضع مخططات تناسب مآربه، تدور بنا الدوائر كلّها نحو حلّ، لا يمكن بدون وحدة حال حقيقية، نستطيع من خلالها خلق قيادة تستطيع أن تتحمّل مسؤولية وتحمّل عبء المرحلة الحالية أوّلاً.
ما نسمع عنه من تسريبات ومحاولات لتغيير حكومي في السلطة الفلسطينية بسبب “مطالب” أمريكيّة وغيرها بالإصلاح، فيه إقرار بسوء الإدارة وغيابها الحقيقي في غياهب الوهم، وعمق الفساد، لدرجة لا يستطيع القائمون عليها استيعاب احتياج هذه المرحلة.
ربما ما يجري، يجعل من الواضح رفض القيادة للمطلب الشعبي المُلح بتحقيق وحدة الحال، الأمر الذي يبدو واضحاً من محاولة الالتفاف على هذا المطلب بالتعامل مع متطلبات الإصلاح على انّها فرصة لمن ينتظر دوره في تغيير الأسماء، لرتب ومناصب سيادة، تتسلط على الشعب وتعتاش من دمار غزة، ولاحقاً من إعادة إعمارها.
في كل مرة أفكر انه لا يمكن لهذا الحضيض ان يأخذ سحقا أكبر في عمقه، يزداد انحدارنا أكثر نحو هذا القعر الذي لا قرار فيه لدنوّنا.
كفى استخفافاً بعقول الناّس. فما يُبنى على فساد سيبقى كذلك.
كاتبة فلسطينية