بقلم: نبيه البرجي
يؤكد مدير مركز خليجي للأبحاث، أن حكومة ريشي سوناك بعثت الى ادارة جو بايدن بورقة موثقة تختزل الرؤية الآنكليزية للمشهد الشرق أوسطي، لتشير الى أن أي تسوية، حتى لو كانت محدودة، سواء كانت في سوريا وفي العراق أو في اليمن ولبنان، تحتاج الى تسوية كبرى تشمل كل المنطقة، لظهور قوى مركزية فيها مثل إيران وتركيا والسعودية، التي لا بد أن تؤخذ بالاعتبار مصالحها الجيوسياسية، وان كانت هذه المصالح لا تزال فضفاضة وفوضوية ان في الشكل أو في المحتوى.
بمعنى آخر ان ضبط الايقاع في منطقة زلزالية على المستوى الاستراتيجي والايديولوجي من قبل القوى العظمى، يستدعي الكثير من الجهود الهائلة، حتماً الكثير من الرؤوس الباردة، دون أن يكون باستطاعة الولايات المتحدة أن تبقى اللاعب الوحيد على رقعة الشطرنج.
في الرؤية الانكليزية ضرورة اقفال أبواب النار في الشرق الأوروبي وفي الشرق الآسيوي. هذا ممكن بعدما انتهى الوضع حول أوكرانيا الى حالة الحرب للحرب، توازياً مع الدوران في حلقة مفرغة حول تايوان.
من الشرقين الأوروبي والآسيوي، تتدحرج التسوية نحو الشرق الأوسط، وحيث عناصر وعوامل الأزمة أكثر تعقيداً وتشابكاً بكثير، حتى إن بعض من شاركوا في صياغة الرؤية، يرون أن أي تسوية كبرى قد تحتاج الى حرب كبرى يفترض أن تكون مستحيلة (ما هذه الشهامة الأنكليزية!)، لأنها لا بد أن تجرّ الى فوضى أبدية بتداعيات أبو كاليبتية على سائر القوى.
المستغرب في المقاربة الانكليزية، الذي تشدد على وجوب إطلاق ديناميكية ديبلوماسية دولية لإدارة تلك الورشة الكبرى (اعادة تشكيل الشرق الأوسط)، قولها ان المشكلات السورية والعراقية واليمنية واللبنانية قابلة للحل، حتى وان أخذت في بعض جوانبها أبعاداً وجودية. المشكلة المركزية أي “اسرائيل” على رقعة الشطرنج؟
الانكليز كشريك أساسي مع الأميركيين، من خلال التواطؤ بين وودرو ويلسون ولويد جورج، وبينهما آرثر بلفور، في “اختراع اسرائيل”، يعترفون الآن بـما معناه “اذ بالغنا في الاعتماد التكتيكي والاستراتيجي على “اسرائيل”، بالغنا في التفاعل مع أمراضها الايديولوجية، لنصل الى النقطة التي بدت فيها كما لو أنها الجهة الأكثر تهديدًاً ان للمصالح الغربية، أو للضرورات الغربية”!!
كلام يثير الذهول دون شك. تجربة غزة أثبتت هذه الحقيقة. وإذا كان البعض يرى أن الولايات المتحدة تتحول الى بطة عرجاء ابان السنة الانتخابية، نتوقف عند رأي أحد كبار منظّري المحافظين روبرت كاغان من أن الادارة الضعيفة لا تعني بالضرورة الدولة الضعيفة.
هل يعني ذلك أن بامكان “الدولة” حمل الادارة على كبح جماح بنيامين نتنياهو، الذي قد يتورط في تفجير الحرب ضد لبنان، مع ما يعنيه ذلك كون حزب الله خطا أحمر بالنسبة الى قوى فاعلة (جداً) في المنطقة.
الرؤية الأنكليزية تدعو الأميركيين الى اتخاذ كل الخطوات الاستباقية للحد من السياسات الهيستيرية للائتلاف الراهن، والتي قد تنزلق بهم (أي بالأميركيين) الى مستنقع أشد هولاً من المستنقع الفيتنامي أو من المستنقع الأفغاني.
بحسب الرؤية التي تستعيد الكثير من تجارب الماضي، قيادة حزب الله لا تزال تحافظ عل قواعد الاشتباك، أو على “ادارة التصعيد” لإدراكها أن الحرب الكبرى تعني المجهول، وتعني الحطام. وعلى “القيادة الاسرائيلية” أن تفكر (وترى) بهذه الطريقة، بل أن ترغمها واشنطن على ذلك كيلا تنتحر، وتنتحر معها الدولة العبرية.
وإذا كان تاج آل وندسور قد بات، ومنذ الغروب الأمبراطوري على ضفاف السويس عام 1956، بين يدي وحتى بين قدمي الأمبراطور، لتبدو “بريطانيا العظمى” وقد تحولت الى قهرمانة في البلاط الأميركي، لا بد من الاقرار بأن الانكليز أكثر حنكة بكثير من الأميركيين في صناعة الأزمات وفي ادارتها، من خلال ما دعاها ديزموند ستيورات “ثقافة الدهاليز”.
الادارة الأميركية التي تحدق بها الأزمات من كل حدب وصوب، في ذروة الارتباك داخل الدوامة “الاسرائيلية”. هل يمكن للرؤية الأنكليزية أن تشكل لها خارطة الطريق، وان كان الطريق الوعر، وقد يكون طريق الجلجلة؟
رأينا … انه الشرق الأوسط. مثلما الحرب الكبرى مستحيلة، التسوية الكبرى مستحيلة. الستاتيكو، سواء كان ساخناً أم بارداً، الى ما شاء الله!!