2024-11-26 08:41 م

إنهم يضربون رؤوسهم بحائط المبكى

بقلم: نبيه البرجي
تمنى عليّ الدكتور طلال أبو غزالة أن أكتب عن جنوب أقريقيا، كدولة تستحق أن تكون عضواً في جامعة الدول العربية، لتقديمها دعوى ضد "اسرائيل"، لدى محكمة العدل الدولية، بجرم الابادة الجماعية للفلسطينيين. ولكن أي جامعة هذه، أيها الصديق العزيز، حين تكون مستودعاً للطرابيش، أو مستودعاً للأراكيل، لكأن حجر قايين، أو لكأن لعنة قايين، تلاحقنا؟

أدرك تماماً ماذا يعني "بكاء القلب"، أو ما تعنيه "صرخة القلب"، لدى الدكتور طلال تلك العروبة التي لم تعد تصلح علفاً للدجاج، وقد أوغلنا في أكل لحوم بعضنا بعضا، لحساب القريب والبعيد. لماذا، اذاً، ندعو دولة جنوب أفريقيا للاصابة بـ "عدوى الغيبوبة" التي يبدو أن لا مجال للخروج منها اذا ما عدنا الى ما قاله لنا عبد الرحمن منيف (مدن الملح)، في بغداد "لكم طاب لنا البقاء في تلك الأزمنة الصدئة". قال أيضاً "القبور الصدئة".

الكاتبة الجنوب أفريقية ميريام تلالي كتبت عن "تلك الأيام التي تركت جراحاً في عظامنا". الجراح اياها انتقلت الى الأجيال التي تدرك ما حل بآبائهم حين كانت الشرطة البيضاء تنهال عليهم بالهراوات لأنهم كانوا يمشون حفاة على أرصفة جوهانسبرغ.

حكومة بريتوريا الأمينة على ارث نلسون مانديلا الذي ظل حلمه يزداد تألقاً على مدى 27 عاماً وراء القضبان. تعرف ما هو موقفه من "التراجيديا الفلسطينية". ثمة تمثال له وسط رام الله تجسيداً للتماثل في المعاناة بين الشعبين من الفصل (أو القتل) العنصري. لكن ما يحصل للفلسطينيين لم يحصل في أي زمن آخر.لنعد الى الميتولوجيا العبرية حيث ترى "الملائكة المدمرة" فينا الديدان البشرية التي ينبغي محقها.

لن ننتظر حكم المحكمة الدولية الذي يطول، ويطول، في ظل تدخلات أميركية ضاغطة لنزع صفة الابادة في القطاع. ماذا نسمي، اذاً، مقتل أكثر من 25000 كائن بشري، بينهم 10000 طفل في غضون 100 يوم، وبقنابل لدك الحصون، فاذا بها تطحن وجوه الأطفال والنساء والرجال .

اجحاف كثير، أيها الفلسطيني الرائع، وقد ترعرع على ضفاف الأنين، أن تنضم جنوب أفريقيا الى جامعة أحمد أبو الغيط الذي يغط، ربما منذ ألف عام، في النوم العميق.الجامعة التي اكتفت بالكلام (وأيّ كلام) لصدّ الرياح الآتية من الجحيم. تلك دولة تستحق أن تقود العرب ـ لعلهم يستيقظون ـ لا لتكون اضافة ميكانيكية اليهم.

ما من دولة عربية تجرأت أن تفعل ما فعلته دولة جنوب أفريقيا، ما يدعونا الى التساؤل حول أسباب هذه الهشاشة المروعة، كما لو أننا لسنا ورثة الحضارات الكبرى، من السومرية، الى البابلية، والى العربية التي نقلت الفلسفات والعلوم اليونانية الى أوروبا، ليبزغ من هنا عصر الأنوار في القارة العجوز.

غريب أمرنا. نحن المنطقة الوحيدة في العالم التي أعلن الأميركيون رغبتهم في "ملء الفراغ فيها" (مبدأ ايزنهاور 1957 )، كأن لا بشر ولا دول على أرضها، وهي المنطقة الوحيدة التي تضم ذلك العدد من القواعد الأميركية فيها، (بما في ذلك قيادة القيادة الوسطى)، اذا ما أغفلنا ذكر اسرائيل كأضخم قاعدة أميركية في الكرة الأرضية.كل هذا ليس لحمايتنا، وانما لحماية حقول النفط، وأبواب النفط. الأهم حماية الدولة العبرية كـ "وديعة أميركية مقدسة".

جنوب أفريقيا ليست بالدولة العربية، وليست بالدولة الاسلامية.79 % من سكانها مسيحيون مع نسب ضئيلة من الديانات الأخرى.لكنها "صرخة المسيح في صدر نلسون مانديلا"، كما قالت الكاتبة الجنوب أفريقية البيضاء نادين غوديمير، الحائزة نوبل في الآداب. حتى "صرخة الله" لا تصل الى تلك الرؤوس التلمودية التي طالما قلنا، ونردد، "الآتية من قاع الأزمنة ومن قاع الايديولوجيات"!

لكننا في غزة أمام أكثر من تلميذ لمانديلا يحفر الصخر بأسنانه، حاملاً البندقية في يد وروحه في يد أخرى، ما دمنا أمام عدو يفتقد الحد الأدنى من الوعي بالحالة البشرية ويمسك بالكثير من مفاتيح القوة في هذا العالم.

الدكتور طلال أبو غزالة، كفلسطيني، يعيش آلام شعبه وكعربي يدرك مدى شقاء أمته، يرى (أجل يرى) أي نوع من الرجال أنتجتهم فلسطين لكي يقول الحاخام ديفيد فيلدمان "ان التاريخ ـ تاريخنا ـ يرتجف، وأخشى ألّا يكون لنا من مكان حتى بين حجارة حائط المبكى".

انهم يضربون رؤوسهم بحائط المبكى...