2024-11-26 08:27 م

مصر: انخفاض مخزونات القمح ... يهدد «العيْش»

2013-02-26
القاهرة، لندن - رويترز - تراجعت واردات القمح المصرية بشدة هذا العام في الوقت الذي تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية وسياسية، لكن المشترين من القطاعين الحكومي والخاص يؤكدون أنه مازال لديهم الأموال الكافية لإمداد البلاد بالخبز.
ويقر مسؤولون وتجار مصريون بالمشاكل التي تواجهها الحكومة من عجز متزايد بالميزانية وتناقص احتياطيات العملة الصعبة، لكنهم يقولون ان الدولة تعطي أولوية لتمويل واردات القمح. ويعلقون جزءا من آمالهم كذلك على زيادة الانتاج المحلي.
ومازال القلق يساور التجار والممولين الأجانب الذين يشيرون الى انخفاض كبير في مخزونات القمح (التي انخفضت الى ما يكفي استهلاك نحو ثلاثة أشهر مقارنة مع سبعة أشهر في أكتوبر)، وكذلك في عدد شحنات الحبوب الى الموانئ المصرية.
ويعتقدون أن هذا دليل على أن الهيئة العامة للسلع التموينية تواجه مشاكل في الحفاظ على مستوى الواردات.
وقال المدير العالمي لتمويل التجارة والسلع الأولية في «رابوبنك» كارل فالكن «هناك قلق مستمر من أن تشكل الاضطرابات السياسية والاقتصادية تحديا أمام الهيئة العامة للسلع التموينية في استيراد القمح».
وشهدت مصر كثيرا من الاحتجاجات المرتبطة بالغذاء، لكنها حافظت على إمدادات الخبز المدعوم الذي يباع بخمسة قروش (أقل من سنت أميركي) خلال الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك في 2011.
ونفى نعماني نعماني النائب السابق لرئيس هيئة السلع التموينية والذي كان حتى الاسبوع الماضي مسؤولا عن ترتيب مشتريات الحكومة المصرية من القمح أن تكون الحكومة قد عجزت عن تقديم التمويل أو الضمانات اللازمة لاستمرار الشحنات.
وقال نعماني الذي يتولى الان منصب مستشار وزير التموين «لم تقلل الدولة قط مدفوعاتها ولم تفشل في تقديم ضمانات مالية».
وأثناء توليه منصب نائب رئيس هيئة السلع التموينية كان نعماني يعتبر أقوى شخصية في سوق القمح العالمية، إذ ان مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم.
وتواجه حكومة الرئيس محمد مرسي مشاكل اقتصادية عسيرة. فقد انخفض الجنيه المصري أكثر من ثمانية في المئة منذ بداية يناير وهوت الاحتياطيات الأجنبية إلى 13.6 مليار دولار في يناير من 36 مليارا قبل تنحي مبارك.
ويشكل هبوط الجنيه ضغطا كبيرا على ميزانية الحكومة اذ يرفع تكلفة الدعم الحكومي للطاقة والغذاء لان معظم المشتريات تتم بالدولار.
وفي الوقت نفسه لم يتم بعد الاتفاق على تفاصيل قرض بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي وتشهد البلاد اضطرابا سياسيا بسبب نزاع بين التيار الإسلامي الحاكم وأحزاب المعارضة في شأن دستور جديد وانتخابات برلمانية من المقرر أن تجرى في أبريل.
إلا أن تجارا من القطاع الخاص يهونون من شأن الحديث عن تعطل التسليمات أو وجود مشاكل في السداد أو عجز حتى الآن.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة «فينوس» المصرية لتجارة الحبوب حسن عبدالفضيل «اذا كنت تسأل عن حدوث أي تأجيل في جداول الشحن نتيجة أداء هيئة السلع التموينية فيما يخص التزاماتها بسبب نقص في العملة الأجنبية فان الإجابة هي لا... حتى الان». وأضاف «من الواضح للعالم كله أن هناك ضغطا على الدولار في مصر لكن الامور تسير بشكل جيد حتى الان».
ومضى يقول «الإمدادات المحلية جيدة سواء على جانب القطاع الخاص أو الهيئة، الناس تتحدث عن نقص في المخزونات... هذا ليس صحيحا... لا في القطاع الخاص ولا لدى الهيئة».
إلا أن الارقام مثيرة للدهشة، فقد اشترت الهيئة 235 ألف طن من القمح منذ الاول من يناير بما يعادل نحو ثلث ما اشترته في الفترة ذاتها قبل عام. كما أن عدد سفن الصب الجاف التي تزيد حمولتها الساكنة على 50 ألف طن (وهي النوع المستخدم عادة في شحن القمح) التي تصل للموانئ المصرية انخفض للغاية.
ودخلت الموانئ المصرية 30 سفينة اجمالا من هذه السفن من الدول الموردة الرئيسية للقمح بين يناير وفبراير. وتظهر بيانات رصد السفن من «اي.اتش.اس فيربلاي» أن العدد انخفض من 59 سفينة في الفترة ذاتها من العام الماضي.
وعادة ما تنفذ مصر مشتريات استراتيجية كي تضمن أن يكون لديها مخزون من القمح يكفي لاستهلاك ستة أشهر على الاقل، لكن الحكومة قالت الاسبوع الماضي ان لديها مخزونا يكفي حتى 29 مايو أي ما يزيد قليلا على ثلاثة أشهر.
وقالت الحكومة ان المخزون سيرتفع لما يكفي استهلاك أربعة أشهر بمقتضى العقود الدولية الحالية، لكن هذا أقل كثيرا من مستويات أكتوبر من العام الماضي حينما كان المخزون يكفي لسبعة أشهر تقريبا.
هذه الارقام تشجع على الاعتقاد بأن نقص الدولار يضطر مصر لخفض الواردات وتعويض العجز من الاحتياطي.
وقال وين بيكون رئيس هامرسميث ماركتنج لتجارة الحبوب التي تعمل مع مستوردين من القطاع الخاص «قمنا ببعض الصفقات هناك في الاسابيع القليلة الماضية ولم نواجه مشكلة كبيرة في ما يتعلق بالسداد لكن زبائننا المعتادين يقولون الآن انهم سيعتمدون على المخزونات المتوافرة لديهم في الفترة القليلة المقبلة». وأضاف «ينتظرون ليروا ان كانوا سيستطيعون الحصول على عملة أجنبية لسداد ثمن ما يشترونه».
وقال نعماني الذي ترك منصبه في هيئة السلع التموينية بعد ترقيته ان اجراءات تعزيز الانتاج المحلي تؤتي ثمارها في وقت صعب بالنسبة للمالية العامة للدولة. وأضاف «لدينا خطط مناسبة. كنا على دراية بالظروف التي تمر بها الدولة وأعددنا قائمة عوامل للاعتماد عليها في تدبير حاجاتنا الضرورية من القمح بما فيها تقديم حوافز وأسعار مغرية للمزارعين المحليين».
وتوقع نعماني أن يرتفع انتاج القمح المحلي «500 ألف طن على الاقل في 2012-2013... ليصل (حجم مشتريات الدولة من الانتاج المحلي) الى 4.2 مليون طن».
وستكون تلك زيادة كبيرة من 2.6 مليون طن في 2010-2011، الا أن الاحتياجات الاجمالية ارتفعت هي الاخرى.
وتستورد مصر نحو نصف احتياجاتها من القمح التي تبلغ 18.8 مليون طن سنوياً، وتنقسم أنشطة الاستيراد مناصفة تقريبا بين مستوردين من القطاع الخاص وهيئة السلع التموينية. وتقدر وزارة الزراعة الاميركية واردات مصر عند 9.5 مليون طن في 2012-2013.
وقال نعماني ان الحكومة خصصت 11 مليار جنيه بالميزانية لشراء القمح المحلي في السنة المالية الحالية بين يوليو تموز ويونيو حزيران.
الا أن الحكومة تواجه نقصا ليس في الدولار فحسب وانما أيضا في العملة المحلية. وبلغ عجز الميزانة في الستة أشهر الاولى من السنة المالية الحالية 5.1 في المئة من الناتج الاقتصادي بزيادة كبيرة عن العام السابق.
وتوقع وزير التخطيط أشرف العربي أن يبلغ العجز عشرة في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في السنة المالية التي تنتهي في يونيو وهو مستوى لا يمكن لمصر أن تتحمله من دون مساعدة خارجية.
وتنعقد آمال القاهرة الان على اتمام اتفاق قرض صندوق النقد الذي تمت الموافقة عليه مبدئيا في نوفمبر لكنه تأجل بسبب عنف في الشوارع في الشهر التالي. وأضاف العربي الذي أقر بأن الاستثمار الاجنبي المباشر في مصر توقف تماما تقريبا أن الحكومة تعتزم دعوة وفد من الصندوق الى القاهرة لاستئناف المحادثات خلال أسبوع.
وتحتاج مصر للاموال بشدة. وشهدت مصر احتجاجات بسبب رفع أسعار المواد الغذائية في 1977 حينما حاولت الدولة خفض الدعم وأدى هبوط الجنيه في 2003 لارتفاع تكلفة دعم الغذاء 40 في المئة. واندلعت احتجاجات مجدداً في 2008 بسبب ارتفاع أسعار الغذاء وتدني الأجور.
وقال بيكون «لا أعتقد أن بامكانهم المخاطرة بخفض برنامج الدعم في الوقت الحالي... سيتعين عليهم ايجاد الاموال لتمويل مشتريات القمح والسكر لان هناك الكثيرين يمكن أن يتسببوا في متاعب كبيرة ما لم يقوموا بذلك».