2024-11-27 10:50 م

الحرب الناشبة ضد فلسطين.. أمريكا شريكة في الإبادة!

بقلم: جميل مطر
من وجهة نظري المتواضعة لن يعود توازن القوة في القمة الدولية إلى ما كان عليه قبل تسعين يوماً، ولن تعود تراتبية المكانة في النظام الإقليمي العربي إلى سابق عهدها، ولن تستعيد الصهيونية بعض وربما أكثر ما فقدته من قدسية ونفوذ في كثير من دول الغرب نتيجة تهور وتعصب سياسيين في إسرائيل، ولن تعود إفريقيا السمراء إلى أوضاع سمحت باستباحة ثرواتها أو مهّدت لإفريقيين أقل سمرة في شمال القارة باحتكار القيادة والتوجيه.

أبدأ بالإعتذار عن قصور في العنوان. فالعنوان حتى يكون دقيقاً كان يجب ألا يُغفل أو يتغافل عن حقيقة أن الحرب الناشبة ضد فلسطين لا بد وأن تمس دولاً في الجوار ودولاً للضرورة التي تفرضها قواعد الاشتباك التقليدية والمتوارثة في هذه المنطقة. بالتالي هي حرب ناشبة بكل أنواع الأسلحة ضد فلسطين وضد جاراتها الأقرب وحتى الأبعد. أيضاً هي حرب كغيرها من الحروب الكبرى في التاريخ، وهي في نظري واحدة من هذا النوع من الحروب؛ حرب كاشفة عن نهاية مرحلة. لا شك أن وجود أمريكا في هذه الحرب كان أحد العناصر اللازمة لتثبيت صفة الحرب الكبرى على عديد الأعمال الهجومية والعدوانية ضد الشعب الفلسطيني خلال الأسابيع الأخيرة. هذا الوجود الأمريكي لم يكن عفوياً وهناك ما يثبت وجود تواطؤ في حال وجدت الحرب طريقها إلى محكمة دولية ذات يوم في المستقبل. تعدّدت أركان هذا التواطؤ، ومنها على سبيل المثال: أولاً؛ نذكر بكثير من الإستغراب والإندهاش ولن نكون آخر المندهشين، نذكر ما نقلته وكالات الأنباء والتصريحات الرسمية عن اشتراك الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن في جلسة لمجلس الحرب الإسرائيلي في الأيام الأولى من نشوب هذه الحرب. كان مبعث الإندهاش أن الرئيس بايدن كان قد اطلع على خطط تُجهّز للتخلص من سكان في قطاع غزة وإجلاء آخرين، وأنه كان قد أعلن قبل أيام أنه صهيوني العقيدة، بمعنى آخر التزم بأن بلاده في عهده شريكٌ متضامنٌ في كل حرب تقرّر إسرائيل شنّها في أي مكان وتحت أي حجة. وهو إلتزام لا يلتزم بمثله تلقائياً أو خارج المواثيق رئيس أمريكي مع دولة عضو في الأحلاف التي أقامتها أمريكا كالناتو وغيره.

ثانياً؛ لم يقتصر الأمر على موقف رئيس الدولة الأمريكية. إذ أن وزير خارجيته أنتوني بلينكن الذي أساء إلى سمعة الدبلوماسية الأمريكية حين تعمد التعريف بنفسه كيهودي الديانة في أول رحلة له إلى إسرائيل بعد نشوب الحرب. أثار هذا الإعلان قلقاً مُبرّراً داخل وزارة الخارجية الأمريكية التي راحت منذ سنوات تعاني من سلوكيات تمييز عرقي وديني، مثلها مثل أجهزة أخرى في الدولة الأمريكية. أعتقد أن هذه المعاناة الساكتة وجدت في شراكة أمريكا في حرب لا إنسانية وربما عرقية في أحد أهدافها دافعاً للتصريح علناً بهذه المعاناة. ثم وجدت ما يُشجعها في قرار وزير الخارجية غير المسبوق ـ حسب ما سمعنا ـ إرسال أسلحة إلى إسرائيل من دون العودة إلى الكونجرس وبعيداً عن وعي الرأي العام الأمريكي. ربما فات على الوزير بلينكن أن دولاً في أوروبا وخارجها سوف تُفسّر هذا القرار بأنه أزاح أوكرانيا من موقع الأسبقية في اهتمامات الحلف الغربي لصالح حرب إسرائيل ضد فلسطين.

ثالثاً؛ بهذا المعنى وبهذه التصرفات صارت الولايات المتحدة في نظر التاريخ طرفاً في أحدث عملية إبادة بشرية. الأهم من وجهة نظري أن الولايات المتحدة أراها من موقعي تتخلى طوعياً، وفي إحدى أشد مراحلها، حرجاً عن دور هو الأسمى في تاريخ العلاقات الدولية منذ أقدم العصور، أراها وهي في مرحلة انحدار لا شك فيه وصعوبات داخلية راهنة ومتوقعة لا قبل لها بمثلها، أراها بسلوكيات مضطربة ومستوى يزداد تدنياً لمرشحي الرئاسة في الانتخابات المقبلة، ومثال على هذا المستوى المرشحة الهندية الأصل ورئيسة بعثة أمريكا إلى الأمم المتحدة سابقاً نيكي هالي، رأيناها، وأقصد أمريكا، في تجارب فشل مذهلة في أفغانستان والعراق وفيتنام، ونراها تتخلى عن وظيفة صانعة وراعية مرحلة هي الأطول بين مختلف مراحل “السلم الدولي”، مرحلة “السلم الأمريكي” (Pax Americana).

رابعاً؛ أتصور، للأسف، أن أمريكا باشتراكها في حرب تشنّها وتقودها فعلياً إسرائيل أساءت إساءة بالغة إلى سمعتها ومكانتها. صارت على المحك “إنسانية” أمريكا وديموقراطيتها، وبخاصة بعد التعتيم على قرار تزويد إسرائيل بأسلحة في غمار حملة إبادة صريحة ومتعمدة. أيضاً صار يقيناً شكُ دول الجنوب في انتهاج واشنطن سياسة القيم المزدوجة. لم يمر علينا مرور الكرام قرار حكومة جنوب إفريقيا اللجوء إلى محكمة دولية شاكية أعمال الإبادة الجارية في فلسطين. هذا القرار يعني في نظرنا أن إفريقيا جديدة تحاول إثبات وجودها واستعادة حقوقها المنهوبة والتمرد على تقاليد الهيمنة. ليست إفريقيا وحدها بل نرى حركة غير عادية في أمريكا الجنوبية وبخاصة في المكسيك والبرازيل. بمعنى آخر نرى عالم الجنوب ينهض. ينهض معه وللغرابة الشديدة شباب في مختلف أنحاء العالم متآلف مع شعوب الجنوب وإن عن بعد. الاستثناء الباحث عن دراسة تُفسّر وتُحلّل ولا تُعذر أو تُبرّر هو حال العالم العربي نظاماً إقليمياً رسمياً أو حالة أمة وشعوباً مرهقة ولكن بوعي جديد في طور النهوض وقبلها الاستفاقة.

قبل يومين كانت بداية العام الجديد (2024). أول أيام العام الجديد يعني السؤال المتكرر في اليوم الأول من كل عام عن الاستمرار والتغيير في توجهات العام المنفرط. هل يستمر السلم الأمريكي في تدحرجه بعيداً عن الأهداف الإنسانية والديموقراطية ومقترباً من أساليب فاشية ووحشية ومدافعاً عن تفوق عنصر أو عرق بعينه؟ وهل تستمر الصين وروسيا وكوريا الشمالية، لسنوات قادمة وليس فقط في العام الذي بدأ، منشغلة بتعظيم قوتها المادية والعسكرية ومنتهزة فرصة انشغال أمريكا بتحقيق أهداف إسرائيل التوسعية، وكلٌ من هذه الدول الثلاث مستفيدة من استمرار انحدار المكانة الأخلاقية للقطب الأوحد الأمريكي ومن نهوض عالم الجنوب والتوسع المستمر في تجمع “البريكس”؟ وهل يستمر النظام العربي في العام الجديد في سعيه ابتكار مظلة شرق أوسطية أو إسلامية أو أفروآسيوية يحتمي بها أو يكتسب بها عزوة خلال فترة الاستفاقة أو خلال فترة استئناف مسيرات البحث عن الذات أو خلال فترة إعادة ترتيب البيت العربي، كل فترة على حدة أو كلها مجتمعة في مرحلة واحدة؟.

المصدر: ١٨٠ بوست