2024-11-24 07:37 م

اغتيال العاروري.. تطور نوعي في المواجهة واختبار حرج لـ”حزب الله”

تخيم حالة من الترقب على أجواء لبنان وغزة والمنطقة بأكملها في أعقاب جريمة اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، واثنين من قادة “كتائب القسام” الجناح العسكري للحركة (سمير فندي وعزام الأقرع)، و4 آخرين من كوادرها (محمود شاهين ومحمد بشاشة ومحمد الريس وأحمد حمود) إثر غارة جوية استهدفت مقرًا للحركة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.

وكانت طائرة مسيرة استهدفت مساء الثلاثاء 2 يناير/كانون الثاني الحاليّ، بثلاثة صواريخ تم تصويبها بدقة، مقرًا للحركة في الضاحية كان يعقد فيه اجتماع، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 11 آخرين، بجانب استهداف سيارة كانت في المكان، بحسب وكالة الإعلام اللبنانية الرسمية.

تأتي تلك العملية بعد قرابة 3 أشهر كاملة فشل فيها الاحتلال في تحقيق أي انتصار ميداني في مواجهة المقاومة التي كبدته خسائر فادحة، فيما كانت حكومة الكابينت برئاسة بنيامين نتنياهو تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية ومن ثم تبحث عن انتصار بأي ثمن يعيد لها التوازن مرة أخرى وينزع السيف من فوق رقبتها.

تطور نوعي وخرق لقواعد الاشتباك
تمثل العملية بتفاصيلها المعلنة تطورًا كبيرًا في مسار المعركة بين دولة الاحتلال ومحور المقاومة، فهي المرة الأولى منذ عام 2006 التي تستهدف فيها “إسرائيل” المنطقة الأكثر نفوذًا لـ”حزب الله” ومعقله الأساسي في الجنوب اللبناني، والخاضعة لسيطرته الأمنية والإدارية.

كما أن استهداف شخصية بحجم العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت رسالة شديدة اللهجة تبعث بها الاستخبارات الإسرائيلية لحزب الله وقياداته، في ظل المعارك الدائرة بين الطرفين منذ 8 أكتوبر/تشرين الماضي، التي تتأرجح بين التصعيد والتهدئة خلال تلك الفترة وسط سجالات وتهديدات متبادلة لا تتوقف.

ويكسر هذا الاستهداف قواعد الاشتباك التقليدية بين الحزب تحديدًا ومحور المقاومة عمومًا من جانب، والكيان المحتل من جانب آخر، خاصة بعد تحذير حسن نصر الله في 28 أغسطس/آب الماضي من أنّ “أيّ اغتيال على الأرض اللبنانية يطال لبنانيًا أو فلسطينيًا أو سوريًا أو إيرانيًا أو غيرهم، سيكون له رد الفعل القوي، ولن نسمح أن تُفتح ساحة لبنان للاغتيالات”.

الاحتلال بين الصمت والاحتفاء
حتى الساعة لم يعلن الاحتلال مسؤوليته رسميًا عن تلك العملية رغم أهميتها ودقتها، فيما أصدر مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تعليماته إلى أعضاء الحكومة وكبار الجنرالات بعدم التعليق على هذا الحادث، كما أمر ت المتحدثة باسم الليكود أعضاء الكنيست عن الحزب بعدم إجراء مقابلات دون موافقة مسبقة خلال الـ24 ساعة المقبلة أو حتى إشعار آخر.

لكن يبدو أن وقع العملية وأهميتها حال دون التزام بعض أعضاء الكنيست بذلك، حيث انهالت التعليقات التي تشير ضمنيًا إلى مسؤولية الاحتلال عنها، رغم عدم الاعتراف بذلك رسميًا، بجانب عبارات الاحتفاء والتشفي الصادرة على لسان النخبة السياسية لدولة الاحتلال.

وعلى صفحته على منصة “إكس” كتب عضو الكنيست عن حزب الليكود، وعضو لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، داني دانون، قائلًا: “أهنئ الجيش الإسرائيلي، الشاباك، الموساد وقوات الأمن على اغتيال المسؤول الكبير في حماس صلاح العاروري في بيروت. على كل من شارك في مجزرة 7 أكتوبر أن يعلم أننا سنصل إليهم وسنحاسبهم”.

أما البرلمانية عن تحالف “الصهيونية الدينية”، ميخال فالديجر، فتحدثت بشكل أكثر وضوحًا عن تورط الاحتلال في تلك العملية حين غردت قائلة: “لقد تلقى الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن أمرًا، ولم يرتاحوا للحظة واحدة. كل الملعونين سيكون مصيرهم الموت، إسرائيل لا تنسى”، وهو المعنى ذاته الذي أشار إليه وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، حين كتب قبل أيام يقول: “نعم، كل أعدائكم يا إسرائيل سيهلكون”، وهو الموقف الذي أيده فيه وزير “الشتات” عميحاي شكلي، في تغريدته التي قال فيها: “سألاحق أعدائي وأقضي عليهم ولن أعود حتى يقضوا جميعًا”.

ترقب أمريكي
لم تعلق واشنطن على اغتيال العاروري حتى الآن، ملتزمة الصمت بصورة أثارت الكثير من التساؤلات، فيما تضاربت التقارير الصادرة عن وسائل الإعلام الأمريكية والعبرية بهذا الشأن، ففي الوقت الذي تؤكد فيه الصحف العبرية إخبار حكومة الاحتلال للإدارة الأمريكية بالعملية، ينفي الإعلام الأمريكي ذلك.

من الصعب أن يُقدم الاحتلال على عملية بهذا الحجم وخارج نطاق غزة وفي قلب دولة أخرى دون الحصول على الضوء الأخضر من الحليف الأمريكي، أو على الأقل إخباره بما سيتم وإن لم يكن بالشكل التفصيلي الذي تمت به الجريمة.

بطبيعة الحال وبمنطق برغماتي بحت فإن واشنطن لا تريد أن تدخل في تجاذبات إقليمية ربما تهدد مصالحها في حال فتح جبهات جديدة بالحرب، كما أن عملية كهذه من الممكن أن يكون لها ارتداداتها على علاقات أمريكا بلبنان ودول المنطقة.

ومن ثم تحاول واشنطن النأي بنفسها عما حدث مؤقتًا، لحين استشراف المشهد وتقييم رد الفعل سواء من جانب حزب الله أم حركة حماس، وحينها سيكون الرد بالشكل الذي تحاول من خلاله أمريكا تبريد الأجواء وتجنيب تصعيدها وامتصاص الغضب اللبناني الفلسطيني.

وفي الناحية المقابلة يتوقع أن تبذل حكومة الاحتلال جهودها المعهودة لإقناع الأمريكان بأن اغتيال العاروري إنما هو ضمن قواعد الاشتباك المعمول به وأنها تتحرك وفق أجندة دقيقة ولا تنتوي التصعيد، كما حدث مع استهداف المشافي والمدارس ومراكز الإيواء في قطاع غزة.

تصعيد ممنهج
“من الواضح أن “إسرائيل” اتخذت قرارًا بتصعيد وتيرة الهجمات ضد فصائل محور الممانعة، فهذا الاستهداف هو الثاني من نوعه بعد اغتيال المسؤول بالحرس الثوري الإيراني في دمشق، رضي موسوي الأسبوع الماضي” (25 ديسمبر/كانون الأول 2023)”، هكذا علق المحلل السياسي طوني بولس على عملية العاروري في تصريحاته لـ”الأناضول“.

ويرى بولس أن عملية 2 يناير/كانون الثاني الحاليّ تعتبر أعنف استهداف في العمق اللبناني منذ حرب 2006، وهو ما يعني أن تل أبيب لم يعد لديها خطوط حمراء تجاه مواجهة إيران إقليميًا، ما ينذر باستهدافات أكبر على حد قوله، لافتًا إلى أن “اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، وضع حزب الله أمام مفترق خطير جدًا”.

وشهدت الأيام الماضية تحرشات إقليمية وتجاذبات سياسية وإعلامية بين دولة الاحتلال وفصائل محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق وسوريا، فضلًا عن التوتر في البحر الأحمر، وسط قلق من تدحرج كرة اللهيب بما يوسع الصراع ويخرجه عن نطاقه الضيق.

في خدمة أهداف نتنياهو وحكومة الحرب
لا يمكن قراءة تلك العملية النوعية بمعزل عن تطورات المشهد القتالي في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى اليوم، حيث فشل الاحتلال في تحقيق أي من الأهداف المعلنة سابقًا، فيما مني جيشه بخسائر فادحة – لم يعرفها منذ احتلاله للأراضي الفلسطينية – على أيدي المقاومة التي نجحت على مدار أشهر الحرب الثلاث في إجهاض مخططات المحتل كافة.

وبالتوازي مع هذا الفشل تصاعد الخطاب الداخلي الناقم على سياسات حكومة الحرب، حيث تعالت الأصوات التي تنادي بإقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، فيما شكلت عائلات أسر الضحايا ضغوطًا داخلية قوية على نتنياهو ووزير دفاعه وبقية جنرالات الكابينت.

وبات يقينًا لدى نتنياهو ورفقائه أن نهاية الحرب تعني معها نهاية مستقبلهم السياسي، وربما الزج بهم خلف السجون بتهم الفساد والفشل السياسي والعسكري، ومن ثم فإن إطالة أمد الحرب وتوسيع دائرتها ربما يؤجل تلك النهاية السياسية ويمنحه فرصة لتحقيق أي انتصار يضمن به حريته بعيدًا عن جدران السجون.

ورغم الضغوط التي مارسها حلفاء تل أبيب لتجنيب توسيع دائرة الحرب حفاظًا على مصالحها، يبدو أن نتنياهو لم يصغ لذلك، محاولًا الانتصار لأهدافه ومصالحه الخاصة في إشعال المنطقة لإطالة أمد المعركة بما يضمن بقاءه في منصبه لأطول فترة ممكنة، وعليه تأتي تلك العملية التي يسعى من خلالها نتنياهو للبحث عن انتصار مؤقت يداري به فشل الأشهر الثلاث الماضية، ويعزز نسبيًا من شعبيته المتراجعة داخليًا.

تساؤلات حرجة
منذ الإعلان رسميًا عن العملية أطلت حزمة من علامات الاستفهام برأسها على منصات التواصل الاجتماعي متسائلة عن كيفية وصول الاحتلال إلى مقر العاروري ورفاقه، لا سيما أن عملية الاستهداف جاءت بدقة عالية في التصويب، إذ أصابت الشقة التي كانوا بها دون غيرها من الشقق في المبنى بصفة إجمالية.

التساؤل هنا وبعيدًا عن هوية من رددوه يلمح بشكل واضح إلى تواطؤ حزب الله مع الاحتلال والإبلاغ عن مكان وجود القيادي الفلسطيني في الضاحية، وهو الخيط الذي يتحفظ عليه البعض كونه يؤدي إلى زرع الشكوك والفتنة بين ما يعرف بمحور المقاومة.

الصحفي الأردني ياسر أبو هلاله، يعارض هذا الطرح مستندًا إلى ثلاثة مؤشرات في صيغات استفهامية: الأول: هل وجد العاروري بلدًا عربيًا أو إسلاميًا يستقبله ويفتح له مراكز التجنيد والتدريب والتصنيع و…؟  لافتًا إلى أن “المكان الوحيد الذي اتسع له هو الضاحية، طبعًا توجد بلدان استقبلته زائرًا مرحبًا به، أقصد هنا استقباله مع نشاطه العسكري”.

الثاني: اغتالت “إسرائيل” قادة حزب الله، وعلى رأسهم المؤسس عباس الموسوي، وبعده عماد مغنية وغيرهما، هل كانوا متواطئين؟ الثالث: في قلب غزة اغتال العدو قادة حماس من الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي والغندور.. هل كانت حماس متواطئة؟

وخلص أبو هلاله إلى أن “من يخوض معركة كبرى مع عدو بحجم الصهيونية وامتداداتها، عليه أن يبحث عن حلفاء وأصدقاء لا صناعة أعداء”، في إشارة إلى ضرورة تفويت الفرصة على الاحتلال في الإيقاع بين حماس وحزب الله في معركتهما ضد الاحتلال بعيدًا عن أي خلافات أخرى.

هل بدأت المرحلة الثالثة من الحرب؟
كثرت التصريحات الإسرائيلية مؤخرًا عن الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، كإستراتيجية للهروب من فخ المعركة البرية التي فشل فيها جيش الاحتلال في تحقيق أي منجز ميداني، وتتضمن تلك المرحلة تقليص الوجود العسكري وتبني عمليات نوعية بعيدًا عن المواجهة المباشرة.

ويمثل استهداف قادة المقاومة أحد أبرز محاور تلك المرحلة، في محاولة لتحقيق ما لم يتحقق بالحرب المباشرة، وهي السياسة التي طالما رددها قادة الاحتلال وطالب بها جنرالاته، بل وحاول تقديم رشاوى ومغريات مادية للفلسطينيين للإبلاغ عن أماكن وجود قادة القسام وحماس والجهاد نظير مبالغ مالية كبيرة، شارك في هذا الأمر الأمريكان والإسرائيليون على حد سواء.

وتمثل عملية اغتيال العاروري ترجمة عملية لتلك المرحلة الجديدة، يتزامن ذلك مع إعلان تركيا عن توقيفها 33 شخصًا يشتبه في قيامهم بمهام تجسس دولية لصالح الموساد الإسرائيلي بهدف استهداف شخصيات أجنبية داخل تركيا، في مقدمتهم قادة المقاومة الفلسطينية.

وكان الرئيس التركي قد حذر الشهر الماضي من العواقب الناجمة عن ملاحقة عناصر من حماس داخل تركيا، معتبرًا أن ذلك خطرًا جسيمًا سيكون له ارتدادات وخيمة، وذلك ردًا على تصريحات رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) رونين بار، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأن دولة الاحتلال ستلاحق قادة حركة حماس في كل من لبنان وتركيا وقطر، حتى لو استغرق هذا الأمر سنوات.

ويتوقع خلال الفترة القادمة أن تكون هناك محاولات عدة لاستهداف قيادات المقاومة الفلسطينية في الخارج، كونه الانتصار الوحيد الذي يمكن للاحتلال إنجازه حاليًا، وهو التحول النوعي الذي قد يشكل قفزة كبيرة في مسار الحرب، ويخرجها بشكل كبير عن سياقها وقواعدها التقليدية، يتوقف ذلك على رد الفعل المتوقع إزاء تلك العمليات من فصائل المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة العربية بصفة عامة.

الرد.. بين الثأر والمقاربات
يترقب الجميع الآن المشهد في بيروت وغزة ومعها بعض العواصم التي تقوم بدور الوساطة كالقاهرة والدوحة، فضلًا عن طهران الداعم الأبرز لحزب الله الذي نفذت العملية في معقل سيطرته، للوقوف على رد الفعل المتوقع إزاء تلك العملية النوعية الخطيرة، الذي يتوقع الكثير أن يكون لها ارتدادات كبيرة.

البداية كانت بتجميد الاتصالات بين حماس وحكومة الاحتلال بشأن أي هدن أو صفقات تبادل أسرى، وفق ما طلبت الحركة من الوسطاء، حسبما أفادت هيئة البث الإسرائيلية، كما أبلغت القاهرة مسؤولي حكومة نتنياهو بتعليق مشاركتها في الوساطة بين الاحتلال وفصائل المقاومة، ردًا على جريمة الاغتيال.

فيما يتعلق بحماس فيتوقع مزيد من عمليات المقاومة في قطاع غزة، وتكبيد جيش الاحتلال المزيد من الخسائر، وتكثيف استهداف الداخل الإسرائيلي ثأرًا للعاروري، وهو السيناريو الذي بدأت حكومة الاحتلال في التعامل معه بإعلان حالة الطوارئ وإبلاغ أجهزة الأمن بتوخي الحذر والاستعداد المشدد، فيما وجهت إنذارات وتحذيرات لمواطني الاحتلال بالتزام الملاجئ والابتعاد عن المناطق القريبة من غلاف غزة.

أما على مستوى حزب الله فالأمر له عدة مقاربات، فالحزب منذ بداية الحرب تجنب الانخراط بشكل مباشر في المعركة، مكتفيًا بالمناوشات الحدودية بين الحين والآخر التي خالفت بشكل كبير توقعات كثير من المراقبين الذين توقعوا أن يكون الحزب هو الجبهة الأكثر اشتعالًا بحكم ترسانته العسكرية والتسليحية الضخمة، وسقف تصريحاته قبل الحرب.

وحاول الحزب ومن خلفه طهران، الداعم الأبرز له، من خلال تلك المقاربة تحاشي توسيع دائرة الحرب وإشعال المنطقة، والولوج في مواجهات ربما تهدد مصالح إيران إقليميًا، وتُفسد عليها خططها وتحركاتها بشأن قواعد الاشتباك مع الولايات المتحدة وتعزيز حضورها الإقليمي خلال السنوات الأخيرة.

غير أن اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت رسالة خطيرة ربما تضع سمعة الحزب على المحك، وتشكك في قدراته التي يتفاخر بها بين الحين والآخر، وربما يكون ذلك “بروفة” لاستهداف مناطق النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، خاصة أن طهران لم ترد حتى الآن على مقتل رضي موسوي في سوريا، وهو ما جرأ الاحتلال على الإقدام على تلك العملية في عقر دار النفوذ الإيراني لبنانيًا.

اختبار صعب يجد حزب الله فيه نفسه بتلك العملية التي تطرح تساؤلًا حرجًا: هل يلتزم نصر الله بما قاله في 28 أغسطس/آب  حين حذر من أن “أيّ اغتيال على الأرض اللبنانية يطال لبنانيًا أو فلسطينيًا أو سوريًا أو إيرانيًا أو غيرهم، سيكون له رد الفعل القوي”، أم ينصاع لمقاربات تجنب إشعال المنطقة والاكتفاء بالمناوشات التي يقوم بها على الحدود مع دولة الاحتلال منذ 8 أكتوبر/تشرين الماضي؟

وفوق كل ذلك لا شك أن أمريكا وشركاءها في المنطقة سيحاولون – كالعادة – بشكل جدي امتصاص حالة الغضب في أسرع وقت، وممارسة الضغوط الدبلوماسية على فصائل المقاومة، من أجل حماية حليفهم الإسرائيلي من تصعيد يضع المنطقة كلها فوق فوهة بركان، حتى لو كان المقابل تهدئة نوعية في مجريات الحرب في غزة.

وفق أبجديات المشهد الحاليّ يمكن القول إن اغتيال العاروري بقدر ما هو أمر مؤلم فلسطينيًا، إلا أنه يكشف بشكل كبير أن المقاومة قيادة وأفرادًا على قلب رجل واحد، وأن الجميع مشاريع شهادة في معركة التحرير، بينما تكتظ قوائم الشهداء بالقيادات والأفراد والعناصر دون تفرقة أو استثناءات، بما يفند أكاذيب وادعاءات خصوم المقاومة بأن القيادات بمعزل عن الخطر وأنهم يدفعون بالعناصر المقاتلة للحرب نيابة عنهم.

وليس هناك أدل على تلك الغاية مما قاله العاروري نفسه قبل اغتياله بفترة قصيرة في أحد لقاءاته المتلفزة حين قال: “أنا عمري ما توقعت أن أبلغ هذا العمر أصلًا، نحن في الوقت بدل الضائع، ليس هناك من شيء يهددونا به، ثم إحنا الحمدلله ناس مؤمنين ونعتبر أن الشهادة ولقاء الله هو الفوز العظيم الذي نتمنى أن تُختم لنا به الحياة”.

المصدر: نون بوست