2024-11-30 11:35 م

مصر بين الظاهر بيبرس وفاتن حمامة

بقلم: نبيه البرجي
كنا قد استعدنا ما كتبته "الايكونوميست"، في آب 1947، "حين تزهو مصر، يزهو العالم العربي، وحين تذوي مصر يذوي العالم العربي". ألهذا تتعامل القوى العظمى مع العرب كجثث مع وقف التنفيذ؟

هذه مصر اخناتون، ورعمسيس، وصولاً الى الظاهر بيبرس، ثم محمد علي باشا، وسعد زغلول، وجمال عبد الناصر. منذ طفولتنا ونحن نقرأ لكتّاب مصر. وكان أصحاب الدكاكين في قريتنا (وقد شاءت "دولة لبنان الكبير" ابقاءها على تخوم العصر الحجري)، يقتطعون صورأ من المجلات المصرية ويلصقونها على الجدران. بعض المنازل احتفظت بصور الملك فاروق لأن أصحاب هذه المنازل لم يكونوا قد سمعوا بالجنرال غورو.

من منا، كصحافيين، لم يقرأ بشغف محمد حسنين هيكل الذي لدى زيارتي له قال لي "كن أنت... أنت فقط!"

شخصياً أول فيلم عربي شاهدته كان لمديحة يسري قبل أن نكتشف الأهوال في شفتي بريجيت باردو، وفي ساقي مارلين مونرو. هكذا نحن، في هذا الشرق، تفاعلنا الى أقصى الحدود مع ثقافات الغرب، لنفاجأ بذلك الطراز من المومياءات التي فرضها علينا الغرب (نحن التركة العثمانية) لنبقى على قارعة الزمن.

واذا كنت، شخصياً أيضاً، قد تأثرت بالثقافة الفرنسية، ولا أزال مديناً لها، فقد بقيت على تواصل مع الكتابات، بل مع الابداعات، المصرية. وحين زرت القاهرة، للمرة الأولى، شعرت كما لو أنها قريتي، وهي المدينة التي بنيت على الطراز الباريسي، برغبة من الخديوي اسماعيل الذي اذ حضر "اكسبو 1867" طلب من نابليون الثالث ايفاد البارون هوسمان الى القاهرة لتصميم أبنيتها، تماماً بمواصفات الأبنية الباريسية.

ولكن متى كان للحكومات الغربية أن تتعامل مع العرب ككائنات بشرية (لا كعباءات فارغة). مثلما تواطأ الأوروبيون مع العثمانيين لضرب محمد علي باشا، تواطأ الأميركيون مع العرب، والاسرائيليين (ألا يقول "ميثاق ابراهيم" أبناءعمنا الاسرائيليون)، لضرب جمال عبد الناصر لتكون اتفاقية كمب ديفيد مدخلاً الى سنوات العار. أنظروا أين العرب في غزة، وفي الضفة. أحدهم، وقد بتر ساعده بشظية اسرائيلية، صاح "أين سيوف العرب ؟". لم يجد أحداً يقول له لقد سقطت على أبواب ايفانكا (لعلها شهرزاد هذا الزمان)...

السؤال الأهم "أين مصر؟"، وقد تغاضت عن التراجيديا الليبية، وعن التراجيديا السودانية. دولتان عربيتان يمزقهما الغرب، بالشراكة مع قيادات على شاكلة السلاحف البشرية. وها هي لا تستطيع أن تفتح أبواب رفح لعبور الخبز الى الجوعى، والأدوية الى الجرحى، وقد تركوا جميعاً في العراء. كلنا ـ كعرب ـ في العراء.

كل ما فعله سامح شكري أنه أتهم اسرائيل بارتكاب "جريمة مكتملة الأركان" (لاحظوا البلاغة اللغوية). أيها الجار العزيز. وأيها الشقيق العزيز، هل هذا كلام دولة هي "أم الدنيا"، بمئات الطائرات، وآلاف الدبابات، ومئات آلاف الجنود؟

لا نطلب المواجهة مع "اسرائيل"، ونعرف ما النتيجة، ولكن، على الأقل، تلويح بتمزيق الاتفاقية التي دمرت دور مصر، بل ودمرت العرب. اذاً، ديبلوماسية فاتن حمامة بدل ديبلوماسية الظاهر بيبرس، وفد دحر المغول في عين جالوت. عين جالوت الفلسطينية يا سيادة الوزير.

حين تفقد مصر دورها تفقد هويتها، وتفقد شخصيتها (لمن قرأ "عبقرية المكان" لجمال حمدان). تلك السياسات الشاحبة، على شاكلة الأبنية الشاحبة في القاهرة (خلافاً للأبنية الباريسية التي بقيت على رونقها)، ألا تهدد مستقبل مصر، ووجود مصر، حين يكون العجز حتى عن حماية النيل أمام الأثيوبي آبي أحمد الذي لم يكترث لا بالتهديدات (وأين تهديدات؟) ولا بالمناشدات التي بلغت حد التوسل أمام رجل بكل غطرسة يهوذا في مملكة يهوذا ؟

لن يكون هناك عرب اذا لم تكن هناك مصر. ولسوف نبقى نراهن، ونحن في القاع، على بهية، وعيون بهية، لأن دولة بذلك التاريخ لا يمكن أن تظل في غيبوبة أبدية، بعدما قال آرييل شارون عند فضيحة الدفرسوار (1973) "ها ان موسى يكسر بعصاه أنف الفرعون".

أنوفنا كلنا محطمة. كفانا موتاً في الماضي. هل يعرف المصريون، وهل يعرف العرب، أي مستقبل ينتظرهم، اذا لم يصنعوا هم المستقبل بأيديهم؟ أيدينا المحطمة...