2024-11-24 12:51 م

دعم مالي دولي جديد للسيسي بعد فوزه بولاية ثالثة.. ما علاقته بالعدوان على غزة؟

يبدو أن مصر على موعد مع الحصول على تمويل مالي دولي جديد، في دعم دولي هو الأول لحكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بعد أيام من فوزه بولاية رئاسية جديدة؛ ما يدفع للتساؤل عن الثمن المفترض أن تدفعه القاهرة لقاء هذا التسهيل، ومدى ارتباط الأمر بالعدوان على قطاع غزة، والأدوار الدولية المطلوبة، لقاء هذا التمويل.

والأربعاء، أعلنت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، عن اقتراب القاهرة من التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي لتوسيع برنامج التمويل والإنقاذ المالي إلى 6 مليار دولار من 3 مليارات جرى الاتفاق عليها نهاية العام الماضي، وذلك بالإضافة إلى تمويلات أخرى قادمة من شركاء آخرين.

وأشارت إلى أن حكومة السيسي، سوف تحصل على مزيد من الأموال من حلفائها الخليجيين، وفي أوروبا وأمريكا، مع وضع مصر بمركز الصدارة من الناحية الجيوسياسية، وتحولها إلى بوابة لاستقبال المساعدات نحو قطاع غزة المحاصر، وسط حرب إسرائيل مع المقاومة الفلسطينية بقيادة "حماس".
اقرأ أيضا:

البنك المركزي المصري يبقي على أسعار الفائدة دون تغيير

وتواجه مصر أزمة شح دولار دفعتها لتخفيض عملتها 3 مرات من آذار/ مارس 2022 إلى كانون الثاني/ يناير 2023، ما أدى لتراجع قيمة الجنيه من 15.70 إلى 50.50 جنيها للدولار بالسوق الموازية، مقابل نحو 30.95 جنيها بالسوق الرسمية.

وسجل الدين الخارجي لمصر بنهاية العام المالي الماضي 2022/ 2023 نحو 164.7 مليار دولار، فيما ارتفعت التزامات مصر لسداد أقساط الدين الخارجي والفوائد المستحقة في عام 2024 إلى 42.3 مليار دولار، وفقا للبنك المركزي المصري.

"تساؤلات لافتة"

ووفق مراقبين، فإن المثير هنا نقطتان، الأولى؛ أن هذا الدعم يأتي للسيسي مع الفوز بولايته الثالثة لحكم أكبر بلد عربي 6 سنوات قادمة، وهو ما يدفع للتساؤل حول مدى وجود توجه دولي لإنقاذ حكومة السيسي من أزماتها المالية والاقتصادية بهذا المبلغ، أو على الأقل تأخير سقوط الاقتصاد المتداعي بفعل الديون والأزمات الهيكلية المزمنة.

وهو التساؤل الذي يعضده قول الوكالة؛ إن ذلك التمويل "سيكون بمنزلة دفعة للسيسي، الذي أعيد انتخابه، حتى عام 2030، مشيرة لمواجهة المشير السابق، أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ عقود، ملمحة لتراجع قيمة العملة المحلية التي وصفتها بـ"الضعيفة"، إلى 50 جنيها مقابل الدولار بالسوق السوداء مقارنة بالسعر الرسمي عند 31 جنيها للدولار.

والنقطة الثانية: هي أن توجه الصندوق بزيادة التمويل المالي للقاهرة ومنحها قرضا جديدا، يأتي بعد نحو عام من مماطلة الصندوق في منح مصر الدفعة الثانية من قرض المليارات الثلاثة، وتأخير مراجعة الصندوق للاقتصاد المصري.

وخلال العام المنصرم، توقف صرف الشريحة الثانية والثالثة من حزمة الدعم المالي من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار، التي تم توقيع الاتفاق بشأنها في كانون الول/ ديسمبر 2022، بعد أن تخلفت مصر عن الوفاء بتعهد الانتقال إلى سعر صرف مرن، وتقليص دور الدولة والجيش في الاقتصاد، بحسب رويترز.

وهو ما يدعو للتساؤل: هل تنازل صندوق النقد الدولي عن شروطه السابقة لحصول مصر على القروض، وبينها بيع الشركات العامة، وتقليل حصة الجيش في الاقتصاد، وتعويم العملة المحلية مجددا، وتوسيع أعمال القطاع الخاص؟

وجدير بالذكر، أن الحديث عن رفع قيمة قرض صندوق النقد دعما لحكومة السيسي، يأتي قبل ساعات من إعلان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن استمرار برنامج الخصخصة، مؤكدا أن هناك" 4 قطاعات ستكون لها الأولوية في برنامج الطروحات، وهي "المطارات، والاتصالات، والبنوك، والتأمين".

كما أشار مدبولي، عقب اجتماع الحكومة الأربعاء، إلى أنه تم الاتفاق مع "مؤسسة التمويل الدولية" على إمكانية طرح حصص من 50 شركة حكومية، مبينا أن صندوق الثروة السيادي يوقع صفقة لبيع حصة في 7 فنادق شهيرة وتراثية مع مجموعة هشام طلعت مصطفى.

ما يشير لاستمرار توجه الحكومة المصرية نحو بيع الأصول العامة والمتضمنة بتعليمات الصندوق.

"سيل تمويل.. فما الثمن؟"

وهنا يبدو منطقيا، التساؤل، عن الثمن الذي من المفترض أن تدفعه مصر لقاء هذا التسهيل، ومدى ارتباط الأمر بملف الحرب في غزة والأدوار الدولية المطلوبة من مصر؟

ومنذ عملية المقاومة الفلسطينية "طوفان الأقصى"، بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي في 7 تشرين الأول / أكتوبر الماضي، يتوالى الإعلان عن عمليات دعم مالي دولي كبير لمصر من صندوق النقد الدولي، ومن الاتحاد الأوروبي، ومن أكبر بنوك أفريقيا خلال 3 أيام، وذلك بالتزامن مع ما يجري من حرب إبادة جماعية تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة، ودعوات لتهجير الغزيين إلى سيناء المصرية.

وفي 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا؛ إن الصندوق "يدرس بجدية" زيادة محتملة لبرنامج القروض لمصر البالغ 3 مليارات دولار؛ نتيجة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن حرب إسرائيل على غزة.

وذلك برغم ما شهدته مباحثات الصندوق والقاهرة من تعثر منذ الربع الأخير في 2022، بشأن قرض 3 مليارات دولار.

وفي اليوم التالي، قالت وكالة "بلومبيرغ"؛ إن الاتحاد الأوروبي يسرع وتيرة جهوده لمساعدة مصر على التعامل مع تداعيات الصراع في غزة، وتقديم مبلغ 9 مليارات يورو (9.8 مليار دولار)، لحكومة السيسي، الذي يؤدي دورا تثمنه أوروبا في ملف الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة.

وقبلها أيضا، جرى الإعلان عن مزيد من التمويل من بنك التصدير والاستيراد الأفريقي (أفريكسيم بنك) بتقديم تسهيلات ائتمانية بقيمة 11 مليار دولار لعدد من الشركات المصرية، حسب رئيس قطاع تمويل التجارة والاستثمار في البنك، أيمن الزغبي، لـ "سي إن بي سي عربية ".

"تمويل سياسي"

وفي إجابته على تساؤلات "عربي21"، قال السياسي المصري، مجدي حمدان موسى: "لا أعتقد أن صندوق النقد الدولي، قد يتنازل عن شروطه المعلنة لحكومة المصرية؛ لأننا نعلم جميعا من أين يأتي تمويله، والجهات التي تقوم على إسناده، وحصته الكبيرة من أين تأتي".

القيادي في الحركة المدنية المصرية، أضاف: "ولذا، أعتقد أن التلاعب السياسي بالصندوق وقراراته، وخاصة من الدول الممولة والداعمة له وصاحبة النصيب الأكبر من تمويله، هي من توجه الصندوق، إذا كان سيعطي لمصر تمويلا وبأية شروط، أو سترفض منحه من عدمه".

وأكد أن "الموضوع غير مرتبط بالاقتصاد؛ لأن وزير المالية المصري محمد معيط، كان قد تحدث عن أن كلفة القروض الخارجية عالية على البلاد؛ لأن التصنيف الائتماني لمصر لم يعد جيدا، ومن ثم عندما يُقرض الصندوق حكومة القاهرة يكون ذلك بكلفة عالية".
اقرأ أيضا:

رغم حظر مصر تصدير السكر والبصل والأرز .. لماذا ترتفع الأسعار؟

ولفت عضو المكتب السياسي والهيئة العليا بحزب المحافظين، إلى أن "الأمر الآن أصبح خاضعا لمدى رضا الصندوق، ومن خلفه، عن مصر سياسيا، واقتصاديا، فهنا يدعمها، وإن لم يكن راضيا يسحب هذا الدعم".

وأضاف: "أعرف أن هذا الدعم القادم هو من الاتحاد الأوروبي، الذي أصبح راضيا عن حكومة مصر في الفترة الراهنة، ما دفعه لإصدار توجيهاته لصندوق النقد لتقديم الدعم لمصر بشكل مباشر".

"الكلفة كبيرة"

وعن الثمن الذي من المحتمل أن تدفعه مصر، يعتقد موسى، أن "مصر ستدفع الثمن، فليس هناك شيء دونما مقابل أو ثمن"، متسائلا: "هل الثمن هو الخطر الذي مازال قائما وبشكل مباشر، والمتمثل في تنفيذ الهدف الأسمى لإسرائيل؛ وهو الاستيلاء على فلسطين وتحقيق جزء من حلمها الأكبر؟".

وأضاف: "هذا وارد، ولا نعرف الخبايا، ولكن حتى الآن الموقف المصري ثابت برفض تهجير أهالي غزة إلى سيناء، ولا أعتقد أن يكون هناك تنازل بين يوم وليلة عن هذا الموقف، بل أتوقع أن يظل هناك ثبات لفترة معينة على هذا الموقف، إن لم يتم التغيير مستقبلا".

واستدرك بقوله: "لكن بالفترة الراهنة الكلفة كبيرة، أولا بدعم مصر المباشر للموقف الفلسطيني، وتقديم مساعدات تعد الأكبر عربيا بنحو 70 طنا، فمصر داعمة بشكل كبير".

وختم بالتأكيد أن تكلفة أي خطط يجري الحديث عنها، "يمكن أن تدفعها مصر، ولكن حتى الآن لا أحد منا يستطيع التكهن، ومازال الأمر تحت الرماد، ولن يكون بشكل مباشر، فالأمور غير واضحة حتى الآن".

"ليس دعما"

وفي تعليقه، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أحمد حسن بكر؛ إن "مصر لبت مطالب الصندوق كاملة"، وما نُشر عن اتفاق مع صندوق النقد بزيادة التمويل لـ6 مليارات دولار، لا يمكن اعتباره توجها دوليا عبر الصندوق لإنقاذ السيسي من أزماته الاقتصادية والمالية، إنما هو رد على استجابة مصر لمطالب الصندوق، ومؤسسات التمويل الأخرى".

وأشار بكر، في حديثه لـ"عربي21"، إلى "تزامن ذلك الإعلان مع إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، طرح 4 قطاعات مصرية للبيع، وهي المطارات، والبنوك، والاتصالات، والتأمين، مع طرح حصص من 50 شركة حكومية أيضا، وبيع ما يسمى صندوق الثروة المصري حصصا في 7 فنادق شهيرة".

ولفت الكاتب المصري، إلى أن "تعبير شركة حكومية فضفاض، قد يضم في ملاءته شركات تابعة للجيش"، مبينا أنه "على لسان رئيس الوزراء، فإن مصر لبت مطالب الصندوق، وكذا مؤسسات التمويل الدولية لبيع الشركات العامة، والقطاعات الاقتصادية والمالية الاستراتيجية المهمة المشار إليها".

وتوقع بكر أن يتبع تلك التسهيلات المالية، حدوث "تعويم للجنيه المصري"، معتبرا أنه "مسألة وقت، قد لا يتجاوز أسابيع قليلة"، مضيفا أنه "يلاحظ ذلك من تصريحات إعلامية من شخصيات موالية للحكومة، ومطالب رجال أعمال كبار مثل الملياردير نجيب ساويرس، الذي طالب السيسي بتعويم الجنيه بسعر يفوق سعر السوق السوداء (أكثر من 50 جنيها للدولار الواحد)".

‌ويرى أنه "طالما تخطى الجنيه في السوق السوداء هذا السعر وثبت عدة أسابيع، فيكون من المحتم اقتصاديا على البنك المركزي اللجوء للتعويم لزيادة حصيلة البنوك من الدولار".

ويعتقد أن "محاولة البعض فهم ما نشره موقع (بلومبيرغ)، عن أن التمويل الجديد من صندوق النقد محاولة لإنقاذ نظام السيسي ببداية ولايته الثالثة من الانهيار الاقتصادي والمالي، فلا أساس له من الصحة، بدليل تصريحات رئيس الوزراء المصري، المشار إليها".

وأضاف: "كما أن زيادة القرض إلى 6 مليارات بدلا من 3 مليارات، وعلى دفعات، لا يعد أكثر من قرض مسكن لأوجاع مزمنة، تحتاج إلى تدخل جراحي شامل لإزالة الأسباب، ولإعادة هيكلة السياسات والتوجهات الاقتصادية والسياسية الخاطئة التي ينتهجها نظام السيسي".

"خدمات دون ثمن"

وعما يثار عن وجود ثمن من المفترض أن تدفعه القاهرة لقاء هذا التسهيل، ومدى ارتباط الأمر بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قال بكر: "أي متابع لدور مصر في الحرب على غزة، يدرك أن السيسي قدم خدماته، ولن نقول خياناته لأمريكا وإسرائيل".

وأكد أنه قدم ذلك "متطوعا أحيانا، ومجبرا أحيانا أخرى، دون انتظار الثمن، اللهم غض الطرف الأمريكي عن تزوير الانتخابات الرئاسية التي مددت له البقاء على كرسي الحكم فترة حكم ثالثة".

‌وخلص للقول؛ إن "الانهيار الاقتصادي في مصر قادم لا محالة، لو استمرت الأوضاع على هذا المنوال أشهرا قادمة، وأن طوفان غضب شعبي سيعم مصر فجأة ودون سابق إنذار؛ لأن كل الأوضاع تسير خارج إطارها المنطقي على المستويات كافة".

‌وختم؛ إن "طوفان الأقصى الذي انطلق من غزة، قد يكون قد أجل طوفان الغضب المصري، الذي كان يُتوقع له أن يتزامن مع مسرحية الانتخابات الرئاسية".