2024-11-27 11:51 م

دمار لبنان... دمار "إسرائيل"

بقلم: نبيه البرجي

اذا كانت هناك دولة، وتخلّت عن الجنوب، حيناً لياسر عرفات، وحيناً لآرييل شارون. ما االحال اذا لم تكن هناك دولة... ؟

"حزب الله" يدرك مدى التداعيات الكارثية للحرب في بلد يعاني من تصدعات سياسية، وطائفية، تهدد وجوده. أيضاً من تدهور مالي من دون أفق، وفي ظل منظومة سياسية تفتقد الحد الأدنى من المفهوم الفلسفي للدولة ولادارة الدولة.

الحزب الذي ولد غداة اجتياح اسرائيل، ووصول دباباتها الى القصر الجمهوري، يدرك أيضاً أن استراتيجية الدولة قامت على قاعدة "قوة لبنان في ضعفه"، كذروة للهرطقة السياسية، ودون بذل أي جهد لحماية الجنوب من دولة ثيوقراطية، بايديولوجيا دموية في أقصى حالات الجنون.

الحزب، كحالة لبنانية، يرى كيف تجنح الدولة العبرية نحو أقصى اليمين، برؤوس الثعابين، ان لجهة ترحيل سكان الجليل الى لبنان، أو لجهة تنفيذ نظريات أركان الحركة الصهيونية بالذهاب بالحدود الشمالية الى مجرى الليطاني، في حين قضى اتفاق 17 أيار بوضع لبنان، سياسياً، وعسكرياً، تحت الوصاية الاسرائيلية.

هذا لا يعني فقط القضاء على مفهوم السيادة، وانما أيضاً على مفهوم الدولة، لنعيد، ونكرر، طرح السؤال لماذا بقيت اسرائيل على الأرض اللبنانية، لنحو عقدين، ما دامت قد أبلغت العالم بأن الغاية من العملية العسكرية تدمير الآلة العسكرية لمنظمة التحرير؟ هذا ما حدث، ورحل ياسر عرفات، ورجاله، على متن السفن.

لم تذهب الا بالدم، وقد اعتادت أن تلقي بكل قرارات مجلس الأمن في سلة المهملات،  ما يعطي كل المبررات الوطنية، والأخلاقية، لقيادات "حزب الله" للاحتفاظ بهواجسها، ودون أن يتوقف القادة الاسرائيليون عن التهديد بازالة لبنان، في حين ثابرت طائراتهم على الاختراق اليومي للأجواء اللبنانية.

القيادات اياها التي عاشت، على الأرض، تجربة الاحتلال بكل تفاصيلها، وبكل آلامها، تجزم بأن الاسرائيليين لم يضعوا جانباً فكرة تيودور هرتزل وورثته، بخلفياتهم التوراتية. حتماً من يصل الى نهر الليطاني يصل الى نهر الأولي، وربما الى نهر العاصي...


كان لا بد من اقامة جدار النار، وبعدما أعلن أن هناك داخل الكابينت، في اجتماعها ظهيرة 7 تشرين، من دعا الى الثأر، واستغلال اللحظة الأميركية، بتوجيه ضربة مفاجئة، وصاعقة، الى "حزب الله"، وعلى أساس تدمير القوة التي تهدد الأمن الاستراتيجي للدولة، وتحول دون قيام الدولة اليهودية التي لا أثر فيها للفلسطينيين.

أمام يؤاف غالنت، وبني غانتس، وهرسي ليفي، جدار من النار للحيلولة دون الهيستيريا الاسرائيلية والتمدد الى جنوب لبنان، بل والى كل لبنان كما هدد الثلاثة (حتى بالابادة دون أن يرف جفن لدعاة القانون الدولي).

بمنتهى الواقعية نقول أن أي حرب مقبلة ستكون، ومن الساعات الأولى، على أرض الجليل، لا على أرض الجنوب. مع اعتبار أن الحديث عن 100000 صاروخ بات من الماضي. هناك أضعاف هذا العدد، وتبعاً لما تقتضيه المواجهة، مهما امتدت زمنياً.

ولكن متى لم يستنزف الجيش الاسرائيلي امكاناته من الأيام الأولى لولا الجسر الجوي الأميركي الذي لا ندري ما اذا كانت هناك خطط عملانية لتقويض هذا الجسر. الأمر غير المستحيل في رأي خبراء عسكريين أميركيين، ودون الاستهانة، بطبيعة الحال، بـ "الأهوال الأميركية".

واذا كان الجيش الاسرائيلي قد ضاع في غزة، بكل نقاط ضعفها (الحصار الطويل الأمد، والطبيعة المسطحة، والمساحة الضيقة)، وقد لاحظنا الأداء الأسطوري للمقاتلين الفلسطينيين، ماذا يمكن أن يحدث له في لبنان، وحيث الصواريخ التي يمكن أن تهدد أكثر الأهداف حساسية في الاستراتيجية الاسرائيلية.

في كل الأحوال، تأكيد لا يقبل الشك بأن الحرب ستكون على أرض الجليل. هل نبلغ ذلك اليوم الذي تطالب فيه "اسرائيل" بالانسحاب من "أرضها" المحتلة؟

عودة الى البداية. اذا كانت هذه هي المعادلة "دمار اسرائيل مقابل دمار لبنان". كيف للحرب أن تندلع؟!


المصدر: الديار اللبنانية