بقلم: اسيا العتروس
لم تعد الأرض تتكلم عربيا في يومها العالمي.. بل أن اللغة الإنسانية في كل مظاهرها تعطلت وأصابها الجمود لهول ما يحدث في حق غزة و أهلها.. ومع دخول حرب الإبادة المفتوحة في القطاع يومها الرابع والسبعين على التوالي لا يبدو أن آلة القتل والدمار الإسرائيلية المدعومة من حليفها الأمريكي وبقية حلفائها في الغرب أولا ومن الأنظمة والحكومات المطبعة مع كيان الاحتلال ثانيا تتجه لإيقاف شلالات الدم والمجازر الآدمية التي لم تستثن البيوت الآهلة ولا المستشفيات التي تحولت إلى خراب ومدارس الأونروا التي باتت عاجزة عن القيام بمسؤوليتها الإنسانية إزاء أهالي غزة التائهين بين الأنقاض بحثا عن مكان آمن لم يعد له وجود على الخارطة…
نقول هذا الكلام فيما يستعد مجلس الأمن الدولي للتصويت مجددا على قرارا لإيقاف الحرب وفتح المجال لإيصال المساعدات برا وبحرا وجوا إلى أهالي غزة الواقعين بين القصف الإسرائيلي العشوائي وبين سيول الأمطار التي حولت المخيمات إلى بحيرات فضاعفت معاناة الجميع…
كل المؤشرات ترجح لجوء الإدارة الأمريكية مجددا إلى سلاح “الفيتو” لإجهاض مبادرة الأمس لإيقاف الحرب بالنظر إلى لكل التبريرات التي تسوق لها واشنطن من أنها بصدد الضغط على ناتنياهو لتجنب المدنيين في العمليات العسكرية أو كذلك اعتبارها أن إيقاف الحرب الآن سيمنح المقاومة فرصة استعادة الأنفاس وإعادة مهاجمة إسرائيل وهي طبعا مبررات وحسابات غايتها منح حكومة الاحتلال مزيد الوقت اعتقادا منها بأن الجيش الإسرائيلي سيحقق أهدافه في غزة وينتهي باقتلاع حماس نهائيا وتحرير كل الرهائن.. وهي مسألة بدا واضحا أنها مستعصية وبعيدة المنال.. فقائد المجلس الحربي الإسرائيلي الذي كان يراهن على الانتهاء من الهدفين خلال أيام بدأ يروج بأن الأمر يحتاج لأشهر قبل إنهاء الحرب.. وهو ما يعني أن الجيش الذي كان يقدم له على انه لا يقهر فشل في مهمته وإن ما حدث السبت الماضي من إعدام لثلاثة من الرهائن العراة وهم يرفعون الرايات البيضاء يعكس خيبة وفشلا مضاعفا لقوات الاحتلال…
طبعا لسنا بصدد إنكار الواقع وندرك جيدا حجم وتداعيات وأثار جراح غزة الذي سيحتاج إلى عقود طويلة لبلسمته بعد كل الذي أصاب غزة من خسائر بشرية ومادية ومن جرحى ومشردين ومن خراب ودمار.. ولكن الحقيقة أيضا أن جيش الاحتلال وقع في مستنقع غزة وهو ما استوجب كل الجهود الأمريكية والبريطانية وغيرها لإخراجه مما هو فيه وإنقاذ ناتنياهو وزمرته من سقوط مؤكد.. ولاشك أن زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن إلى تل أبيب ومن قبله زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ما يعزز القناعة بان إدارة الرئيس بايدن معنية في هذه المرحلة بإنقاذ الكيان الإسرائيلي من ناتنياهو وليس بإنقاذ الشعب الفلسطيني من المحرقة الموثقة.. ومن هذا المنطلق وفي ظل تعقيدات ومخاطر المشهد فان عدم التوصل إلى قرار لوقف الحرب وفتح المجال لإغاثة الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة يعني تفاقم حصيلة الضحايا والمصابين والمشردين ومواصلة تدمير ما بقي صامدا على ارض غزة… وهو ما يقودنا إلى القول صراحة أنه ليس أمام اللجنة العربية الإسلامية المنبثقة على قمة الرياض إلا أن تتخذ قرارات جريئة تساعد أهالي غزة أو أن تعلن فشلها صراحة وتترك لأهالي غزة وللمقاومة مهمة إنهاء ما بدأته.. إيقاف العدوان مسألة لم تعد تقبل التأجيل وكل لحظة تمز تزيد عدد الضحايا.. والسؤال الذي يفرض نفسه ما جدوى الذهاب إلى مجلس الأمن إذا كانت الدول صاحبة المبادرة الأخيرة لوقف الحرب لديها علاقات ومصالح مع كيان الاحتلال..
إذا حدثت المعجزة وغاب “الفيتو” فقد لا يتغير صباح غزة اليوم ولكن مهم أن تتوقف الأرض عن التكلم دما..
كاتبة تونسية
المصدر: رأي اليوم