كشفت مصادر مصرية مطلعة على تحركات القاهرة بشأن وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عن تلقي مصر اتصالات من جانب حكومة الاحتلال، تطالبها بشكل واضح بالشروع في إطلاق مفاوضات جديدة من أجل التوصل لاتفاق تبادل أسرى، تتضمنه هدنة إنسانية، على غرار ما حدث في الهدنة الإنسانية السابقة، التي استمرت لمدة أسبوع، وكان قد تم التوصل إليها بوساطة قطرية مصرية أميركية.
لكن رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس بغزة باسم نعيم نفى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، وجود أي مفاوضات جديدة بين الوسطاء وحركة حماس بخصوص صفقة تبادل أسرى على غرار ما جرى في نهاية الشهر الماضي. وحول موقف الحركة الرافض لأي مفاوضات حول الأسرى قبل وقف إطلاق النار، أكد نعيم أنه "حتى اللحظة هذا هو الموقف الرسمي والثابت لدى الحركة".
اتصال بين عباس كامل وبرنيع
وفي سياق موازٍ، قال مصدر مصري، لـ"العربي الجديد"، إن "اتصالاً جرى مساء الأحد الماضي، بين رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، ورئيس جهاز الموساد ديفيد برنيع، بحثا خلاله تطورات الأوضاع في قطاع غزة".
وأضاف المصدر أن "رئيس الموساد أبلغ الجانب المصري بشكل واضح بتطور الوضع التفاوضي، وأن الحكومة الإسرائيلية باتت منفتحة على إمكانية الدخول في مفاوضات تستهدف تحرير الأسرى لدى حركة حماس في قطاع غزة، وفق شروط معدلة".
وقال المصدر إنه "بدا واضحاً أن الجانب الإسرائيلي قوبل برد متشدد من بعض أطراف الوساطة"، مضيفاً أن "المسؤولين في قطر يقومون بالتنسيق مع مصر، بعد عدم الرضا عن الطريقة التي تعاملت بها إسرائيل خلال مفاوضات الأيام الأخيرة في الهدنة السابقة"، لافتاً إلى أن "بعض الوسطاء استشعروا أن هناك تلاعباً بالمواقف، في ظل قرارات مسبقة لحكومة (بنيامين) نتنياهو ومجلس الحرب".
تفوق المقاومة سبب رئيسي لتحريك مفاوضات الأسرى
واعتبر المصدر أن "التفوق الميداني للمقاومة على الأرض في قطاع غزة، وكذلك فشل العملية العسكرية الأخيرة لتحرير أحد الرهائن الموجودين في أيدي حركة حماس ومقتله جراء العملية، سبب رئيسي في تحريك العملية التفاوضية بشأن الأسرى، المقدر عددهم بـ138 أسيراً، بينهم 11 يحملون جنسيات أجنبية".
وقال إن "الاتصالات الأخيرة تضمنت طلباً مباشراً باستعادة المفاوضات، وهو ما يعني أن هناك ضغوطاً تتعرض لها الحكومة الإسرائيلية"، مضيفاً أن "فشل أحد الأهداف الرئيسية، وهو تحرير الرهائن بالقوة العسكرية، بل ومقتل الأسير وبعض أفراد القوة التي حاولت تحريره، أدى إلى حالة غضب وقلق واسع في الشارع الإسرائيلي ولدى أهالي الأسرى، الذين يضغطون عبر الحكومات التي يحمل بعضهم جنسياتها".
وأوضح المصدر أن الجانب الإسرائيلي بات مقتنعاً بأن استعادة الأسرى لن تتم بوسيلة عسكرية، وأن أقصى ما يمكن تحقيقه عسكرياً هو تعظيم خسائر المقاومة بحيث يجعلها تخفض سقف مطالبها.
ووفقاً للمصدر، فإنه "يوجد لدى المقاومة في قطاع غزة 138 أسيراً، بينهم 17 سيدة، منهن 5 مجندات في الخدمة النظامية، وأخريات مجندات احتياط، بالإضافة إلى عدد من كبار السن، ومجندين نظاميين اثنين، وثلاثة جثامين لأم وطفليها، وجثمانين لاثنين من كبار السن".
ورفضت المقاومة خلال مفاوضات الهدنة السابقة محاولات حكومة الاحتلال إطلاق سراح المجندات والأسيرات ممن هن على ذمة الاحتياط في الجيش، باعتبارهن ضمن فئات الصفقة السابقة، التي شملت النساء المدنيات والأطفال، معتبرة أن هؤلاء ستكون لهن شروط مختلفة تماماً.
وكان الوزير الإسرائيلي، الليكودي آفي ديختر، قد أكد، في تصريحات سابقة، أن "مصلحة إسرائيل تتمثل في وجوب احتكار مصر دور الريادة في جهود الوساطة، التي يمكن أن تؤدي إلى التوصل لصفقة تبادل مع حماس"، كاشفاً عن "وجود رغبة داخل حكومة الاحتلال في أن تلعب مصر الدور الأكبر في مسألة الوساطة، بعيداً عن الأطراف الأخرى المتداخلة في هذا الملف". وقال ديختر، عضو المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن: "كلنا نعلم أنه لا يمكن التوصل للصفقة بدون أن تقوم مصر بدور ريادي في جهود الوساطة التي تقود إليها".
إسرائيل ستبحث عن صفقة جديدة
وتوقع نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور مختار الغباشي، أن تبحث إسرائيل عن "صفقة جديدة" في حال تعاظمت خسائرها في المعركة.
وقال الغباشي، في حديث لـ"العربي الجديد": "أتوقع أن تعود إسرائيل إلى البحث عن صفقة تبادل أسرى وهدنة جديدة، إذا منيت بخسائر أكبر، وإذا وقعت عليها ضغوط من المجتمع الدولي والإقليمي، وأدركت أنها خاسرة لا محالة، وأن قدرتها على تحطيم المقاومة الفلسطينية داخل قطاع غزة مستحيلة، وأن صمود هذا القطاع أسطوري".
وأضاف: "في النهاية نحن نتحدث عن دولة لا تتحمل صراعاً مطولاً، كما لا تتحمل خسائر كبيرة، لأن التأثير الضاغط من الداخل الإسرائيلي سيكون كبيراً".