بقلم: ميساء المصري
كتب تشي جيفارا في كتابه (حرب العصابات) “لن يكون لدينا ما نحيا من أجله، إلا إذا كنا على استعداد للموت من أجله ، يجب أن نبدأ العيش بطريقة لها معنى الآن” وهو نفس المعنى في مقولة أبو عبيدة وأنه لجهاد نصر أو استشهاد، ومع قرب الهدئة وصفقة تبادل الأسرى يقول بعض أعضاء الكنيست الصهيوني أن حماس تجعلهم يركعون على ركبهم وهذا عار، وهنا نستطيع الحديث عن النصر والمعنى وما بعده.
السؤال الصعب الذي يطرح بقوة بين جميع الأطراف السياسية هو ما مستقبل غزة السياسي ما بعد الحرب ؟ ليلتقط الجميع أنفاسه ، ما عدا النتنياهو رئيس وزراء الكيان الأطول مدة في تاريخه، وإذا ما كان ثمة سقيفة بإمكانه أن يختبئ فيها هرباً من تحقيقات تلاحقه وفشل يسحقه، فمن المؤكد أن المكان المريح نسبيا هو “الحفرة”. وهو الأسم الذي يطلق على الملجأ الذي يوجد على عمق عدة طوابق تحت قاعدة كيريا في تل أبيب، أي نسخة مصغرة من الأنفاق في غزة والتي تمثل المركز العصبي لعمليات جيش الكيان المكان الذي يختبئ فيه رؤساء الوزراء ووزراء الدفاع ورؤساء الموساد والشين بيت في أوقات العمليات العسكرية قيد التنفيذ.
بالنسبة لفصائل المقاومة الفلسطينية فقد انتصرت منذ اليوم الأول للحرب من مسافة صفر ، نعم الحرب لم تنتهي بعد لكن أهداف نتنياهو الثلاثة لم يتم تنفيذها، لا تهجير ولا قضاء على حماس أو قوتها العسكرية ، وهنا التصورات الغربية ، تسعى لإخراج الكيان منتصرا وهميا في الحرب وتعكس رغبة صهيونية في التخلي عن مسؤولياتها ، وتحميل أطراف أخرى المسؤولية، وتحقيق مكاسب دون تكاليف ، ورغم كل هذا المخطط فإن السيناريوهات لا تتوفر لديها ممكنات التطبيق وتتناقض في جوهرها مع معطيات الواقع فضلا عن ضبابية المدى الزمني للتنفيذ، فهل المنتصر لا يحدد البوصلة ؟
من السيناريوهات التي طرحت على وهمية إنتصار الكيان وهو أمر غير منطقي نبدأ بالسردية الأمريكية التي ارتكزت على :
ـ 1: تشكيل إدارة مدنية مؤقتة في غزة يتولاها بعض التكنوقراط من غزة والشتات والضفة الغربية وشخصيات من غزة وعشائرها تحت قيادة السلطة الفلسطينية المعاد تنشيطها وإصلاحها لاحقا ووجود (الأونروا) لتقديم الخدمات. وهنا وجود السلطة أمر سيرفضه أهل غزة والمقاومة معا وسيبقى الصراع مشتعلا. فالسلطة الفلسطينية ضعيفة جدا، وفقدت مصداقيتها بحيث لا يمكنها أن تلعب أي دور في غزة. كما أن إستراتيجية الكيان المحتل الفصل بين الفلسطينيين في غزة والضفة وإحباط أي تحالف فلسطيني يؤدي لإقامة دولة فلسطينية أو “شريك” سلام” والمعنى من قول تنشيط السلطة وإصلاحها أي تعيين رئيس جديد مرشح أن يكون حسين الشيخ .
ـ 2: تشكيل جهاز دولي عربي أمني ، يتولاه إتحاد من خمس دول عربية أبرمت اتفاقات سلام مع الكيان (مصر ، الأردن الإمارات البحرين المغرب). بإعتبارها الدول الوحيدة التي تحظى بثقة الكيان المحتل وفي حال الرفض يمكن أن يتشكل فريق أخر سعودي قطري إماراتي مصري ومن المتوقع أن ترفض بعض الدول العربية أن تكون قوة أمنية وأن ينظر إليها على أنها “قوة إحتلال”، ويشكل مخاطرة سياسية واقتراح معقد يتطلب تحضيريا دبلوماسيا كبيراً.
ـ 3: تشكيل تحالف دولي لإعادة الإعمار من الجهات المانحة الدولية والأمم المتحدة ووكالات المعونة الدولية والمنظمات غير الحكومية الدولية للعمل مع الإدارة المدنية الجديدة في غزة. ويترأس هذا التمويل دولة الإمارات، بإعتبارها شريك سلام وتطبيع، ومشاركة السعودية في إعادة الإعمار كجزء من التزام الرياض لفتح مسار نحو صنع السلام بين الطرفين والحفاظ على فرص تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب ما بعد الحرب.
والرؤية الأوروبية من ألمانيا وفرنسا، تتمحور بخيار التدويل الأمني لغزة وتشكيل تحالف أممي بعد الحرب لتفكيك أنظمة الأنفاق ومنع تهريب الأسلحة وتجفيف منابع الدعم المالي والسياسي لحماس ومحاربتها دوليا. وهو أمر غير قابل للتطبيق حيث شاهدنا تجربة اليونيفيل في دول عده مثل كينيا والصومال ولبنان
وها هو حزب الله مازال موجودا . ويتصادم القرار مع صعوبة بناء الإجماع أو التوافق اللازم داخل مجلس الأمن كذلك.
الرؤية الصهيونية تسعى لفصل غزة عن مجمل القضية والدولة الفلسطينية. و تقزم القضية وتحصرها في غزة، دون معالجة التسوية السياسية للصراع ضمن مقررات الشرعية الدولية. وتنتهج معادلة صفرية ربح صهيوني وخسارة غزاوية ولا تقدم أي مكاسب حقيقية للطرف الفلسطيني والتهجير القسري وتصدير الأزمة للخارج والسعي لبناء قناة بنغوريون والممر الإقتصادي وأنابيب الغاز المسروق.
أما عربيا يرون الحل من خلال الدولتين، وأن تصورات جدوى الحسم العسكري لهذا الصراع هي خارج إطار الواقع، ولا يمكن الإستمرار بها. وضرورة التأسيس الوجود سلطة فلسطينية واحدة فقط ودولة فلسطينية واحدة، تكون غزة جزء أساسياً منها.
والرؤية الأفضل هي أولوية الحل الفلسطيني والتسوية السياسية واختيار شخصية يجمع عليها الغزاويين لتدير القطاع سياسيا ومجتمعيا، وتصبح حماس والجهاد فصيلين فلسطينيين مثل كل الفصائل الفلسطينية، لحفظ الحق الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية، وإن اختلفوا سياسيا في تحقيق ذلك. وإسباغ الشرعية على جميع مكونات الشعب الفلسطيني وتهيئة الحاضنة الشعبية في غزة، لحل فلسطيني خالص بلا خلافات شعبية أو فصائلية بشأنه وبرعاية عربية ودولية لإعادة مسار العملية السياسية. وإعادة القرار الفلسطيني ليصبح فلسطينيًا وطنيًا متوافقا عليه. وإنهاء إتفاق المعابر ويصبح المعبر فلسطينياً مصريًا خالصًا، وسيادة كاملة للفلسطينيين على الجزء الفلسطيني من المعبر.
أو أن يستمر النضال حتى تصبح غزة دولة فلسطينية صغيرة مستقلة تتمتع بسيادة كبيرة، أو أن تشكل غزة جزءاً من دولة فلسطينية تتألف من منطقتين غزة والضفة الغربية وفي كلتا الحالتين ستسير غزة نحو الإستقلال في السنوات العشر المقبلة وتستثمر غازها لتكون سنغافورة الشرق المتوسط فهل يحصل؟
كاتبة وباحثة من الأردن