2024-11-27 06:53 م

 “ظواهر شاذة” في زمن الحرب المصيرية” من هم الصهاينة العرب”؟

بقلم: كمال خلف
على هامش حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة، كلنا يتابع ظواهر شاذة في الفضاء العربي، تتوزع على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واضح، وفي بعض وسائل الاعلام التقليدية العربية بشكل اقل. وتظهر لنا هذه الظواهر على شكل شيخ او ملتحي، او اعلامي او ناشط او فنان او محلل عسكري الخ فيما يطلق عليهم ” الصهاينة العرب”.
وفي خضم زخم عربي واسلامي وعالمي غاضب ومتألم من مشاهد المجازر ونهر الدماء المراق على تراب غزة، وصور الأطفال وهي تسحق إسرائيل عظامهم الطرية، وتقصف غرف الحضانات في المستشفيات، ولا داع لمزيد من التوصيف، فكلنا يتابع المحرقة على الهواء مباشرة يوميا في غزة، ولا توجد لغة في العالم قادرة على تجسيد حجم الألم والمعاناة والمأساة الإنسانية وسط كل ذلك، ينبري رهط من أبناء جلدتنا، لإدانة المقاومة، وتجريم التظاهر تضامنا مع الضحايا، وتحريم جهود المقاطعة الشعبية لشركات داعمة لجرائم الاحتلال ولو على حساب تزييف تعاليم الإسلام والتقول على الله ورسوله كذبا، وبل يعمد بعضهم الى استفزاز مشاعر الامة ويدعو الى زيادة دعم هذه الشركات، ومنهم من خصص كل جهده الإعلامي لتشويه المقاومة وتسويق رواية إسرائيل حول الإرهاب الفلسطيني، حتى لثام أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام، الذي اصبح رمزا عالميا للتحرر وتقرير المصير، لم يسلم من التشويه والاسفاف والسخرية.
 فلماذا طفت هذه الظاهرة على السطح، ولماذا زاد سعار أصحابها، ونحن نخوض حربا مصيرية، ونشهد على مذبحة دموية إسرائيلية لاهلنا واطفالنا في غزة، وكيف نتعامل معها كشعوب وامة وقوى وتيارات ؟
هنا لابد من تدوين بعض الملاحظات حول هذه الظواهر الشاذة في محاولة لجلاء الصورة حولها.
ـ أولا: هي تهدف لتضليل وتشويش الجمهور ومحاولة اظهار ان هناك انقساما في الشارع العربي حول مقاومة الاحتلال، وجرائم هذا الاحتلال وضرب مفاهيم وقيم كونية تتعاطف مع الضحية وتعلي من شأن قوى التحرر. والحقيقة ان لا انقساما لدى الشارع العربي والإسلامي الذي يتابع مجريات الإبادة، وان ضمير ووجدان هذه الامة ينبذ إسرائيل حتى قبل حرب الإبادة على غزة، ويقف الى جانب الحق الفلسطيني، والأسباب معروفة، سواء كانت الهوية الجامعة او الرابطة القومية، او التاريخ المشترك، او العقيدة الإسلامية، او القيم الإنسانية، او القيم الوطنية او الشعور بوحدة المصير. وان مساحة التباين وتعدد الآراء في الشارع العربي لا يذهب مهما اشتد الى حد الوقوف مع الة الحرب الإسرائيلية، وتشريع الاحتلال والعدوان، وتجريم الشعب القابع تحت هذا الاحتلال، فضلا عن ان مساحة هذا التباين الطبيعي ضاقت هذه الأيام مع هول الاجرام الإسرائيلي وتمادي قوات الاحتلال الى حد تنفيذ إبادة موصوفة. وتجد كثير من المنتقدين لحركة حماس او من لهم موقف من الإسلام السياسي عموما قد نحو ذلك جانبا في هذا الظرف المصيري وانحازوا للمقاومة.
ـ ثانيا: أصحاب هذه الظواهر اقلية شاذة، وبالمناسبة هي شاذة ليس فقط لأنها خارج اجماع الامة والشارع العربي ووجدانه وتطلعاته، انما الشذوذ هنا حتى على القيم الإنسانية الكونية تلك التي يجنح نحوها البشري السوي. فلا يمكن تصور انسان يمجد اللص وهو يسرق منزل أخيه، ويلوم صاحب البيت انه قاوم من اجل الدفاع عن بيته او عرضه.
واذا سمعت ما يعرف” بالصهاينة العرب ” يقولون عن مواقفهم بانها نوع من حرية التعبير او فكر جديد حداثي، فان هذا تجني على هذه القيم التي نناضل جميعا لاجلها، لان هؤلاء يمنحون مساحة للدفاع عن الصهاينة ويبررون أفعال إسرائيل الشنيعة، بينما يواجه في ذات البلاد التي يتحدثون منها السجن والقمع كل مواطن يقول كلمة تأييد للمقاومة او الشعب الفلسطيني او يدين جرائم الاحتلال او حتى يتوجه بالدعاء جهرا لاهل فلسطين، ولا يقتصر القمع في التعبير عن التضامن مع فلسطين، انما في مختلف القضايا الداخلية. وهذا ما جعل صوت ” الصهاينة العرب ” عاليا او بارزا، على الرغم كونهم اقلية صغيرة.
ـ ثالثا: بالتالي هؤلاء ليسوا ظاهرة طبيعية ناتجة عن تحولات اجتماعية او فكرية، وهم لا يعبرون عن ذاتهم او قناعاتهم، انما هم طبقة مصطنعة، تم دعمها وتمويلها وتلقينها، لقاء منافع متعددة الأوجه، لخدمة سياسات، وأنظمة، وتم شحنهم وتجديد نشاطهم في الاحداث الأخيرة في غزة، لان التفاف الجماهير في كل الدول العربية حول المقاومة وتمجيد رموزها، وتعظيم بطولاتها، مقابل التعاطف والاندفاع نحو التظاهر غضبا من استباحة إسرائيل للدم العربي ومع عجز النظام الرسمي و انخراط بعضا منه في التطبيع والتحالف مع العدو، تعتبره بعض الأنظمة الرسمية خطرا عليها. وان إيقاف هذا المد يتطلب حملة تشويه للمقاومة بل للشعب الفلسطيني وعدالة قضيته. علينا ادراك ذلك ونحن نصادف مثل هذه الاشكال يوميا ونحن نتابع ما يجري او ندخل الى المنصات ووسائل التواصل.
ـ رابعا: الملاحظ ان معظم هؤلاء ليسوا من النخب الفكرية الوازنة في بلادنا العربية، او أصحاب رؤية عميقة، او رأي، او نظريات فكرية تحتمل النقاش والاخذ والرد، انما تجد اغلبهم من السذج و تتسم طروحاتهم المثيرة للسخرية بالسطحية او الشعبوية، محاولين افتعال اثارة، و فعل اكثر مما هو مطلوب منهم، فيشطحون في قولهم ومقالهم.
ـ خامسا: اما التعامل معهم، ووفق متابعتي فهو يتنوع بين شتمهم او السخرية منهم، وهناك من يحاول مجادلتهم بالمنطق او الحجة ويرد على اقوالهم، واخرون يتجاهلونهم ويعرضون عنهم معتبرين ان هذه افضل وسيلة للتعامل مع سفهاء القوم، وهناك كذلك من يدرك انهم لا ينطقون عن هوى، وانهم يمثلون رغبات الجهات التي تقف خلفهم، فيعرضون عن التصادم خوفا من العقاب. لكن علينا جمعيا وعلى أبناء الامة والشعوب ان يدركوا ان هذه الظاهرة الزائفة، ديكور لجهات سياسية وأجهزة، وهم مرتبطين بمصيرها، وان تحقيق الانتصار على الاحتلال، وكسر هيبة إسرائيل، واضعاف التجبر وحالة الاستعمار الأمريكي في منطقتنا، وهزيمة المشروع كله بالإدارة والنضال والمقاومة، هو من يبدد هذه الظاهرة، ويجعلها في ازمة امام طوفان الشعوب وإرادة الامة الحرة. ان استمرار المواجهة دفاعا عن كرامة الامة، وكبرياء الامة، وهويتها، واستقلال إرادة شعوبها امام الاحتلال والاذلال، ومحاولات اخضاعنا وتحويلنا الى عبيد، هو الرد الناجع على أصحاب هذه الظاهرة ومن يقف خلفهم. صراعنا ليس معهم، فهم ليسوا سوى دمى ظل، صراعنا مع الأنظمة التابعة، والقوى الاستعمارية الاجرامية. لا تلتفتوا اليهم، ووجهوا من يحرك الخيوط بيده من خلف الستارة.
كاتب واعلامي