2024-11-24 02:11 م

ليبراسيون: حرب غزة تخلط كل الأوراق جيوسياسيا وتهزّ العالم العربي

قالت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، إن العالم ما قبل السابع أكتوبر الماضي يبدو بعيدا جدا. ففي غضون أسابيع قليلة، هزّ الهجوم الذي نفدته  حركة حماس على غلاف غزة، ومن ثم قصف الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، العالم، وأعاد خلط أوراق لعبة جيوسياسية مشوشة أصلا بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا.

وخلافاً لحرب أوكرانيا التي سرعان ما وحّدت المعسكر الغربي ضد موسكو (التزمت بكين بالحياد النسبي)، سحقت الحرب في الشرق الأوسط جميع التحالفات، وزرعت الفوضى داخل كل دولة، وهددت بزعزعة استقرار التوازنات غير المستقرة بالفعل. فأدنى  شرارة يمكن أن تشعل كل شيء، كما تقول “ليبراسيون”.

وتتابع الصحيفة القول إن المأساة هي أن الجميع يشعر بأنه مجبر على التصرف لصالح طرف ضد الطرف الآخر، حيث يصعب إيجاد قادة أو سكان يدعون إلى التعايش بين دولتين، إسرائيلية وفلسطينية، وفق الصحيفة الفرنسية.

ففي خضم الحملة الانتخابية الأمريكية، يكافح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الساعي للفوز بفترة رئاسية ثانية، لتبرير دعمه الثابت لإسرائيل، بما في ذلك داخل معسكره الديمقراطي، الأمر الذي قد يكلفه غالياً خلال عام، لا سميا أن الكثيرين في أوروبا يفضّلون عدم تخيل عودة ترامب إلى السلطة في ظل عالم اليوم.

أما أوروبا فهي منقسمة بين مؤيدي حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وبين من يدعو إلى وقف لإطلاق النار للحفاظ على السكان المدنيين في غزة.

ومضت “ليبراسيون” إلى القول إن الأمر استغرق أكثر من شهر بعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع أكتوبر، وحملة القصف الضخمة على غزة، قبل انعقاد قمة عربية “طارئة” يوم السبت الجاري في الرياض، والتي ستليها في اليوم الموالي قمة “استثنائية” لمنظمة التعاون الإسلامي.

فإذا كان  الإسرائيليون ما يزالون مذهولين من حجم الهجوم غير المسبوق على أراضيهم، فإن الدول العربية أصيبت، من جهتها، بالقدر نفسه من الذهول إزاء الغزو الإسرائيلي غير المخطط له لقطاع غزّة المحاصر، والذي يهز المنطقة بأكملها وخارجها، تضيف “ليبراسيون”.

فهل تجد الحكومات العربية صوتها مرة أخرى بعد أسابيع من الإحراج والفزع في مواجهة الحريق الذي أشعل حماسة شعوبها بشأن القضية الفلسطينية؟ تتساءل الصحيفة الفرنسية، مشيرة إلى غياب السلطة الفلسطينية عن المشهد.

واعتبرت “ليبراسيون” أن عودة القضية الفلسطينية بهذه القوة إلى المشهد الدولي تهزّ مواقف الدول المجاورة لإسرائيل، وأولويات الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل من خلال اتفاقات أبراهام. وجميع أولئك الذين يعتبرون حلفاء للولايات المتحدة في المنطقة، يعبرون عن سخطهم إزاء دعم واشنطن الثابت للحرب القاتلة التي تشنها إسرائيل ضد غزة. وقد كرروا لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي زار المنطقة للمرة الثالثة خلال شهر، مطلبهم بوقف إطلاق النار.

وكانت مصر، الدولة العربية الوحيدة المتاخمة لغزة، ولكنها أيضاً الدولة الأولى الموقّعة على اتفاقية سلام مع إسرائيل، قد ردّت بسرعة وحزم على اعتزام إسرائيل ترحيل سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى سيناء. وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في 18 أكتوبر/ تشرين الأول المُنصرم، أن “دفع الفلسطينيين إلى ترك أراضيهم هو وسيلة لإنهاء القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار”.

ومن خلال إثارة شبح نكبة جديدة، رسم رئيس الدولة المصرية خطاً أحمر غير قابل للعبور. لقد أوضحت مصر لشركائها الإقليميين والدوليين أنها ترفض أن تكون أرض ترحيب للنازحين من غزة، لأسباب مبدئية وواقعية، حسبما يؤكد تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية. ومن خلال طرح هذا الموقف، تحظى القاهرة بدعم العواصم العربية، وكذلك الجماعات الفلسطينية المسلحة وأيضا الشعب المصري والعرب.

مستقبل التطبيع
وتابعت “ليبراسيون” القول إن الأردن، الدولة الأخرى الموقعة على اتفاقية سلام مع إسرائيل منذ عام 1994، ردّت على ضغوط المظاهرات الضخمة أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان باستدعاء سفيرها لدى تل أبيب. وهو النهج الذي اتبعته البحرين، الموقعة عام 2020 على اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية مع إسرائيل، مثل الإمارات والمغرب. وهذه الأخيرة، التي تلتزم رسميا صمتا محرجا بشأن النزاع، غمر المتظاهرون شوارعها دعما للفلسطينيين في غزة.

وقد عبّرت دول الخليج، حيث تُمنع جميع المظاهرات منعا باتا، كما هو الحال في كثير من الأحيان، عن تضامنها مع غزة بالمساعدات المالية والمادية. وأطلقت السعودية يوم الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني، حملة لجمع التبرعات للفلسطينيين في غزة، وهي “جزء من الدور التاريخي للمملكة الذي يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مختلف الأزمات والمحن التي يواجهها”، وفق المملكة.

واعتبرت “ليبراسيون” أن  السعودية التي تستضيف القمتين العربية والإسلامية يومي السبت والأحد، تحاول إعادة “الإمساك بالأمور”. ويواجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أكبر اختبار دولي منذ وصوله إلى السلطة، ويستطيع أن يستغل الحرب في غزة لإعادة التفاوض على شروط التطبيع مع إسرائيل، خاصة من خلال الحصول على المزيد من الأمريكيين. ويظل السلام عبر الصفقات خياره الاستراتيجي، لأن تأمين المنطقة أمر ضروري لنجاح رؤيته لعام 2030، تقول “ليبراسيون”.

ومضت الصحيفة إلى القول إن الصور اليومية للضربات المتواصلة التي يشنها الجيش الإسرائيلي والدمار في غزة ومعاناة سكانها، تزيد من غضب العالم العربي ضد أولئك الذين يسمحون بحدوث ذلك. وتعتبر الدول الغربية التي تظهر دعما مستمرا لإسرائيل متواطئة في الأعمال الوحشية التي يتعرض لها سكان غزة. وقُصْر النظر الغربي في موقفه المؤيد لإسرائيل، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الانقسام بين الشمال والجنوب، مما يؤدي أيضا إلى توترات مع المجتمعات الإسلامية في أوروبا.

واعتبرت “ليبراسيون” أن إحدى عواقب عودة القضية الفلسطينية إلى الظهور، وتصاعد المشاعر المعادية للغرب في الرأي العام العربي، هي إبعاد المطالب بالإصلاح الديمقراطي في العالم العربي قدر الإمكان. والضحية الجانبية الكبرى غير المرئية  للصراع المستمر، هي الدعوة إلى الحرية والكرامة من شعوب الربيع العربي عام 2011.

وهو تأجيل طويل الأمد يناسب الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. وأيضا القوى المنافسة للغرب مثل الصين وروسيا، التي تستغل استياء السكان العرب دون تقديم المساعدة للفلسطينيين.