2024-11-27 12:17 ص

ما عدد الضحايا الذي يشفي غليلكم؟

بقلم: نهلة الشهال

إسرائيل عاجزة عن تنفيذ الجريمة كما ينبغي، على الرغم من إجازة القتل بلا حدود الممنوحة لها من قبل أمريكا ودول الغرب الاستعماري، والتغطية بالمال والسلاح والبروباغندا (الفاشلة) ونصائح الخبراء - تذكروا أن كونداليسا رايس، بقيت في سفارة بلادها في بيروت 33 يوماً بلا انقطاع في صيف 2006، لنصح إسرائيل وشد عزيمتها، وأنها عارضت وقف إطلاق النار عدة مرات، إلى أن هُزمت هي وإسرائيل!
يقال إنّ هتلر في لحظاته الأخيرة، قبل أن ينتحر داخل حصنه في برلين، كان آسفاً لأنه لم يقضِ تماماً على كل يهود العالم، ولأنه لو انتصر في حربه تلك لاكتملت مهمته. لكنه لم ينتصر، ولم يتمكن من الاستمرار في التطهير العرقي الذي ثابر عليه. قتلَ ستة ملايين يهودي، وضعف هذا العدد من المعارضين للنازية، من شيوعيين وغيرهم، ومن الغجر فقط لأنهم غجر، وحتى من أصحاب الإعاقة الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم وُلدوا بساق أقصر من الأخرى (مثلاً). فعل كل هذا تنقيةً للعرق الآري وحرصاً على تفوقه.

انظروا جيداً واسمعوا: صاروا بتاريخ اليوم وخلال عشرين يوماً فقط، أكثر من ثمانية آلاف، معظمهم من النساء والأطفال. خرجتْ معظم المشافي في كامل قطاع غزة من الخدمة، وهي بكل الأحوال بلا كهرباء ولا سائر المستلزمات، وتعاني من نقص حاد في الدم - ليس المسكوب على الأرض وإنما ذاك الذي يمكن أن يعوِّضه أولئك الذين بقوا أحياء من الجرحى - وصارت تُجرَى العمليات بلا بنج وعلى الأرصفة أحياناً. وما زال الغزيون بلا ماء ولا وقود (باعتبار أنّه يمكن دوماً تدبّر الطعام)، وما زالت صفاقة حكام مصر تَخضع لإرادة اسرائيل في عدم إدخال المؤن وفي منع الدواء والوقود. وما زالوا لا يخجلون من ذكر أنهم نجحوا في إدخال بضع شاحنات، بل ويتفاخرون.

 ألا يوجد من بين الـ 110 مليون مصري بضعة شجعان يمكنهم اقتحام المعبر، والرضا بالتعرض للقصف وربما الاستشهاد، والرضا بتعريض عائلاتهم للتنكيل على يد سلطة اعتقلت حتى الآن عشرات الشباب لأنهم هتفوا لفلسطين في المظاهرات الأخيرة... ألم يتسبب الحصار الغربي، وعلى رأس ممارسيه واشنطن برئاسة بوش، صنو رئيس البلاد الحالي بايدن، بدفع العراقيين الى أكل أوراق الأشجار؟ ألم يتسبب القصف الأمريكي للعراق بقتل مئات الألوف من العراقيين وبتعريض أجيال كاملة من الأجنّة والمواليد الجدد في جنوب العراق للتشوه المميت بسبب تلويث الأرض والمياه والهواء بقذائف اليورانيوم المنضّب التي رُميت عليهم، أم أنّنا نسينا؟

المشكلة أنّ إسرائيل تلك هي جارة غزة، ولا يمكنها إلقاء قنابل نووية عليها والانتهاء من الأمر، لأن المكان ضيّق وملاصِق لها، وإلا لفعلت! ولأنها تضم فيما ضمته من أراضٍ في الضفة الغربية لفلسطين ثلاثة ملايين و200 ألف نسمة من الفلسطينيين، ولأنّ 20 في المئة من سكان أراضي 1948 هم فلسطينيون. وطالما هو تطهير عرقي فهذه حقاً مشكلة.. لإسرائيل!

وعلى الرغم من إجازة القتل بلا حدود الممنوحة لها من قبل أمريكا ودول الغرب الاستعماري، والتغطية بالمال والسلاح والبروباغندا (الفاشلة) ونصائح الخبراء (تذكروا أنّ كونداليسا رايس، حين كانت وزيرة خارجية الولايات المتحدة، بقيت في سفارة بلادها في بيروت 33 يوماً بلا انقطاع في صيف 2006، لمراقبة المعركة ونصح إسرائيل وشد عزيمتها، وأنها عارضت وقف إطلاق النار عدة مرات، إلى أن هزمت هي وإسرائيل) وعلى الرغم من القمع الفعلي للمعارضين في الدول الاستعمارية، تبقى إسرائيل عاجزة عن تنفيذ الجريمة كما ينبغي. وهي تتذكر بين الحين والآخر – على الرغم من دعم الإمارات العربية المتحدة لها (!!) – أنها محاطة بالأعداء في المنطقة، وأنّ هؤلاء لا يمكن إسكاتهم أمداً طويلاً، مهما تواطأت أنظمتهم معها، وأن تلك الأنظمة كلها - وبغض النظر عن مسمياتها - تُعرّض نفسها للتدمير حين سيطفح الكيل... الذي يمتلئ غضباً كل يوم.