2024-11-24 04:39 م

رهانات غزة.. قدرة بايدن على إدارة الحرب بين إسرائيل و”حماس” ستترك تداعيات على قوة أمريكا العالمية

لندن- “القدس العربي”: نَشَرَتْ مجلة “إيكونوميست” افتتاحية تساءلت فيها إن كانت القوة الأمريكية ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، أم أنها غير فعالة. وقالت إن المواجهة بين إسرائيل و”حماس” ستحدّد الدور الأمريكي على المستوى العالمي.

وفي الوقت الذي حشدت فيه إسرائيل قواتها لغزو غزة، أرسلت الولايات المتحدة حاملتي طائرات ضخمتين لدعم إسرائيل، والمهمة هي ردع “حزب الله” وراعيته إيران من فتح جبهة ثانية على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، ولا يمكن لأي دولة فعل هذا، فحاملتا الطائرات هي 200.000 طن، في وقت يرى الكثيرون أن القوة الأمريكية في تراجع.

وستمتحن الأشهر المقبلة هذه الرؤية، وعلى أمريكا المبالغة من الرهانات، حيث قال الرئيس جو بايدن، في 20 تشرين الأول/أكتوبر، إن أمريكا تقف عند “نقطة انعطاف”، ودعا إلى مواجهة إرهاب “حماس”، وكذا عدوان روسيا ضد أوكرانيا، وفي الخلفية كان تهديد الصين لتايوان حاضراً بدون الحاجة ليتحدث عنه.

إلا أن الأمور أخطر مما يقترح بايدن، ففي الخارج تواجه أمريكا عالماً معقداً وعدوانياً. فلأول مرة، ومنذ جمود الاتحاد السوفييتي في السبعينات، هناك معارضة جدية ومنظمة تقودها الصين. وتعاني سياستها في الداخل من خلل وظيفي وحزب جمهوري يدعو للعزلة بشكل متزايد.

وهذه اللحظة لن تحدّد مستقبل إسرائيل والشرق الأوسط بل أمريكا والعالم.

وتعلق المجلة بأن التهديدات الأجنبية تتكون من ثلاثة أجزاء؛ الأول، الفوضى التي نشرتها إيران بالشرق الأوسط وروسيا في أوكرانيا. ويستنفد عدم الاستقرار والفوضى المصادر المالية والسياسية والعسكرية الأمريكية، وسيتوسع النزاع في أوروبا لو حققت روسيا ما تريده في أوكرانيا. وربما زاد حمّام الدم نزعة التشدد بين سكان الشرق الأوسط وتحولهم ضد الحكومات. وتجر الحروب أمريكا التي تصبح هدفاً سهلاً للاتهامات ونشر الحروب والنفاق، وكل هذا يقوض فكرة النظام الدولي.

أما الشق الثاني، فهو التعقيد، فمجموعة من الدول بقيادة الهند والسعودية، باتت تعاقدية في تعاملاتها وحريصة على متابعة مصالحها. وعلى خلاف روسيا وإيران فهذه الدول لا تريد الفوضى، لكن أياً منهما لا يريد أن يتلقى الأوامر من واشنطن، ولماذا عليهم أن يتلقوا الأوامر منها؟ وبالنسبة لأمريكا، فهذا يعقد من مهمتها، وما عليك إلا النظر إلى لعبة تركيا مع عضوية السويد في حلف الناتو، التي حُلّت هذا الأسبوع الماضي بعد 17 شهراً.

أما الشق الثالث، وهو الأكبر، فهو الصين، فبكين لديها طموحات لخلق بديل عن القيم التي تجسدها المؤسسات الدولية. وتريد إعادة تفسير مفاهيم مثل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان لكي تتناسب مع ما تفضله بشأن الحرية الشخصية والسيادة الوطنية على القيم العامة. وشكلت الصين وروسيا وإيران مجموعة غير رسمية للتنسيق، وتقدم إيران مسيرات لروسيا والنفط للصين، ومنحت الصين وروسيا حماس، الغطاء في الأمم المتحدة.

وقد تضخمت هذه التهديدات بالسياسة الداخلية الأمريكية، فالجمهوريون يميلون نحو العزلة في التجارة والشؤون الخارجية، والتي كانت سياسة الحزب قبل الحرب العالمية الثانية. وهذه النزعة تذهب أبعد من دونالد ترامب، وتثير سؤالاً حول قدرة أمريكا للتصرف كقوة عظمى، لو رفض واحد من الحزبين فكرة المسؤولية الدولية، وتذكر أن بيرل هاربر هي السبب الذي دفع أمريكا لدخول الحرب عام 1941.

وللنظر إلى الكيفية التي ستضر بالمصالح الأمريكية، ما عليك إلا النظر لأوكرانيا. والتي تريد جماعة “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”(ماغا) في الحزب الجمهوري وقف الدعم العسكري والمالي لها.

وهذا لا معنى له، حتى في حساب المصالح الذاتية الضيقة، فالحرب تمثل فرصة لأمريكا لكي تنزع أنياب فلاديمير بوتين وردع الصين عن غزو تايوان بدون تعريض جنودها للخطر.

والتخلي عن أوكرانيا سيعطي روسيا الفرصة لضرب الناتو، والذي سيكلّف أرواح أمريكيين، ومالاً، ويعطي إشارة للعدو والصديق أن أمريكا لم تعد الحليف الذي لا غنى عنه.

ولو فشل الجمهوريون الانعزاليون بالامتحان، فلا أحد يعرف إلى أين ستنتهي أمريكا، ولو عاد ترامب إلى البيت الأبيض.

 وتعتبر هذه معوقات كبيرة، ولكن لديها قوة عسكرية، فقد نشرت حاملتي الطائرات في الشرق الأوسط، إلى جانب تزويد إسرائيل بالمعلومات الأمنية والأسلحة والمعدات، كما فعلت مع أوكرانيا.

وفي الوقت نفسه، زادت الصين من ميزانية الدفاع لجيش التحرير الشعبي، ولكن الولايات المتحدة تظل الأكثر إنفاقاً على الدفاع، وأكثر من عشر دول مجموعة ومعظمهم حلفاء.

وهناك القوة الاقتصادية، حيث تنتج أمريكا ربع ما ينتجه العالم، رغم صعود الصين. ومع أن هناك مظاهر قلق من سياسات الحماية لبايدن إلا أن أمريكا تتمتع بقوة تكنولوجية وصناعية أكبر من الصين.

وهناك قوة أخرى غير مقدرة لدى أمريكا وهي الدبلوماسية، فقد أثبتت حرب أوكرانيا أهمية الناتو، وأنشأت أمريكا أوكوس مع عدد من الدول، بمن فيها اليابان والفلبين وكوريا الجنوبية.

وفي مقال بمجلة “فورين أفيرز”، تحدث مستشار الأمن القومي جيك سوليفان عن الكيفية التي يمكن فيها للدول التي تتابع مصالحها، شريكة، والمثال هو الهند، التي أصبحت جزءاً من التصميم الأمني الأمريكي لآسيا، رغم تصميمها على البقاء خارج التحالفات. وأين يترك هذا أمريكا، وهي تعانق إسرائيل في محاولة لتوسع الحرب؟

يقول البعض إن إمبراطورية عجوزاً تنجر مرة ثانية إلى الشرق الأوسط، وبعد 15 عاماً من محاولة الخروج منه، لكن هذه الحرب ليست كحربي العراق وأفغانستان. فحديث بايدن عن نقطة انعطاف هو بمثابة امتحان حول قدرة أمريكا التكيّف مع عالم واسع التهديدات. ولديها المزيد لعرضه، خاصة أنها تعمل مع حلفائها على تعزيز الأمن والتجارة المفتوحة. ولو استطاع بايدن إدارة الأزمة في غزة سيكون مصلحة لأمريكا والشرق الأوسط، وجيدة للعالم.