بقلم:خالد فضل
أمر ملفت في دول الجوار السودانى، انه باستثناء اثيوبيا لاتوجد فيها حكومة ديمقراطية او رئيس منتخب يتمتع بشرعية شعبية، وهو ذات الامر الذي يكاد ينطبق كليا على دول منطقة شرق ووسط افريقيا، على عكس دول غرب وجنوب افريقيا التى تنمو فيها الديمقراطية رويدا رويدا، أما الشمال الافريقى العربي فحدث ولا حرج، من هذه الزاوية يمكن النظر الى ما يمكن ان يسفر عنه اجتماع دول جوار السودان من نتائج لمصلحة شعب السودان التواق قبل واثناء وبعد الحرب الى حياة ديمقراطية، ليس ترفا بل ضرورة وجودية. فالمنطقة الموبؤة بالحكام العساكر الديكتاتوريين هى في الواقع اكثر مناطق افريقيا تخلفا وفقرا وتمور فيها الحروبات الاهلية والنزاعات القبلية ،وتتلاشي فيها الدولة الى حدود عسكرى حاكم وبطانة فاسدة تلغ معه من مؤائد الفساد.
ان القضية المركزية اليوم في السودان هى ضرورة وقف اقتتال العسكر الذين كانوا حتى 15 ابريل الماضي يشكلون ما يعرف بالمكون العسكري في معادلة السياسة السودانية مابعد ثورة ديسمبر 2018، تلك الثورة الشعبية العارمة بشعارها العظيم حرية سلام وعدالة، ولذلك فإن التوصيف الدقيق في تقديرى للحرب الدائرة في السودان هو ما اتفقت عليه معظم دول العالم والهيئات الاقليمية والدولية وليس كما يريد احد الاطراف المنخرطة في الصراع ان يحمل كل الناس على توصيفه هو. فالبرهان قائد الجيش وقائد انقلاب 25اكتوبر 2021 هو ورفيقه حميدتى نائبه الاول في الانقلاب وفي مجلس السيادة العسكرى وفي ادارة الدولة بوضع اليد، وقد ظل عدم الشرعية يلازم ذلك الانقلاب المشؤوم حتى صبيحة اندلاع قتالهم فيما بينهم، في حقيقة الامر لا يمتلك اي طرف من الطرفين المتصارعين اي صفة شرعية تؤهله للحديث باسم الشعب السودانى، واذا كان من ممثل للثورة السودانية فهو القوة المدنية التى قادت الثورة الشعبية حتى اطاحت بالعسكرى البشير.
لقد كان موقف الاتحاد الافريقي اكثر تقدما في دعم تطلعات الشعب السودانى ، وقام من فوره بتجميد عضوية السودان في الاتحاد، ومقارنة مع موقف الجامعة العربية مثلا التى تراوح مكانها المعهود بالدعوة الى و الى و الى، ولعل تجميد عضوية سوريا مثلا كانت حدثا فريدا بل هنالك شكوك معقولة بانه موقف اجبرت عليه الجامعة العربية اجبارا، ودولة مصر تعتبر من الدول المؤثرة في الجامعة العربية بما لا يقارن بحجم تاثيرها في الاتحاد الافريقى، وفي الشأن السودانى تحديدا جاءت الدعوة المصرية لعقد اجتماع لما يعرف بدول الجوار السودانى، اي العساكر الحكام عدا ابي احمد المنتخب ديمقراطيا، ولعل القيادة المصرية تتبنى وجهة النظر البائسة التى تحتكر النظر في قضايا الحرب والسلام بالعبارة المقيتة (نحن عساكر بننعرف نتفاهم مع بعض)، ان الحكم العسكرى بطبيعته يقطع التفاهم بين المختلفين في الراي، فهو حكم بطبيعة تكوينه غير قابل للنقاش.
ولا ارى من بين العساكر من فهم ولغة سوى قعقعة السلاح ، فهم اعجز عن مواجهة قضايا الحكم المتشعبة، ليس لقصور شخصي فيهم ولكن لطبيعة تكوينهم المهنى وتدريبهم في مجال غير مجال الحكم او هكذا يجب ان يتم النظر الى العسكرية، وهذا هو اس البلاء في السودان كما في غيره من دول الجوار الموبؤة بقهر العساكر، وللتدليل على وجود فرق ظاهر بين حاكم عسكرى وآخر مدنى يمكن قراءة النقطة الجوهرية للنظر في كارثة الحرب السودانية، فنجد مثلا ان الرئيسين الكينى والاثيوبي وهما بالمناسبة الوحيدان المنتخبان وسط جوغة من الحكام المستبدين في المنطقة، يتحدثان بوضوح وصراحة عن الطريقه العملية والموضوعية لوقف الحرب العبثية في السودان، فهما ينطلقان من قاعدة راعى مصالح الشعب السودانى والتى لا يمكن تحقيقها الا بوقف الحرب وأن السيادة الحقيقية للدول هى التى تنطلق من قاعدة مصالح الشعوب وليس كما يتوهمها الحكام العساكر وارباب المصالح من اعلاميين وخبراء استراتيجيين.
من المؤسف أن أوضاع بلادنا وشعبنا في ظل الحرب قد فاقت كل حدود الكوارث والماسي، ولكن الاكثر مضاضة على النفس ان الصوت المدنى الانسانى القادر على ابتداع الحلول الموضوعية هو المغيب فيما تتكالب القوة الباطشة والمستبدة بطبيعتها الاحادية لايجاد حل للمشكلة المعقدة ، ودول الجوار المزعومة ينطبق عليها كلها عدا واحدة القول السديد (فاقد الشي لا يعطيه).