2024-11-27 09:27 ص

الامتحان الفلسطيني الأصعب

2023-01-31

بقلم: نزار السهلي
يعتقد الائتلاف الحكومي في إسرائيل بزعامة نتنياهو، أن الشروط الراهنة التي تُحقق لإسرائيل فرض إرادتها على الشعب الفلسطيني لحسم الصراع وفق رؤية أمنية ستكون ناجعة، رغم التجربة الفاشلة واستخدام مختلف وسائل العدوان والضغط، ورغم أن الوضع العربي والدولي لا يبعث على الارتياح، ولا يحمل حدا أدنى من شروط التضامن والتفاعل في مواجهة جرائم الاحتلال وتفريغ "حل الدولتين" من مضمونه؛ بشروط تكثيف مشاريع الاستيطان ومصادرة الأرض وتهويد المقدسات وتشريع القتل وتشديد الحصار على أصحابها، فلم تُبقِ هذه السياسة للفلسطينيين أية آفاق سياسية وقد مات مشروع السلام والدولة في مهده منذ زمن بعيد..

الآن، في ذروة تصعيد العدوان، وتصدي الشعب الفلسطيني له، وتصاعد العمليات "الفردية" وما أحدثته من إرباك للمؤسسة الأمنية لحكومة نتنياهو وحشر ائتلافه من بن غفير إلى سموتريتش ودرعي في الزاوية، يمكن رؤية أجيال فلسطينية لا تقبل الخنوع لشروط الاحتلال وعقليته وعدوانه. فالشعور بالغبن والهزيمة من وراء اللهث خلف السراب والأوهام من سياسة فلسطينية رسمية وعربية عاجزة، أوجب على جيل فلسطيني تصحيح الخطأ التاريخي، والكرامة الوطنية الفلسطينية لا يمكن دثرها، فهي تتوارثها الأجيال.
أما أشكال الاستسلام إن كان في اتفاقات ما يسمى "السلام" والتطبيع بين إسرائيل وبعض الأنظمة العربية، فلا تنهي الصراع أو تحسمه كونها حالة مؤقتة لا تنتج بالضرورة أطرافاً بمقدورها إنجاز تسوية تلبي الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وتفرض على المؤسسة الصهيونية تنازلاً حقيقياً يقود لدولة فلسطينية.

سواء حُكمت إسرائيل من أحزاب يمينية أو معتدلة، يغيب الحماس الإسرائيلي لمفهوم السلام وشروطه، كما دلت تجربة الشعب الفلسطيني مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ أوسلو وحتى اليوم. ورغم سيل التنازلات الفلسطينية والعربية، إلا أن إسرائيل تسعى دوماً لفرض استراتيجية صهيونية معدة سلفاً على طرف فلسطيني وعربي قبل بالشروط الإسرائيلية التي أفضت إلى أوهام يحصد من خلفها الفشل تلو الفشل، بالنظر للمساحة المتبقية لأرض الدولة المثقوبة بالمستعمرات الصهيونية ومشاريعها، بالإضافة للسياسات العدوانية الهادفة للقضاء على الحقوق الفلسطينية.

وكل ذلك يضع القيادة السياسية الفلسطينية وسلطتها أمام مآزق شتى، فلا هي قادرة على نسف ما تبقى من أوسلو، ولا باستطاعتها العودة لينابيعها الأولى أو للشارع، وتفشل دوماً بإنجاز وحدة فلسطينية كفاحية بمقدورها مواجهة الشروط الراهنة والمستقبلية، والتي من خلالها تتمكن من فرملة اندفاعة العدوان الاسرائيلي الشامل والمتواصل على شعبها.
ولعل هذا الوضع للسلطة الفلسطينية، ولكل حركة التحرر الوطني الفلسطيني، في جوهره العميق يخذل الشعب الفلسطيني، وغير بعيد عن أوضاع عربية مشابهة في الخذلان، بعد امتثالها لضغوط أمريكية وصهيونية بالعمل على تجريد قضية فلسطين عن الصراع العربي الإسرائيلي، بهدف تمزيق مركزية القضية الفلسطينية التي تفاخر نتنياهو مراراً بعدم سماعه من بعض القادة العرب عن أولوية القضية الفلسطينية. وهذا يتعارض كلياً مع التصور الوطني السليم لقضية شعب لم يبخل في تضحياته للذود عن أرضه ومقدساته وتاريخه وتراثه، يعني تغير المبادئ والأهداف التي لهثت السلطة الفلسطينية وراءها ومن خلفها فريق التطبيع العربي، ما أخرج بصورة غير مبهمة وبتعمد مسألة الصراع والصدام مع المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين إلى مقايضته والتحالف معه في بعض المواقع.

أخيراً، تواجه الحالة الفلسطينية اليوم، خيارات مريرة ومصيرية بأخطار لا حدود لها، تتطلب مجهوداً جباراً وسحرياً إذا شئنا القول لاستعادة زمام المبادرة، ومواجهة ما ينتظرها من وضوح في مشاريع العدوان المجدولة في قائمة الائتلاف الصهيوني الحكومي، خصوصاً في ظل التخريب الذي اعتمدته سياسات صهيونية وفلسطينية وعربية في محاولة لتدمير مكانة القضية الفلسطينية، غير أن ما أنتجته حالة الاشتباك من منجزات في الشارع وتصدي الشعب الفلسطيني للعدوان بعكس أمنيات الأوهام وتراجعها؛ يتطلب تمكين الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية من استعادة المكانة اللائقة والبارزة لفلسطين كقضية تحرر عربي، وذلك امتحان صعب، لكنه غير مستحيل.