بقلم: علي صالح
رحم الله شهداءنا الذين سقطوا بالجملة في مجزرة جنين ومخيمها صباح الخميس الماضي، لتصل حصيلة الشهداء في يوم واحد إلى عشرة مع سقوط العاشر في مواجهات في رام الله، وهذا هو العدد الأعلى منذ مطلع العام الحالي. وبلغ عدد الجرحى 20 جريحا4 منهم في حالة الخطر الشديد. وتضاعف عدد الشهداء تقريبا منذ مطلع السنة الجديدة، التي كما يبدو ستكون الأكثر دموية.
وأمام هذه المجزرة المروعة وغيرها، وأمام ماكينة القتل الإسرائيلية التي يواجهها شعبنا بشكل شبه يومي أعزل ومن دون حماية، يقف العالم من يمينه إلى يساره صامتا لا يحرك ساكنا. تعودنا ألا نتوقع حتى الإدانات من هذه الدول المنافقة، فهذا كثير عليها، وأكثر ما يمكن أن يتوقعه شعبنا من عالمنا المنافق هذا، دعوات الأطراف المعنية بضبط الأعصاب وعدم الانزلاق إلى أعمال عدوانية وعنفية جديدة، ووقف نزيف مزيد من الدم، والأخطر في ما يعنون أنهم يساوون بين الجلاد والضحية.
السؤال الذي يطرح نفسه وليس للمرة الأولى، بل للمرة المليون هو، إلى متى سنظل نقبل بهذا الوضع، بل هذه المهزلة التي نرى فيها شبابنا يتساقطون أمام أعيننا واحدا تلو الآخر.. شبابنا يتساقطون بالجملة ونحن، أو بالأحرى فصائلنا وحركاتنا، لا تزال تبحث حتى الآن عن وسائل الرد وتستخدم الديباجة نفسها وتهدد وتتوعد بالأسلوب القديم الآلي نفسه، من دون فعل حقيقي على الأرض يضع حدا لهذه المهزلة. بالتأكيد هناك غلط ما، في السماح بالاستفراد بشبابنا واحدا تلو الآخر. ولا بد من إعادة النظر في كل استراتيجياتنا، فلم يعد الانتظار ينفع ولا الصبر يفيد ولا ضبط الأعصاب محتملا. ومن يركن إلى الولايات المتحدة لتنصفه فإنها لن تعمل شيئا من أجل ردع هذه القوى المنفلتة.
وهنا أتحدث على وجه الخصوص عن قوات الجيش والشرطة والمخابرات الاحتلالية المفاجئة، التي اقتحمت وبشكل يعبر عن التحدي، المسجد الأقصى بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على وعد بنيامين نتنياهو للملك عبد الله الثاني في عمان، بألا يكون هناك أي تغيير في وضع الحرم القدسي. وهو الاجتماع الذي لم أجد له مبررا في هذا الوقت بالذات، الذي تشتد فيه معركة القدس، إلا إذا كانت هناك وعود كبيرة، وترتيبات خاصة، وأخمن أن تكون هذه الدولة هي دولة الإمارات، التي ربما وعدت بمساعدات سخية للأردن مقابل هذه الخطوة التطبيعية، التي فتحت متنفسا لنتنياهو. وسبب هذا الاعتقاد الذي يكاد أن يكون جازما، هو أنه جاء، كما أسلفت، بعد لقاء مفاجئ وسري بين وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي ديرمر في أول زيارة إلى الإمارات بعد فوز نتنياهو بالانتخابات، اجتمع خلالها مع مسؤولين إماراتيين. أما موقع «والا» العبري فنقل عن مصادر مطلعة مساء يوم الاثنين الماضي قولها، إن ديرمر بحث مع المسؤولين في أبوظبي، تفاصيل الزيارة المحتملة والمؤجلة لنتنياهو إلى الإمارات. وأشار الموقع إلى أن زيارة ديرمر لأبوظبي هي الأولى لوزير إسرائيلي إلى الإمارات، منذ تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل. إن ما يجري على الأرض لم يعد مقبولا أو محتملا في أي شكل من الأشكال، ولا بد من اتخاذ الخطوات التي من شأنها أن توقف هذه الغطرسة الصهيونية، وكما يقول المثل «لا يفل الحديد إلا الحديد». القرار الذي اتخذته القيادة الفلسطينية برئاسة أبو مازن يوم الأربعاء الماضي من شأنه أو هكذا نأمل، أن يلملم الوضع الفلسطيني المتبعثر، أو لنقل إننا نأمل في أن ينجح، في لملمة الوضع الفلسطيني ككل، حول موقف وطني واحد وبرنامج عملي لمواجهة التحديات الكبرى والمجازر اليومية التي يرتكبها جيش الاحتلال ورجال أمنه والمستوطنون ووقف عبثهم وجرائمهم. ووجه نبيل أبو ردينة الناطق باسم الرئاسة دعوة إلى الفصائل كافة لاجتماع طارئ لوضع رؤية موحدة لمواجهة العدوان الإسرائيلي. وأعلن أيضا عن وقف التنسيق الأمني مع أجهزة أمن الاحتلال ذلك التنسيق الذي كان السبب الرئيسي الذي يعرقل دوما اللقاءات ويفشلها. وقال إن التنسيق الأمني مع حكومة الاحتلال لم يعد قائما، اعتبارا من الآن. وهذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها القيادة الفلسطينية عن وقفه بالكامل بهذا الوضوح.
يجب أن تنتهز هذه الدعوة المفتوحة لتحقيق وحدة الموقف في الميدان وخارجه، ونوزع المهام ولا نحاول البحث عن المبررات لتجنب فشلها، خاصة أن المبرر الأساسي لفشل الدعوات السابقة أصبح غير موجود مع قرار القيادة الفلسطينية، وقف التنسيق الأمني الذي ظل لسنوات مسمار جحا الذي نعلق عليه دوما فشلنا. كانت هناك قبل أسابيع دعوة مفتوحة للحوار والبناء على الاتفاقات السابقة، لكن في المقابل كانت هناك عقبات أخرى منها الاعتراف بالاتفاقات الموقعة، أي الاعتراف بإسرائيل، إلخ، وإجراء انتخابات للمجلس الوطني، الآن الوضع لم يعد يحتمل ويجب ألا نضع العقدة في المنشار. فلنأخذ الامور خطوة خطوة. ففرص إنجاح هذه الدعوة الجديدة للقاء الوحدة كبيرة، إذا ما توفرت النوايا، خاصة أن عقدة التنسيق الأمني قد ازيحت من الطريق، ويبقى علينا أن نختار ما بين العمل للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يضع حدا للمجازر المرتكبة في حقنا، أو إبقاء الحبل جرارا لقوى البغي والطغيان. يجب أن نضع حدا لبياناتنا الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن يريد العمل لا يهدد بل يفعل. كفانا تهديدات ومراجل فمن أراد أن يفعل فالطريق أمامه مفتوحا. وعلينا الا نكتفي ببيانات النعي الجاهزة، وهي بيانات مكررة وأصبحت أقرب إلى الموقف الرسمي للسلطة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، توجه أحد الفصائل في أحد بياناته، إلى المؤسسات الدولية؟ لـ»محاكمة الإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم الاغتيال بحق الفلسطينيين في الضفة في المحاكم الدولية». وتذكرنا وكأننا بحاجة للتذكير بأن هذه الجرائم «تكشف حقيقة هذه الحكومة الإرهابية الفاشية». والأسوأ أن هذه طالبت بعد كل هذه العقود بضرورة وجود «حراك عربي ودولي لفضح إجرام الاحتلال ووقف عدوانه ومحاكمة مرتكبي الجرائم». واعتبرت جهة أخرى أن استشهاد شاب بنيران جنود الاحتلال أمام مرأى العالم جريمة بشعة تُثبت مرارا مدى التغول بحق شعبنا» (فنحن لسنا بحاجة إلى أي إثبات جديد). وتوعّدت بالرد على الجرائم الإسرائيلية، قائلة: «مجاهدونا لن يصمتوا طويلا أمام هذا الإجرام الفاشي (وما زلنا ننتظر). ودعت إلى «وحدة المقاومين وتصويب البوصلة نحو منع استقرار العدو على الأرض». وهناك من هذه الحركات من دعا الفلسطينيين في الضفة الغربية لـ»إشعال انتفاضة شاملة للجم عربدة وعدوان الاحتلال». وقالت: «ما يجري في الضفة نتيجة تحريض متواصل من قبل قادة الحكومة المتطرفة (وكأن هناك فرق بين الحكومة الحالية وسابقاتها)». هذا ليس سوى غيض من فيض، فالقرار قراركم وتتحملون مسؤوليته، شعبكم يراقب عن كثب. ولن يرحم في حكمه.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»