بقلم: مهدي عقيل
مع تأدية حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية مع حزبي الصهيونية الدينية والقوة اليهودية، اليمين الدستورية، أمس، تنبري تحديات خارجية أمامها اختصرها تقرير جهاز "أمان" بثلاثة: الميول الدولية، إيران، والداخل الفلسطيني.
أول من تحسّس من خطورة حكومة بنيامين نتنياهو السادسة هو المؤتمن على أعظم شيء تملكه إسرائيل (الجيش)، رئيس الأركان، أفيف كوخافي، الذي بادر إلى إجراء مكالمة هاتفية مع نتنياهو، في نهاية الأسبوع الماضي، في محاولة منه لعرقلة تحقق البنود الإشكالية في الاتفاقات الإئتلافية المتعلقة بإخضاع “الإدارة المدنية” (الضفة الغربية) لبتسلئيل سموتريتش (وزير المالية) أو لسرايا حرس الحدود لإيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي)، حسبما ذكر عوفر شيلح في “يديعوت أحرونوت”.
أما زميله ألوف بن، وفي مقالة له في “هآرتس”، فقد ذهب إلى ما هو أخطر من ذلك، حيث أشار إلى تنازلات شاملة أقدم عليها نتنياهو من شأنها أن تقلّص صلاحية الجيش ووزارة الدفاع وتُقوّض سلسلة القيادة في الجيش. وقال إن “هذه الخطوات هي خطوات مكملة ستضعف بحركة كماشة أداء الجيش في المناطق. للمرة الأولى أضيفت إلى الهرمية العسكرية – الأمنية جهات خارجية”. وتخوف ألوف بن من ضرب القضاء من طريق “حصانة للجنود. وحسب طلب بن غفير فإنه ستتم المصادقة على تشريع يقلص إمكانية تقديم الجنود للمحاكمة بسبب نشاطات عملياتية”، وتخوف أيضاً من صدور قانون يعفي، إلى الأبد، الأغلبية الساحقة من الشباب المتدينين من واجب الخدمة في الجيش، وهي قضية لطالما شكلت معضلة في تقويض قدرة الجيش على زيادة عدد المجندين في صفوفه.
إباحة التمييز العنصري
المس في الجيش على خطورته، كما في دور القضاء، لا يشكل خطراً أكبر من إباحة التمييز العنصري الذي يُهدد مجتمع الكيان الإسرائيلي برمته، والذي طالما “تغنّت” دولته بالديموقراطية والليبرالية والالتزام بالقواعد القانونية والعادلة والمساواة بين مختلف المواطنين بصرف النظر عن الدين أو العرق!
لم يعد بوسع الكيان دحض أو استنكار قرار الأمم المتحدة 3379 الصادر في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 1975 والذي نص على أن “الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”، في ظل حكومة تضم بن غفير، أحد تلامذة مائير كهانا؛ وأوريت ستروك (وزيرة المهام القومية) التي تقول بأن الطبيب يمكنه عدم تقديم العلاج الذي يعارض عقيدته “طالما أن هناك ما يكفي من الأطباء الآخرين الذين يمكنهم تقديم العلاج”؛ والشريك الأيديولوجي لبن غفير، سموتريتش، يخشى من أن زوجته ستكون في المستشفى قرب امرأة عربية، والذي أوضح للعرب بدون خجل أو وجل “انتم توجدون هنا بالخطأ لأن بن غوريون لم ينه العمل في 1948 ولم يقم برميكم”؛ وآفي معوز، رئيس حزب “نوعم” (نائب وزير، تابع لمكتب رئيس الحكومة)، الظلامي الذي يكره المثليين، يعرف بأن “الإسهام الأكبر للنساء في الدولة هو أن يتزوجن ويقمن عائلة نموذجية”؛ أما سيمحا روتمان (رئيس لجنة الدستور والخدمات الدينية) فيطلب من الفنادق رفض استضافة المثليين؟
ويزيد آلوف بن في هذا الصدد: “حسب مشروع قرارهم، يجب على التجار وسائقي السيارات العمومية والأطباء النفسيين وبائعي الورود المتدينين عدم تقديم الخدمة للنساء، أو طلب ارتداء التنورة منهن أو تغطية رؤوسهن؟ أو الامتناع عن تقديم الخدمة للعرب لأن “هذه دولة الشعب اليهودي”، أي ماذا أنتم بفاعلين بيننا؟
ويقول الكاتب أور كشتي في “هآرتس” إن “الكتلة الدينية – الحريدية تفضل القبلية على المساواة”، وبحسبه سيتم تجنب “المس بمصلحة تجارية خاصة امتنعت عن تقديم خدمة أو منتوج بسبب الاعتقاد الديني. بشرط أن تكون هذه البضائع والخدمة غير خاصة أو يمكن الحصول عليها في منطقة جغرافية قريبة وبسعر مشابه”. ويضيف أن “تعديل قانون مناهضة التمييز سيؤدي إلى تدمير إمكانية قيام دولة إسرائيل بالعمل كمجتمع، فيه يمكن لمجموعات مختلفة العيش معاً في ظل ظروف من المساواة والاحترام المتبادل”.
التحديات الخارجية
إلى ذلك، انتهى التقدير الاستخباري السنوي للعام 2023، لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، والذي تبلور في الأسابيع الأخيرة، وسيعرض قريباً على القيادة السياسية، إلى أنه ثمة مثلث من التحديات الخارجية يواجه إسرائيل، يتقدمه على التوالي: ميول عالمية، إيران والساحة الفلسطينية. والأمر يزداد خطورة وتعقيداً، بطبيعة الحال، مع حكومة مرفوضة من جزء كبير من المجتمع الإسرائيلي ويتعاطى معها المجتمع الدولي بخشية وحذر شديدين.
ميول عالمية
حسب تقدير شعبة الاستخبارات، فإن انعدام الاستقرار العالمي الذي ينبع في أساسه من الصراع بين الولايات المتحدة والصين سيستمر بل وسيحتدم. وتشير إلى أن الحرب في أوكرانيا سرّعت هذا الميل، وأساساً بتأثيره على أوروبا التي تضعضع أمنها، بلا غاز زهيد الثمن من روسيا وبلا سلاسل توريد من الصين (بسبب العقود التي ألغيت).
وتشير شعبة الاستخبارات أيضا إلى “التغييرات في داخل الولايات المتحدة كموضوع يوجب الاهتمام والتفكير من جانب إسرائيل، كي تحافظ على علاقاتها الخاصة معها. صحيح أنه لا يوجد لهذه التغييرات (الديمغرافية في أساسها ذات التأثير السياسي الواضح) حتى الآن تأثير على العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة وبالتأكيد ليس في المجال الأمني الاستخباري”.
إقرأ على موقع 180 حمى الله إنتفاضة لبنان
ويتخوف التقدير من أن تتحول دول الجوار إلى دول فاشلة، حيث يشير إلى مصر والأردن، مثلاً، على أنهما يعانيان من أزمة اقتصادية وغذائية غير مسبوقة نتيجة الحرب الأوكرانية وارتفاع أسعار الحبوب. وترى شعبة الاستخبارات أنه يتعين على إسرائيل أن تعمل قدر استطاعتها لمساعدتهما، مثلاً في مشاريع تحلية المياه وخدمات شمسية تساعد على حل أزمة المياه والطاقة الحادة في الأردن. ويتطرق إلى إمكانية تحول لبنان أيضاً إلى دولة فاشلة، ولكن لا يرى ضيراً في ذلك طالما يمكن أن يُشغل ذلك “حزب الله” الذي سيكون مردوعاً من الحرب، بحسب تقدير شعبة الإستخبارات.
إيران
توقعت شعبة الاستخبارات استمرار التدخل الإيراني في عدة جبهات؛ ففي غزة، إيران هي الممول الحصري لحركة “الجهاد الإسلامي” والممول الرئيس لحركة “حماس”. وعلى صعيد الساحة الشمالية، تقدر “أمان” بأن “إيران تفهم أنها فشلت في مساعيها للتموضع في سوريا لكنها ستواصل العمل على تسليح حزب الله”. وبشأن الملف النووي تركت “أمان” كل الخيارات على الطاولة بما فيها الخيار العسكري برغم تحذيرها من خطورته مخافة من أن يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة.
الساحة الفلسطينية
للمرة الأولى، لا تنظر شعبة الإستخبارات (“أمان”) إلى غزة والضفة كساحتين منفصلتين، بل كرزمة واحدة. وهذا ما يؤكد نجاح استراتيجية وحدة الساحات، التي اعتمدتها المقاومة الفلسطينية في حروبها الأخيرة مع العدو. وركزت شعبة الاستخبارات على اليوم التالي لأبو مازن (رئيس السلطة الفلسطينية)، وفي الوجهة التي ستتخذها في حينه السلطة الفلسطينية.
في المحصلة، ما يمرّ به الكيان هو الأخطر على الاطلاق منذ نشأته المشؤومة عام 1948، الأخطر عليه وعلى ومستقبله وربما على وجوده، والأخطر أيضاً على الفلسطينيين والعرب أجمعين (المطبعين منهم أو غير المطبعين). والسؤال هنا، هل سيقف الغرب على غير عادته، في مواجهة حكومة صهيونية بامتياز؟ أو سيضع رأسه في الرمال كنعامة ويدوس على شعارات الديمقراطية والليبرالية؟
هل ستؤدي الإندفاعة اليمينية في “إسرائيل” إلى تسريع وتيرة ضم الضفة الغربية وبالتالي إعادة الإعتبار للعمل الفدائي الفلسطيني من أرض فلسطين أولاً، ومن ثم نراه يتدحرج إلى باقي الساحات؟
لننتظر ونرَ!
المصدر/ ١٨٠ بوست