2024-11-30 12:55 م

يا للغرابة …لبننة أميركا ؟!

2022-11-18

بقلم: نبيه البرجي
   يا للغرابة , حين يفاجئنا ناخب أميركي بالقول لاحدى شبكات التلفزة “اليوم أشعر كما لو أننا أمام لبننة أميركا” ! لم يقل ـ مثلاً ـ صوملة أميركا . هل بات واقعنا مروعاً الى هذا الحد ؟ الى هذا الحد وأكثر …
  هي أمبراطورية , وحدودها تمتد من الأرض الى الكواكب الأخرى  , ونحن دولة مجهرية بالكاد تظهر على الخريطة .  ولكن ما تناهى الينا يوم الانتخابات النصفية يشي بوجود اختلال كارثي في البنية السوسيوسياسية لأميركا .
  استطلاع الـ CNN أظهر أن 70 % من الأميركيين خائفون على الديمقراطية , الكثيرون كانوا يقترعون بأسنانهم (أين كانت البنادق ؟) . القس البروتستانتي هنري ايرفنغ سأل “أي أيام مجنونة في انتظارنا ؟” .
    التماثل بيننا وبينهم بالشعارات وبالمواقف . الكراهية , والعنصرية , والنرجسية , في ذروة احتدامها . هذا لا يحول دون وجود من يقول “لا” لجو بايدن “الذي يجره الجنرالات كما تجر الثيران عربات القش” , و”لا” لدونالد ترامب الذي “تنبعث النيران من أذنيه” , والذي , ان عاد الى البيت الأبيض لا بد أن يحل حملة الفؤوس محل حملة الدستور في تلة الكابيتول …
     بول كروغمان , الحائز نوبل في الاقتصاد , يرى أن المال تحوّل الى ظاهرة ايديولوجية وتستوطن اللاوعي الجمعي , ما يحد من ديناميكية المفاهيم الأخلاقية , وحتى المسيحية , في الولايات المتحدة . هو وحده بات العامل الأساسي ليس فقط في قيام الدولة بل وفي بقائها أيضاً . هذه مسألة خطيرة . لا أحد من الساسة يكترث بذلك , بل انهم يعزون التصدع الحالي الى أسباب لاجوهرية .
   من هنا كانت الآراء الداعية الى الاتيان برئيس يكون بمواصفات الرؤساء الأوائل الذين كان يعنيهم كيف يجعلون من المهاجر “كائناً أميركياً” لا مجرد باحث عن الثروة في متاهات الغرب الأميركي .
   المال , كايديولوجيا , بحسب القس اللوثري , “يدفعنا أكثر فأكثر الى مراقصة الحطام” . هذا ما قد يستتبع الفوضى , وربما الانقلاب العسكري الذي يكرس صيغة للحكم على شاكلة تلك الشائعة في بلدان العالم الثالث .
  بدل “جمهورية الموز” أمبراطورية الموز” . ولكن , هل يمكن للولايات الخمسين , اذا ما تفكك العقد الاجتماعي (وهنا العقد القومي) , أن تبقى على تماسكها ؟ هذه مسألة مستحيلة . حتى في أزمنة الذروة  كانت هناك ولايات تعمل للانفصال بذريعة أن الولايات الأخرى عالة اقتصادية , واجتماعية , وحتى حضارية , عليها …
    بايدن بدا يوم الانتخابات النصفية نسخة عن دونالد ترامب الذي كان يحث البيض على الادلاء باصواتهم كي لا تتحقق نظرية صمويل هانتنغتون حول انتقال الأكثرية , ومعها السلطة , الى الملونين . بايدن حاول استثارة الناخبين الذين يتحدرون من آسيا , وأفريقيا , وأميركا اللاتينية , بتذكيرهم أنه فعل الكثير من أجل أن يندمجوا في المؤسسة , ويكون لهم دور مؤثر في ادارة هذه المؤسسة .
   باحثون تساءلوا ما اذا كان يمكن أن تعالج أميركا أزماتها البنيوية بتلك المعايير التي تفتك بـ”الروح الأميركية” . في محافل شتى , الكلام عن “المرض الأميركي” الذي يفترض التصدي له لا بوضع الكمامات على الأفواه وعلى الأدمغة , وانما برؤية خلاقة وبعيدة المدى , تتجاوز المفهوم الكلاسيكي للسلطة أو للصراع حول السلطة .
   لا يغيّر شيئاً أي تبدل في موازين القوة داخل الكونغرس . هذا يكاد يصبح تقليداً في تاريخ الانتخابات النصفية . من أصل 19 عملية انتخابية تمكن حزب الرئيس من الفوز مرتين فقط , سواء كان الرئيس القوي أم الرئيس الضعيف أوحتى … الرئيس المجنون !
  حالياً , المشكلة تأخذ منحى آخر . أوبئة متشابكة تستشري داخل المجتمع الأميركي والى حد التحذير من أن “تكون نهايتنا , بشكل أو بآخر , كما نهاية الهنود الحمر” , وحيث الصراع بين قبائل ظلت بعيدة عن ذلك الشيء الذي يدعى “عبقرية الدولة” أو “عبقرية التاريخ” .
    الزنجية الحائزة نوبل في الآداب كتبت “أولئك الذين يهللون للصراع بين الثور الأبيض والثور السود , تراهم يدرون أن أميركا , المضرجة بالدم , وحدها التي تسقط , أخيراً , في الحلبة” .
  لبننة أميركا … يا للغرابة !!