يعيش الشرق الاوسط في ذروة عملية تطور عميقة ومعقدة من الصعب السيطرة عليها، او التأثير على تطورها، وهذه التغيرات أثرت على سياسة الحكومة الاسرائيلية، التي تستند الى الاعتقاد بأن الوقت الراهن غير ملائم للمبادرات والخطوات التي تساهم في التشكل، وايضا، تؤثر على سياسة الرئيس الامريكي التي تدعي بأن لديها قدرة محدودة على معالجة مشاكل العالم بشكل عام والشرق الاوسط بشكل خاص، يضاف الى ذلك المشاكل الداخلية التي تعاني منها الولايات المتحدة، حيث التوجه الامريكي يشير الى الابتعاد عن حل الأزمات في الشرق الاوسط مع توجه لاخلاء القوات الامريكية من افغانستان كما حدث في العراق والابتعاد عن الخيارات العسكرية في ايران والامتناع عن التدخل العسكري في سوريا.
وفي ظل هذه الاسباب والعوامل يتضح أن لحظات الحسم باتت قريبة، وهناك مسائل وقضايا على الولايات المتحدة أن تعالجها، تفاديا لمخاطر كبيرة جدا قد تؤدي الى فقدان السيطرة واشتعال ساحات عديدة، لذلك، من المهم لاسرائيل التنسيق الاستراتيجي بشكل كبير مع الادارة الامريكية في ظل ولاية اوباما الثانية، ورسم خارطة المصالح الامريكية الاسرائيلية، وصحيح أن الولايات المتحدة واسرائيل لديهما مصالح مشتركة في منع ايران امتلاك قدرات نووية عسكرية الا أن هناك اختلافا حول الاسلوب والطريق الذي يجب اتباعه لمنع طهران من تحقيق اهدافها، واسرائيل وامريكا لهما مصلحة في سقوط النظام السوري، وهما تتطلعات الى تدعيم اتفاقيات السلام والمحافظة على استقرار الاردن، ومتفقتان على دعم جماعة الاخوان المسلمين وتعزيز سيطرتها على مصر.
التوصل الى استراتيجية مشتركة
أما المبادىء المهمة المفضلة لاستراتيجية اقليمية مشتركة بين اسرائيل وامريكا، فهي:
(1) أن لا تنفصل امريكا عن متابعة شؤون الشرق الاوسط، وأن تتعهد بمنع سقوط بلدان في المنطقة بأيدي الاسلام المتطرف.
(2) تقوية العلاقات الاستراتيجية والاستمرار في تعميق الاتصالات الامنية.
(3) تعاون كامل وصريح وواضح بين القيادات الاسرائيلية والامريكية والامتناع عن اية خطوات يمكن أن تشكل مفاجأة لأي من الجانبين.
(4) امتناع الولايات المتحدة عن وضع التحديات امام حكومة اسرائيل فيما يتعلق بالمطالبة بوقف البناء في القدس، فهذا الامر يتعارض مع الاجماع الاسرائيلي.
وبالمقابل ستعمل اسرائيل على وضع سياسة ذات مقاييس واضحة ومعتدلة فيما يخص أعمال البناء في الكتل الاستيطانية فقط.
(5) حوار مشترك من أجل بناء صورة مشتركة متفق عليها حول الاولويات في مواجهة التحديات السياسية والامنية والاقتصادية والدبلوماسية والاجتماعية.
(6) تفاهم مشترك بأن الشرق الاوسط لا يفهم لغة الكلام بل القوة والافعال، لذلك، يجب أن يكون هناك اصرار وحزم في تحقيق الاهداف ولو بالقوة.
وعلى هذا الاساس من الافضل التوصل الى رؤية استراتيجية متعددة المستويات والمراحل في وقت واحد:
ـ المستوى الاول: وقف المشروع النووي العسكري الايراني، وأن على اوباما توفير ضمانات لاسرائيل، بأن يطبق استراتيجية المنع، دون الانزلاق الى استراتيجية الاحتواء، وبناء الثقة بين واشنطن وتل ابيب يمكن أن تقوم على ثلاث نقاط اساسية:
(أ) التخطيط المشترك للخيار العسكري للمحافظة على نتائج الهجوم العسكري على المدى البعيد.
(ب) التوصل الى تفاهمات مشتركة حول اتفاق ممكن مع ايران، وقد تضطر اسرائيل في هذه الحالة الى اظهار مرونة في موضوع تخصيب اليورانيوم في ايران، يحيث يمنع الاحتفاظ بالمواد النووية المخصبة لمستويات اكثر من 3.5% وأن لا يتم تخزينها داخل الاراضي الايرانية.
(جـ) تكثيف اجراءات فرض العقوبات على ايران، ما دامت تطيل فترة المفاوضات حول مشروعها النووي.
ـ المستوى الثاني: الساحة الفلسطينية
على رئيس حكومة اسرائيل التعهد للرئيس الامريكي بأن يبذل الجهد المطلوب من أجل اطلاق العملية السلمية مع السلطة الفلسطينية واسرائيل ستوضح بأن فرص التوصل الى اتفاق دائم في المرحلة الحالية هي فرص ضئيلة جدا، ومع ذلك، على رئيس حكومة اسرائيل أن يضع على الطاولة اقتراحا يتضمن ثلاثة احتمالات متكاملة:
(أ) الاستمرار في العمل من أجل التوصل الى اتفاق دائم مع الاستعداد للعودة الى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، ومناقشة جميع القضايا الجوهرية.
(ب) ادارة المفاوضات على سلسلة من الاتفاقيات الانتقالية، الاساس فيها مجموعة من الخطوات المحدودة باتجاه اتفاق دائم، تحت عنوان كل موضوع وكل قضية متفق عليها يجري تطبيقها.
(ج) وضع الخيار المناسب والملائم احادي الجانب، الذي يقوم على حقيقة عدم وجود شريك فلسطيني للتوصل الى اتفاق دائم، حيث ستعمل اسرائيل بنفسها على رسم الواقع، على اساس الرغبة في الانفصال مع الاستعداد لاخلاء مناطق في الضفة، والانتشار من جديد على طول الجدار الفاصل وغور الاردن مع الحفاظ على حرية عمل الجيش الاسرائيلي في جميع انحاء الضفة الغربية والعمل بشكل دائم على منع انهيار السلطة اقتصاديا واداريا وامنيا.
اما بالنسبة لغزة فانها ستبقى خارج اية اتفاقيات طالما لا توافق حركة حماس على بنود الرباعية الدولية الثلاثة.
ـ المستوى الثالث: بناء الظروف المناسبة لليوم الذي سيلي سقوط النظام السوري، وهناك أهمية لتنسيق اسرائيلي امريكي غربي حول معالجة الموضوع السوري، والتركيز على ضرورة منع أي تأثير ايراني ومن حزب الله في سوريا ومنع سيطرة عناصر جهادية على الوضع في سوريا، ودعم اقامة نظام مستقر موالي لاسرائيل والغرب وامريكا.
ـ المستوى الرابع: وضع ما يمكن وصفه بالحزام حول سوريا من أجل تقليل خطورة التأثير السلبي للاوضاع في سوريا على جاراتها، مع الاخذ بعين الاعتبار والتركيز على اهمية الاستقرار في الاردن، ومنح دور حيوي ومهم لتركيا في هذا الحزام لمنع انزلاق الاثار السلبية الى خارج حدود سوريا، مع العمل على ايجاد الدعم الغربي المناسب، ومن الافضل ان يكون بقيادة فرنسية لتغيير ميزان القوى الداخلي في لبنان لصالح الجهات التي تعارض حزب الله.
ـ المستوى الخامس: الاستقرار في مصر وتعزيز الحكم المصري في سيناء والمحافظة على معاهدة السلام بين تل أبيب والقاهرة والالتزام بالتعهدات الامنية التي وردت في الملحق العسكري للمعاهدة، وان تعمل الولايات المتحدة على اقامة ائتلاف من الدول الغربية للمساهمة في دعم الاقتصاد المصري المنهار، ولكن، حسب الشروط التالية:
(أ) التزام النظام المصري بالحفاظ على معاهدة السلام مع اسرائيل.
(ب) فرض الامن والسيادة الفعلية على منطقة سيناء، والقيام بعمليات حقيقية وفعالة من الجانب المصري لوقف تهريب السلاح والوسائل القتالية.
(ج) التعاون الغربي مع النظام المصري للتعامل مع احتياجات القبائل البدوية في سيناء وتوفير اماكن العمل والدخل البديل عن عمليات التهريب، وبالمقابل ، تقوم اسرائيل بالتخفيف من التزامات النظام المصري، عبر تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة، من خلال تطبيق وتوسيع التفاهمات التي تم التوصل اليها في اعقاب الحرب على غزة.