2024-11-30 04:34 ص

نتنياهو من “كرسي المحكمة”.. إلى “عرش الأبارتيد”

2022-11-08

بقلم: مهى سمارة
جاءت نتائج الانتخابات عكس توقعات الاستطلاعات التي رجحت تعادل القوى بين الليكود والمعارضة. تفوق الليكود وحلفائه على خصومه بـفارق مقبول اعفى نتنياهو من مفاوضات شاقة لتشكيل الحكومة وضمن له البقاء في السلطة في غياب أي بديل جدي له ضمن معسكره. انتخابات 2022 اكدت وجود أزمة حقيقية في المجتمع الإسرائيلي. أزمة هوية أولاً، بدليل إنتصار الكاهانية بما تعنيه من خطاب يهودي ضد كل من هو غير يهودي سواء أكان مسلماً أم مسيحياً. نحن أمام تغيير حقيقي في الخارطة السياسية والمجتمعية الإسرائيلية. تحولات كيانية في دولة 1948. إسرائيل اليوم باتت دولة ابارتيد بلا أي التباس. كيان عنصري وقومي وديني متطرف لا يمت بصلة إلى شعارات الماضي عندما كان الأباء المؤسسون يتغنون بشعارات “الديمقراطية” و”العلمانية”. إسرائيل اليوم دولة فاشية تكره العرب الذين يشكلون 20% من سكانها وتمارس بحقهم كل انواع التضييق والعزل والملاحقة. منذ مجيء نتنياهو الى السلطة في العام 1996 تسارعت وتيرة التغيير الذي يُعبر عن مأزق هذا المجتمع. مع الوقت، لم يعد اليسار الإسرائيلي بمفهومه التقليدي قائماً، خصوصاً أن الشخصيات التاريخية غابت. حزب العمل، قاعدة اليسار الاولى ومؤسس الدولة تشقق وتراجع. الحركة النقابية (الهستدروت) تلاشت نفوذاً وحضوراً.. وفي الانتخابات الاخيرة لم يستطع حزب “ميرتس” اليساري الوصول الى الكنيست الخامس والعشرين للمرة الأولى منذ تأسيسه في العام 1992. ولنتنياهو الفضل في إطلاق العنان للرأسمالية المتوحشة والتركيز على التصنيع العسكري والتكنولوجي، وهو مسار ساعد في تحسين دخل الفرد الإسرائيلي واستقطاب اكثر من مليون مهاجر روسي قدموا الى إسرائيل بعد 1991، وهؤلاء ساعدوا في جعل إسرائيل مُجمعاً للشركات الغربية والاميركية تحديداً في قطاع الديجيتال والمعلوماتية. نتنياهو لا يؤمن بالديمقراطية. يتحاشى ذكرها ويتجاهلها كأنها غير موجودة لانها بالفعل لا تعني له شيئاً. يُفاخر بأنه سيُبقي “الخط الاخضر” ويضم المستوطنات في الضفة الغربية، ما يعني الترحم على حل الدولتين ونسف امكان قيام دولة فلسطينية مستقلة. اخصام نتنياهو ركزوا على محاربة الشخص، وهذه كانت نقطة ضعفهم الكبيرة في خطابهم الذي كان يفتقر إلى تقديم البرنامج البديل. اثبتوا انهم ينتمون إلى معسكر يميني واحد، وهم كذلك. هدفهم الوصول الى السلطة. لا رؤى للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ولا خارطة طريق لمستقبل إسرائيل كدولة ومجتمع.

اسباب عديدة مترابطة واستثنائية، ساهمت في عودة نتنياهو المظفرة. قاد زعيم الليكود معركته بحماسة ودهاء ومكر وثقة بالنفس. كان يُصوّر نفسه دائماً “ضحية”. زار قواعده باستمرار في مستوطنات الشمال والجنوب واستمع الى مطالب المستوطنين الفقراء من سكان الأرياف طيلة وجوده خارج الحكم. صبّ جام غضبه على سكرتيره السابق نفتالي بينيت الذي انشق عن الليكود وانضم الى المعارضة وألّف حكومة مع ثمانية احزاب اخرى تكن العداء له. تناول نتنياهو بلسانه السليط يائير لابيد ورؤساء اركان الجيش الإسرائيلي السابقين الذين يعارضونه. لكنه إتهم لابيد بالخضوع الى ضغوطات حزب الله في ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. كما انتقد خضوعه للضغوطات السياسية التي تمارسها ادارة بايدن وحمل بقسوة على خطابه في الجمعية العمومية للامم المتحدة عندما اعلن تأييده حل الدولتين. عودة نتنياهو واليمين الديني تثير قلقاً داخل إسرائيل أكثر من خارجها. مآلات هذه العودة المزيد من تجذير الصراع. سيطرة اليمين المتطرف تشي بإندلاع انتفاضات فلسطينية جديدة. طلائعها بدأت في جنين ونابلس ورام الله والخليل عبر ظاهرة “عرين الأسود”. الرئيس جو بايدن شدد في اول تعليق له على هذه الانتخابات على ضرورة احترام حقوق الاقليات الاخرى في إسرائيل. يعود نجاح نتنياهو الى حسن ادارة معاركه الانتخابية أولاً وضعف اخصامه ثانياً. اعتبر الدورة الخامسة للانتخابات خلال أقل من أربع سنوات معركته الشخصية. إما البقاء والاستمرار او اعلان نهاية حياته السياسية ومواجهة الدعاوى القضائية الثلاث المقامة ضده في تهم الرشوة واستغلال النفوذ والفساد. لذلك اشرف على المعركة الانتخابية بتفاصيلها الدقيقة لأنها كانت معركة حياة او موت بالنسبة إليه. وحسب الصحافة العبرية، لن يتردد هذه المرة في تنفيذ إنقلاب من خلال إقالة المستشار القانوني للحكومة وإلغاء دوره، وسنّ قانون التغلب الذي يسمح للكنيست برفض قرار أصدرته محكمة العدل العليا وتشريع ما يريده، حتى من قوانين غير قانونية، وإعطاء الكنيست حق اختيار قضاة المحكمة العليا، وتقييد حرية التعبير، وملاحقة الصحافيين، كما تقول صحيفة “هآرتس” في إحدى إفتتاحياتها الأخيرة.

نتنياهو نسخة 2022 لم يتغير كثيراً. ربما زادته الأيام شرهاً للسلطة فمارس كل ما يخطر أو لا يخطر على البال من مناورات ومكر ودهاء ومكيافيلية للوصول الى الحكم. انه حيوان سياسي يريد السلطة بأي ثمن.. مصير نتنياهو كان على المحك بين الوصول الى كراسي الحكم او على كراسي المحكمة وصولاً إلى السجن. لذلك معركته كانت مفصلية: اما الانتهاء سياسيا او البقاء في حلبة المصارعة. تمكن نتنياهو من استنهاض الصوت الإسرائيلي (73% نسبة المشاركة) وفي الوقت ذاته شن حملات تضليل ورياء وكذب على المواطنين العرب، لتنويمهم وابعادهم عن الادلاء باصواتهم. لانه يعرف انه لو صوّت العرب بكثافة لتغيرت النتائج وتحولوا الى كتلة وازنة في الكنيست تجعل من العرب بيضة القبان في تسمية رئيس حكومة إسرائيل المقبل. لكن تمنع العديد من العرب المحبطين من التوجه الى صناديق الاقتراع أدى إلى إنخفاض نسبة التصويت عندهم عكس اليهود. وما جرى في انتخابات 2021 بانضمام القائمة العربية الموحدة للحركة الاسلامية برئاسة منصور عباس الى حكومة نفتالي بينيت/ يائير لابيد لم يكن نموذجاً مُغرياً للإسرائيليين ليكوداً ومعارضة! وكالعادة ساعد العرب نتنياهو بعدم توحد احزابهم التي تعرضت الى التشرذم والانقسام مما حرم بعضهم من الوصول الى الكنسيت لعجزهم عن تجاوز الحد الادنى المطلوب كما حدث مع حزب التجمع الوطني بقيادة سامي ابو شحادة. وهكذا ضيّع العرب بانقساماتهم فرصة قيام كتلة عربية وازنة من 15 نائبا واكتفوا بكتلتي الجبهة العربية للتغيير بقيادة النائبين ايمن عودة وأحمد الطيبي التي نالت 5 مقاعد والقائمة العربية الموحدة للحركة الاسلامية بقيادة منصور عباس التي نالت 5 مقاعد ايضا. لقد استعمل نتنياهو الاحزاب الدينية الصغرى مثل الحزب الصهيوني الديني برئاسة الارهابي المتطرف ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش اللذين نالت كتلتهما 14 نائباً. ثمة سؤال حول مدى قدرتهما على البقاء تحت سلطة نتنياهو. الآتي أعظم إذا رضخ نتنياهو لشروط بن غفير وسموترتش وأعطاهما وزارتي الداخلية والعدل في سياق خطة تهدف إلى التضييق الكلي على الفلسطينيين حتى طردهم من أرضهم. ليس مستبعداً أيضاً أن ينقلبا على نتنياهو إذا لم يتجاوب معهما وعندها سيندفعان إلى ممارسات وحوادث عنف وتضييق على اهالي القدس العربية والضفة الغربية وهو مسار سيؤدي حتماً إلى الإنفجار.