بقلم: ابراهيم الأمين
ليس ميشال معوض مرشحاً غريباً لرئاسة الجمهورية. بحسب العجينة اللبنانية، هو سليل عائلة لها علاقة بهذا الإرث. والشاب المولع بالسياسة الأميركية، ويريد أن يكون رأس حربة في المشروع المواجه لحزب الله في لبنان، وهو ما يناسب حلفاء أميركا والسعودية على وجه الخصوص. لذلك، فإن دعم القوات اللبنانية لترشيح معوض لا يعكس إطلاقاً قناعة بأهمية الرجل، بل في أنه طالما أن من المستحيل أن يصل سمير جعجع إلى القصر الجمهوري، فليجر العمل على الإتيان برئيس على مقاس المشروع السياسي الذي تنتمي إليه القوات. وهو ما يصب في خانة التصور السعودي لدور رئيس الجمهورية المقبل.
عملياً، لا تبدو القوات غير منسجمة مع نفسها في ترشيح معوض أو دعم ترشيحه. لكن متى أتيحت لها الفرصة للتعبير عن رأيها الحقيقي، فهي لا ترى غير جعجع من يناسب هذا الموقع. والعقل القيادي في القوات، كما القاعدة الاجتماعية، سيبقيان في حيرة من استعصاء الإجابة على سؤال: ماذا فعلنا حتى تكرهونا إلى هذا الحد؟
ماذا عن الحزب التقدمي الاشتراكي والعشيرة الجنبلاطية؟ صحيح أن معوض هو ابن عشيرة ولو صغيرة، لكنه من السلالات التي لا تستفز إقطاعية المختارة. ولا يقف الأمر عند هذا الحد. فسليمان فرنجية، مثلاً، هو أيضاً ابن سلالة لا تخيف آل جنبلاط. بالتالي، فالمفاضلة هنا ليست للسبب نفسه الموجود لدى القوات اللبنانية. ليست لوليد جنبلاط مشكلة جدية مع فرنجية، ولا تهمه الخلفية السياسية للرجل، كما لا يهمه على الإطلاق إن كان صديقاً لبشار الأسد أو حليفاً لحزب الله. هو، كالرئيس نبيه بري، يتصرف على أساس أنه يمكن التعاون والتفاعل مع رئيس كفرنجية باعتباره ابن الصيغة الأولى لهذا الكيان، وأحد المتدرجين في الصيغة الجديدة. لكن مشكلة جنبلاط أنه مضطر، الآن، للوقوف على خاطر السعودية أولاً، والأميركيين ثانياً. غير ذلك، لا شيء يربطه بمعوض، لا 14 آذار ولا 17 تشرين ولا حتى برنامج المساعدات الأميركية. بل على العكس من ذلك، يعرف كثيرون من زوار «البيك» أنه لا يهضم معوض الشاب ولا أمه ولا حتى المرحوم والده، لكن لا يمكن لجنبلاط، في هذه اللحظة، أن يتمرد على السعودية في لحظة يخشى فيها غضب المرجعيات الإقليمية والعالمية. وكل ما ينتظره هو نجاح المساعي الفرنسية في التوصل إلى صيغة تشطب معوض من لائحة المرشحين، ليكون قادراً على العودة إلى فكرته الأولى بأن «شبيهاً لإلياس سركيس يفي بالغرض في هذه المرحلة». وهو، هنا، يتصرف بواقعية السياسي الذي يشعر بأن أحداً لا يمكنه فرض رئيس على الآخرين، وأن التوازن القائم في مجلس النواب لا يسمح لأي من الفريقين بالإتيان برئيس وفرضه على الآخرين.
وبين موقفي القوات وجنبلاط، سيبقى ترشيح معوض عنواناً لجلسات انتخابات الرئيس، مع بعض الترفيه الذي يتولاه نواب «التغيير» الذين يبحثون، عقب كل جلسة، عن شخص من خارج الانقسام الكبير. علماً أنهم ليسوا في موقع القادر على فرض الشروط، ولا معروض عليهم أن يكونوا بيضة قبان في استحقاق كرئاسة الجمهورية. لذلك، كل ما سيناله الجمهور من هؤلاء هو مزيد من الهضامة - الزناخة التي تجعلهم، يوماً بعد يوم، مجموعة مثيرة للشفقة، ويعكسون عملياً الوجه الفعلي لما انتهى إليه حراك 17 تشرين.
على الجبهة الأخرى، ليس هناك إلا حزب الله من هو قادر على لعب دور مركزي في النقاش مع الفريق المسيحي الخصم للقوات، ممثلاً بالتيار الوطني الحر من جهة، وبقسم من أركان الكنيسة والمستقلين المسيحيين من جهة ثانية. والحزب لا يمكنه مراضاة الجميع، والاتصالات التي يجريها تشير إلى أنه لا يمانع في حصول توافق على فرنجية، لكنه لن يحمل العصا - ولا هو قادر - لتكسير رؤوس المعارضين، وسيحاول التوصل إلى تسوية شاملة بين فرنجية والتيار الوطني الحر الذي يرفض رئيسه جبران باسيل ترشيح فرنجية، ويدعم في المقابل توافقاً على شخصية ثالثة، تنطلق من بركة بكركي، وتأييد الكتلة المسيحية الحليفة لحزب الله، وتنال دعم تحالف اتفاق الطائف الذي يجمع بري وجنبلاط وتركة تيار المستقبل.
عملياً، الاتصالات والمواقف القائمة اليوم تشير إلى أن على اللبنانيين الانتظار ريثما يعود العقل إلى العمل في الولايات المتحدة والسعودية، علهم يفهمون أن وقائع لبنان الصلبة تمنحهم فرصة التعطيل لا الفرض. بينما استمرار الانهيار، وإن كان سيصيب كل الناس من دون استثناء، فإنه سيجهز على ما تبقى لهم في هذه البلاد. وليس هناك من مؤشر على الوجهة الأميركية - السعودية سوى ما يحمله الفريق الفرنسي في باريس وبيروت. إذ تعتقد فرنسا أنها الطرف الوحيد القادر على تولي مهمة الجسر الواصل بين الفرقاء المتنازعين... وحتى ذلك الوقت، سيظل الرئيس بري يتسلى بنا وبالنواب وبمن أوقعهم الله بين يديه!
المصدر: الاخبار اللبنانية